الخميس:05. 01. 2006

خيرالله خيرالله

لو لم يكن كلام السيد عبد الحليم خدّام النائب السابق للرئيس السوري مهماً، لما كانت ثارت ثائرة النظام عليه ولما كان يتامى النظام الأمني السوري- اللبناني دخلوا في مرحلة من الهلوسة أضطرّت أحد هؤلاء اليتامى، أي الرئيس اميل لحود، لتأكيد انه لا يكن عداء لرفيق الحريري وأنه لم يقسم يوماً بأنه سيظل واقفاً بالمرصاد له حتى آخر يوم في حياته...
كل ذلك ليس مهماً، خصوصاً ان اميل لحود لا يستحق أكثر من أن يكون من مخلفات ماض عفن سيكتشفه اللبنانيون والعرب عاجلاً أم آجلاً، لكنّ المهم ان البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية اللبنانية ياخذ على خدّام أنه سعى الى أدخال الجيش اللبناني الى جنوب لبنان وايصاله الى الحدود أو على الأصح الى خط وقف أطلاق النار مع العدو الأسرائيلي. ويضيف البيان أن ذلك لم يكن يتفق مع توجهات الرئيس الراحل حافظ الأسد، كما لو أن ارسال الجيش الى ما يسمّى الخط الأزرق خيانة وطنية، وكأن للجيش مهمة أهم من الدفاع عن لبنان والوقوف على طول خط وقف النار مع العدو ألأسرائيلي.
ربما كان خدّام مع القرار الوطني بأرسال الجيش الى الجنوب، وربما لم يكن مع هذا القرار الذي يصب في النهاية في مصلحة لبنان وسوريا وليس في مصلحة أسرائيل التي سعت دائماً الى أبقاء جبهة جنوب لبنان مفتوحة بغية أبتزاز لبنان من جهة وتأكيد انها في موقع الضحية من جهة أخرى، علما بأن اسرائيل لا تمارس يوماً سوى الأرهاب. أكثر من ذلك، يكمن طموحها الحقيقي والدائم في ان تجد من يبرر لها ممارساتها كما حصل أخيرا في جنوب لبنان عندما اطلقت صواريخquot;كاتيوشاquot; على مستعمرة كريات شمونة بما يسمح لها بالقول بأنها تتعرض لهجمات من جنوب لبنان وأن لبنان ليس بلداً قادراً على السيطرة على أراضيه. هل هذا ما قصده أميل لحود وأولئك الذين يحركونه من وراء الحملة على عبدالحليم خدّام؟
لم يقل النائب السابق للرئيس السوري سوى جزء من الحقيقة. والأكيد أن لديه الكثير يقوله لاحقاً عن جريمة اغتيال رفيق الحريري التي كانت من دون أدنى شك مؤامرة على الوطن السوري وعلى الوطن اللبناني. وكان خدّام واضحاً في التفريق بين النظام وبين الوطن، مشيراً الى أنه قرّر الأنحياز الى الوطن وأنه أتخذ قراره بعدما يأس من أمكان أصلاح النظام. وما يمكن قوله في هذا المجال أن الرجل أمتلك حدّاً أدنى من القيم الأخلاقية كي يمتنع عن السير الى النهاية في لعبة تصب في مصلحة أسرائيل أوّلا وأخيراً. هل يمكن لرجل عربي يمتلك دّاً ادنى من الوعي القومي أن يتصور أن هناك من يمكن أن يستفيد من أغتيال رفيق الحريري وباسل وفليحان وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني غير أسرائيل؟
أن الذين يرفضون أرسال الجيش اللبناني الى خط وقف النار مع أسرائيل، يعملون لمصلحة العدو لا أكثر ولا أقل، ومن عمل على تغطية جريمة اغتيال رفيق الحريري وما تلاها من جرائم يخدم أسرائيل شاء هذا الطرف أو ذاك أم أبى. والواضح ان ما فعله عبد الحليم خدام، بكشفه المحرّضين والمجرمين في قضية أغتيال رفيق الحريري يشكل جزءا لا يتجزأ من المقاومة التي يخوضها اللبنانيون والسوريون الشرفاء في مواجهة عدو شرس يتكل أول ما يتّكل على التوجهات الطائفية والمذهبية في العالم العربي لزرع بذور الفتنة وتكريس شرعيته على المستوى الأقليمي.
لا يختلف أثنان على أن الحديث الذي ادلى به عبد الحليم خدّام الى quot;العربيةquot; كان حدثاً أستثنائيا. وبغض النظر عما ورد في الحديث عن الوضع الداخلي في سوريا، يظل ان أهم ما فيه أنه أعاد الأمور الى نصابها. حدد بكل وضوح من هم المحرّضون ومن هم المجرمون ومن هم الفاسدون الحقيقيون وطرح بكل بساطة أزمة أسمها ازمة النظام السوري. ذلك النظام الذي لم يجد من يعينه رئيساً للجمهورية في لبنان غير أميل لحّود الرجل الذي يفتخر برفضه أرسال الجيش الى الجنوب. هل هذا سرّ التمديد للرئيس اللبناني؟ هل هذا سرّ ذلك الأصرار على المحافظة عليه وتغطية كل الأخطاء، حتى لا نقول الجرائم، التي أرتكبها بأسم الوطن والوطنية والعرب والعروبة ، بما في ذلك التحريض على رفيق الحريري في دمشق؟
يبدو التمسك بأميل لحود افضل تعبير عن عمق الأزمة التي يعاني منها النظام السوري. ويبقى الخوف، كل الخوف في أن النظام الذي لا يمكن الاّ أن تكون له مسؤولية ما في اغتيال رفيق الحريري والشخصيات الوطنية اللبنانية الأخرى، لا يحد مخرجا له سوى في عملية هروب الى أمام تتمثّل في تغطية كل جريمة بجريمة أخرى لا تقلّ عنها فظاعة. انه منطق اللامنطق الذي حاول عبدالحليم خدّام تفسيره، منطق لا يمكن الاّ أن يؤدي الى جرائم أخرى الى ان يأتي اليوم الذي يعلن فيه العالم والمجتمع الدولي على طريقتهما أفلاس النظام السوري . كم سيسقط من الشهداء في أنتظار ذلك اليوم؟!