أي laquo;صفقةraquo; ستكون مكلفة

عبدالوهاب بدرخان

من الطبيعي أن يكون هناك تحرك عربي لضبط الوضع اللبناني - السوري ومعالجته، ومن الطبيعي أيضاً أن يأتي هذا التحرك من مصر والسعودية اللتين كانتا تشكلان مع سورية الثلاثي العربي الاستراتيجي، خصوصاً للشرق الأوسط. فأحد هذه الأعمدة الثلاثة غارق الآن في أزمة تسببت في إضعافه ولم يعد يجد في مواجهتها سوى خيارات متطرفة أو متهورة.

لا شك ان هناك بحثاً عن صفقة، لكن تعقيدات الأزمة جعلت من الصعب التوصل الى صفقة، خصوصاً أن المعني بها طرفان هما سورية من جهة والولايات المتحدة - وليس فرنسا - من جهة أخرى. ولو أن الأمر اقتصر على الدور السوري في ما يجري في العراق لأمكن الآن ايجاد حل له، لأن سورية تصرفت عراقياً للرد على استهداف أميركي مباشر لها. لكن الخطأ السوري في لبنان، بدءاً من التمديد لرئيس الجمهورية ومن ثم اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كان خطأ زائداً في سلسلة أخطاء، ومعه اندفعت دمشق الى دوامة لم تحسب لها حساباً.

بمقدار ما كانت المجازفة السورية في العراق مفهومة، بمقدار ما بدا الخطأ في لبنان متهوراً. ففي العراق كانت دمشق تستطيع في أي وقت الدفاع عن موقفها لتقول انها غير مسؤولة - وحدها على الأقل - بوجود قوة احتلال اميركية ووجود مقاومة أصبحت أخيراً معترفاً بها. أما في لبنان فكان الوضع مختلفاً كلياً، ولم يكن في استطاعة سورية ان تنكر مسؤوليتها ، سواء أثبت التحقيق تورطها المباشر في القتل أم لم يثبت. وبعد تصريحات السيد عبدالحليم خدام بات ذلك الانكار أكثر صعوبة، فالنائب السابق للرئيس يعرف جيداً آلية اتخاذ القرارات في النظام، وهذا ما كان ديتليف ميليس يبحث عنه. والأكيد ان قاضي التحقيق الجديد سيواصل هذا البحث اذا وجد أمامه تحقيقاً متقدماً فعلاً.

هذه إشكالية لن يستطيع أي تحرك عربي أو غير عربي أن يقدم فيها اي خدمة لدمشق، التي سيبقى عليها أن تواجه تطوراتها وحدها، وبمبادرات جريئة وخلاقة قد تشجع الوسطاء على طرح صيغ لتخفيف الاضرار والتداعيات. والواقع أن دمشق انطلقت في مواجهتها لهذه الأزمة من اعتبار أن النظام هو المستهدف، لذا فهي أعدت خطة دفاعية تعتقد أنها تعزز موقفها في أي بحث عن صفقة. وفي أصعب مراحل الخلاف السوري - الأميركي بشأن العراق، لم يشعر النظام نفسه بأنه مستهدف، لأن سورية كانت تنفذ سياسة دولة تدافع عن نفسها. لكن هذا الدفاع انقلب في لبنان تخريباً وتفجيرات واغتيالات وعبثاً بالتناقضات الداخلية وتعطيلاً للحكم، ربما من قبيل السعي الى مقايضة التحقيق الدولي بالاستقرار الداخلي.

لا يستطيع الوسطاء العرب تحقيق هذه المقايضة، فضلاً عن أنهم لا يرتضونها ولا يعتبرون أنفسهم معنيين بها. أما الأطراف الدولية فترفضها انطلاقاً من ان النظام السوري لم يبادر الى تحمل أي مسؤولية في الاغتيال، بل أنكرها، واقتصرت مبادراته في الشهور الأخيرة على محاولة تضليل التحقيق والتحكم بوتيرته ومعطياته. وبالتالي فإن النظام، اذا كان مستهدفاً حقاً، هو الذي ربط مصيره بمصير التحقيق، وراح يراهن على إدخال التحقيق في متاهة لا نهاية لها ولا مخرج منها.

هذه الطريقة في التعامل مع التحقيق أفقدت دمشق ورقة كانت تملكها، وهي التحقيق السوري الموازي الذي يتوصل الى ادانة أشخاص معنيين وتقديمهم الى القضاء واعتبار laquo;التضحيةraquo; بهم ثمناً لا بد منه لاخراج النظام والبلد من المأزق. هذه الورقة لم تعد متاحة، ولو أقدمت دمشق على ذلك التحقيق لكانت سهلت على نفسها وعلى الوسطاء العرب مهمة التوصل الى صفقة، وبما أنها رفضت ذلك laquo;الثمنraquo; الذي تفترضه مسؤوليتها في لبنان فإنها على العكس سهلت على خصومها إمكان حشرها والتضييق عليها. وهكذا، لم يبق سوى خيار تخويف الخارج من الفوضى في الداخل، اذا سقط النظام. العرب وغير العرب لا يريدون هذه الفوضى، ويريدون أن يبقى النظام لكن بشروط، وبعد أن يدفع laquo;الثمنraquo;. أي صفقة ستكون مكلفة، هذا ما تدركه دمشق وما ترفضه في آن، إلا إذا كانت أبلغت الوسطاء العرب أخيراً أنها باتت مستعدة لـ laquo;تضحياتraquo; تنقذ النظام وتضمن بقاءه.