مشاري الذايدي

laquo;على الأرجح فإن النشاط الإرهابي لن يتوقف، وربما تخرج قوائم أخرى بأسماء المطلوبين غير قائمة التسعة عشر، أعضاء خلية اشبيلية، ثم قائمة 26 التي أعلنت مؤخرا، فالقاعدة السعودية لا تخفي نيتها بالمواصلة والاستمرارraquo;.

laquo;المتوقع في أحسن الأحوال هو بقاء النشاط الإرهابي على ما هو عليه، وفي أسوئها ارتفاع معدلات العنفraquo;.

30 من ديسمبر 2003

laquo;هذه المنظمة الاصولية لم تختف بعد، والاكثر ازعاجا، أنها بوصفها، laquo;حالة فكريةraquo; وقابلية التفاعل معها، لن تنتهي في الأمد القريب، وهي تفاجئ الكثيرين بالاندلاع بين حين وآخر، فبعد فترة كمون وهدوء قاربت 6 اشهر في السعودية، عادت لتنفذ في أول الشهر الاخير من السنة المنصرمة عملية القنصلية الامريكية في مدينة جدة، لتضرب في آخره في الرياضraquo;.

4 يناير 2005

هذه الفقرات، أعلاه، هي من مقالتين خطهما كاتب هذه السطور في نهاية عام 2003، وبداية 2005، بفارق سنة.

وقد كتبت في مناسبات متفرقة، كان الحديث عن مشهد العنف الديني (الارهاب) في السعودية، ماذا فعل وماذا سيفعل. في الحالتين لم تكن الامور مريحة!

في نهاية سنة 2004 أذكر أنه، وقبل الهجمات على القنصلية الامريكية في جدة ووزارة الداخلية ومبنى تدريب الطوارئ في شهر ديسمبر، كان هناك من يتحدث بغبطة عن انتهاء معركة الارهاب! غير أنه كان للارهابيين رأي آخر... وفي المقابل، كان أحد laquo;المعارضينraquo; السعوديين في الخارج توقع أن تكون سنة 2005 هي سنة القمة الارهابية وأن الارهابيين سيصعدون عملياتهم وسيستهدفون رموز العائلة المالكة...! طبعا لم يحصل شيء من هذا، ونتمنى ان لا يبلغ الارهابيون اهدافهم، ولكن السؤال: هل تحول تفسير الارهاب الى شماعة يعلق عليها البعض امانيهم؟!

بالعودة الى مشهد الارهاب في السعودية، تشاء تصاريف القدر ان تختتم القاعدة هذه السنة، بسيناريو مشابه لما انهت به سنة 2004، فقد وقعت مواجهات القصيم التي قتل فيها خمسة من رجال الامن واثنان من ارهابيي قائمة الـ36 المطلوبين، والتي لا نتوقع انها ستكون الاخيرة، الاثنان هما محمد السويلمي وعبد الرحمن المتعب، وهما من الجيل الجديد من القاعدة، فكلا الشابين يسبحان في مياه العشرينات، ما يعني أن مفرخة الارهاب تعمل وتنتج، وصولا الى الشكل النهائي المتمثل بنموذج المقاتل القاعدي، مثل السويلمي والمتعب، ولكن الانظار منصرفة عن المراحل الطويلة التي مر بها منتج المقاتل القاعدي، فهو لم يولد فجأة، او اصبح ذات يوم، وقال: هاه! ماذا لدينا اليوم؟! حسنا سأقوم بعملية انتحارية!

سأركز على المشهد السعودي، في ما يخص حكاية الارهاب الديني، مع علمي بأنه في السنة المنصرمة ضرب في مصر من خلال تفجيرات الميادين العامة، وضرب في الاردن من خلال تفجيرات فنادق عمان، وضرب في لندن من خلال تفجيرات القطارات، وضرب في الكويت. وما زال يضرب في العراق.

نقتصر هنا على مسألتين، الاولى: ماذا عن وضعية الارهاب في 2006 قياسا بـ2005؟ والثانية: ماذا عن اثر غياب اسامة بن لادن على وضعية القاعديين او المتعاطفين معهم؟

بالنسبة للمسألة الاولى، فإنه اذا أخذنا مؤشر الارقام والاحصائيات التي اعلنت عنها السلطات الامنية السعودية، فسنجد نتائج جيدة من الناحية الامنية، ليست مثالية، ولكنها جيدة، خصوصا اذا ماصففناها الى نتائج ميدان التربية والتعليم والاعلام... الخ

فقد كشف الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي في فبراير الماضي، أن السعودية أحبطت خلال العامين 2003 و2004، 52 عملية. وشهدت البلاد 22 عملية ارهابية، ما بين تفجير واعتداء واختطاف، ونتج عن ذلك مقتل 90 مدنيا إلى جانب إصابة 507 أشخاص، بينما قضى في المواجهات 39 رجل أمن وأصيب 213، وقتل من الإرهابيين 92 وأصيب 17، وتجاوزت الخسائر المادية في الممتلكات والمنشآت مليار ريال، 266 مليون دولار.

هذه الارقام والاحصائيات لم تتناول ما جرى بعد ذلك، في سنة 2005، وقد جرت فيها فصول كثيرة، منها:

في شهر مارس اعتقلت سلطات الأمن 18 شخصا ينتمون لمجموعة ارهابية في مدينة الزلفي (280 كلم شمال الرياض).

وفي ابريل قتل مطلوبون على قائمة الـ26، أهمهم: سعود العتيبي والمغربي عبد الكريم المجاطي، في معركة شرسة بمدينة الرس في منطقة القصيم. كانت هذه المجموعة ذات علاقة بتفجيرات مجمع المحيا السكني (نوفمبر2003).

وفي يونيو السلطات السعودية تعلن قائمة ثالثة لمطلوبين تتكون من 36 شخصا.

وبعد خمسة أيام من إعلان القائمة قتل أحد قيادات تنظيم القاعدة من القائمة الجديدة، وهو المغربي يونس الحياري، على يد الامن السعودي في الرياض.

وفي سبتمبر وقعت معركة حي المباركية في مدينة الدمام شرق السعودية، التي استمرت ثلاثة ايام، وقتل فيها عدد من المطلوبين ورجال الامن.

وفي خاتمة ديسمبر، أي قبل عدة ايام، اندلعت مواجهات محافظة المذنب في القصيم.

ورغم محطات 2005 الساخنة في معركة الارهاب، إلا أنه يجب الاقرار بأن هناك شعورا تكون لدى السعوديين، هو شعور الارتياح وعدم القلق، فنحن نشهد أنه لم يعر احد اهتماما لافتا لمثل هذه الاحداث قياسا باحداث 2003 و2004 التي شهدت ذروة الصعود الارهابي، ولطخها المقرن ورفاقه بصور مثيرة للغثيان بنحر الضحايا مثل العجول، هناك من يرجع هذه laquo;اللامبالاةraquo; الى حالة laquo;التشبعraquo; والتعود على حضور الحدث الارهابي ضمن مفردات الحياة العادية. وهناك من يقول إن هذه اللامبالاة تعود الى انشغال الناس بجني المال وحكايات سوق الاسهم، التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، خصوصا مع ميزانية سعودية غير مسبوقة بلغت (104 مليارات دولار)، فيما حددت النفقات بنحو (89.3 مليار دولار)، الامر الذي حدا بالملك عبد الله بن عبد العزيز الى مخاطبة الوزراء بالقول laquo;لا يوجد عذر.. الآن ولله الحمد الخيرات كثيرةraquo;.

وحسب خبراء فإن حجم الاموال التي تم تداولها في سوق الاسهم السعودية خلال العام المنصرم بلغ ما يقارب (تريليون دولار).

بعبارة اخرى: الناس بهوس استغلال الطفرة الثانية في السعودية، من اجل تغيير التحول الى عالم الاغنياء. هناك شعور بأنها لحظة استثنائية، يجب التركيز عليها بشكل عال، وترك اي شيء اخر، حتى لو كان انفجارا او اطلاق رصاص بالجوار، لاحقا سنتفرغ لذلك!

الخشية أن هذا الولع بسوق الاسهم، سيقلل من التركيز الواجب على هذه المسألة الوجودية الخطيرة، وتركها لـ(الفنيين) والمختصين، وربما كان ذلك فرصة لنمو النباتات التي تنمو في الظلام بعد ابتعاد اضواء تركيز المجتمع عنها، وما ترتب على هذا التركيز على جدل الارهاب من حراك صحي، صحيح أنه في أوله، ولكنه كان نافعا لجهة اكتشاف الذات بشكل معمق ودائم.

المسألة الثانية التي نريد الحديث عنها هي: لو قتل اسامة بن لادن هل سيضعف هذا الارهاب؟

بن لادن اثار الفضول والاهتمام بسبب غيابه عن laquo;الكليباتraquo;، التي تتحفنا بها الجزيرة، منذ سنة تقريبا، وعوض غيابه laquo;السنيدraquo;، ايمن الظواهري، بحوالي سبعة خطب واطلالات تلفزيونية ينظر فيها ويثرثر، ورسالة يطلب فيها مائة الف دولار laquo;قرضا حسناraquo; من الزرقاوي في العراق.

غياب غريب فعلا، حتى إن رامسفيلد قال قبل عدة ايام: laquo;من المثير للاهتمام اننا لم نسمع منه شيئا منذ قرابة عامraquo;.

شخصيا لا أعتقد بوجود تأثير ايجابي لغياب اسامة بن لادن، بالموت او بالاسر، على انصاره في العالم الاسلامي، بل انني اعتقد ان تأثير غيابه سيكون سلبيا! نعم سلبي، لأنه ببقائه حيا سيظل يخطب ويتبنى عملية هنا وهناك، وسيرتكب اخطاء، وسيثير غضب مجتمع اسلامي في احدى اشاداته المتوقعة بالارهاب، الامر الذي سيقرض من اطراف صورته الرمزية، لأنه شئنا أم ابينا، قد تحول الرجل الى laquo;رمزraquo; مثالي للكثير، حتى لدى غير المتدينيين، في العالم الاسلامي.

في هذا الصدد اثارت اهتمامي ملاحظة ذكية سمعتها مؤخرا تقول: هل يصبح اسامة بن لادن هو خميني السنة؟!

بمعنى ان يصبح هو ملهم الاسلامي السني الثائر، تماما كما اصبح الخميني هو ملهم ورمز الاسلام الشيعي الثائر؟

ربما نختلف في الاجابة، ونقدم اوجه عدم التطابق بين الحالتين، باعتبار ان الخميني اقام دولة، في حين ان بن لادن يقبع، كما هو متوقع، في جبال وزيرستان، وباعتبار الفرق بين النظرية السنية السياسية عن الشيعية...

غير ان كل ذلك لا يلغي ان الشخصين ثورا الراكد من حولهما، ونجحا في التحول الى مصدر الهام ثوري للراغبين، كل في محيطه الطائفي، وهنا تكمن اهمية ان يبقى بن لادن حيا، حتى يخطئ اكثر، ولا يصبح رمزا، خصوصا ان معدل الارهاب لن يتأثر كثيرا بحضوره وغيابه، ولكن نقاء الصورة الجهادية التي يشكلها لدى من وصل به الى مراتب القديسين، هو الذي سيتغير، وهذا ما يهمنا...

بكل حال، كما في نهاية 2003 و2004 اقول في نهاية 2005 : الارهاب الديني سيظل، وربما يتخذ صورا اخرى، ويأخذ شكل الاناء السياسي، الذي يصادفه في الطريق، والتحالفات العابرة، مع هذا الطرف او ذاك، لأن معضلة الارهاب موصولة باسباب اخرى، اسباب الثقافة والسياسة، هي معقد المشكلة ومربط الازمة، والحراك فيها ليس بذلك النشاط... الى هذه اللحظة، ولا يراد له ان ينشط من قبل قوى معروفة.

في النهاية، طاب عامكم الجديد، ورحم الله اعوامنا الغابرة... التي ربما نبكي عليها اذا رأينا غيرها!


[email protected]