الأربعاء:04. 01. 2006

أبو خلدون


رحم الله الفيلسوف الفرنسي فولتير الذي قال: ldquo;قد أخالفك الرأي، ولكنني على استعداد للدفاع عن حريتك في إبداء رأيك حتى أخر قطرة من دميrdquo;. كان ذلك في زمن مضى وانقضى كانت فرنسا فيه تؤمن بالحرية والإخاء والمساواة، وكانت منارة إشعاع، وثورتها مصدر إلهام لكل شعوب العالم بأسره. أما الآن، فإن الحرية هي الاكثر عرضة للانتهاك في فرنسا التي أصدرت قانونا يمنع رعاياها من المسلمات ارتداء الحجاب الإسلامي، وقدمت المفكر روجيه جارودي للمحكمة، وفرضت عليه غرامة 50 ألف دولار لمجرد أنه مارس حريته في إبداء رأيه وكتب كتابا بعنوان الأساطير المؤسسة للسياسة ldquo;الإسرائيليةrdquo; كشف فيه زيف الإدعاءات ldquo;الأسرائيليةrdquo; وخطورة السياسة التي تتبعها هذه الدولة على السلام العالمي. ومع ذلك فإن أيا من المثقفين الفرنسيين الذين ساروا في مظاهرات صاخبة احتجاجا على محاكمة الجاسوس اليهودي درايفوس لم يتحرك ويحتج على عملية القمع التي مارستها المحكمة الفرنسية ضد جارودي وحقه في إبداء رأيه.

وقبل أسابيع، تعرضت دار القلم الفرنسية لعملية قمع مماثلة بسبب نشرها طبعة فرنسية لكتاب إسرائيل شامير ldquo;الوجه الآخر لrdquo;اسرائيلrdquo;rdquo;. وكتاب شامير عرضناه في هذه الزاوية عند صدوره، وقلنا إن ldquo;إسرائيلrdquo; لا وجه آخر لها، وليس لها إلا وجه واحد هو الوجه العنصري الإجرامي. والإيحاء بأن هنالك وجها آخر لها هو في الواقع تجميل صورتها، ولكن المحاكم الفرنسية لها رأي آخر، فقد قدمت مدير دار القلم للمحكمة بناء على دعوى رفعتها ضده عصبة مناهضة العنصرية واللاسامية (ليكرا)، أو اللوبي اليهودي الفرنسي الذي يمارس دورا في السياسة الفرنسية شبيها بالدور الذي يمارسه اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، واتهمت المحكمة مدير دار النشر عبد الأله علوي بالحض على الكراهية والعنف، وبإثارة النزعات العنصرية ضد أتباع إحدى الأديان، وحكمت عليه بالحبس ثلاثة أشهر مع وقف التنفيذ، وغرامة مقدارها 23 ألف يورو من بينها 12 ألف يورو كتعويض لليكرا. واستندت المحكمة في قرارها على أن الكتاب يتحدث عن اليهود في كل صفحاته بصيغة الجمع (؟!!) ويوحي أنهم يسعون إلى السيطرة على العالم وإشعال حرب عالمية ثالثة بدأت نذرها تطل برأسها في عدة أمكنة من العالم. ووصفت المحكمة المؤلف، وهو يهودي، بأنه معاد تقليدي للسامية، وخصوصا في الفقرات التي يستشهد فيها ببروتوكولات حكماء صهيون. وكان إسرائيل شامير قد ذكر في كتابه ldquo;إن بروتوكولات حكماء صهيون ينبغي النظر إليها باعتبارها منشور سياسيrdquo;.

والحكم الذي أصدرته المحكمة الفرنسية، كما الحكم الذي صدر ضد روجيه جارودي، سابقتان خطيرتان فيما يتعلق بالحديث عن الدين اليهودي وانتقاد ldquo;إسرائيلrdquo;، ومن يقرأ كتاب جارودي المنشور حاليا على الانترنت، وكتاب إسرائيل شامير يكتشف أن اتهام الإثنين باللاسامية غير وارد على الإطلاق. أما بالنسبة لاستشهاد شامير ببروتوكولات حكماء صهيون، فإنه تساءل في كتابه عن السبب الذي يجعل الناس يقبلون على قراءة البروتوكولات رغم مرور ما يزيد على قرن على نشرها، ورغم أن شبهات التزييف تحوم حولها، واستنتج أن الإقبال سببه أن الصهاينة جعلوا البروتوكولات دستورا لهم يسترشدون به في كل شؤونهم.

وفي ألمانيا المجاورة لفرنسا جغرافيا، مفكر آخر يقبع في السجون بانتظار المحاكمة بتهمة التشكيك بالهولوكوست هو إيرنست زندال. وزندال لم يشكك بالهولوكوست وإنما قال إن رقم الستة ملايين مبالغ به إلى حد كبير، استنادا إلى الوثائق التي عثرت عليها قوات الحلفاء والشهود. والمضحك المبكي في مأساته هو أنه عندما يقف أمام القضاة في المحكمة لن يكون إلى جانبه محام يدافع عنه، وإلا فإن المحامي سيتهم بالتشكيك بالهولوكوست.

[email protected]