هدى الحسيني

لا تدخل زيارة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، التي ينوي القيام بها الى الهند ضمن جولة آسيوية، في نطاق الزيارات التقليدية التي يقوم بها عادة زعماء الدول. إذ لأول مرة توجه حكومة هندية الدعوة الى زعيم دولة أخرى ليكون ضيف الشرف الرئيسي في استعراض laquo;اليوم الوطني ـ يوم الجمهوريةraquo; (26 الجاري)، الذي تظهر فيه الهند العريقة الديمقراطية قوتها العسكرية من خلال أنواع الأسلحة التي يتم استعراضها في تلك المناسبة، مما يعني بالتالي الأهمية التي تعلقها الهند على علاقاتها مع السعودية.

ستكون زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز، الأولى لعاهل سعودي منذ حوالي نصف قرن، إذ كان الملك سعود بن عبد العزيز آخر عاهل سعودي يزور نيودلهي عام 1955، ولم تكن زيارات الزعماء الهنود الى الرياض أكثر عددا، فقد زار رئيس الوزراء الهندي الراحل جواهر لال نهرو المملكة العربية السعودية عام 1956، وزارتها أنديرا غاندي عام 1982، وتسببت التحالفات التي كانت معقودة سنوات الحرب الباردة بالكثير من التوجس بين الرياض ونيودلهي.

انتهاء الحرب الباردة، وبروز الهند والصين كقوى اقتصادية سيعلو شأنهما، لا سيما الهند من ناحية أنها أكثر استقراراً من الصين، والحرب على الإرهاب التي يخوضها العالم، دفعت بالدولتين الى التفكير بنوعية جديدة من العلاقات بينهما. تبقى السعودية مهمة جداً للهند، فهي بلد مكة المكّرمة والمدينة المنّورة، المكانين المقدسين عند 150 مليون هندي مسلم، كما يعمل في السعودية أكثر من 1.5 مليون هندي يشكلون أكبر جالية أجنبية فيها، لكن نيودلهي تتطّلع الى بناء جسور مع السعودية أوسع من الوظائف لأبنائها وأبعد عن صلات الدين، أكثر ما تريده هو توفير الطاقة.

لقد جاء تطلع الهند الى تقوية علاقاتها مع السعودية نتيجة عملية احتاجت ردحاً من الزمن عبرته تغيرات كثيرة أبرزها أن علاقة الهند مع إيران صارت مرتبطة بشكل ما بنظرة الولايات المتحدة الى طهران، كما أن العراق يبقى في حالة من الغموض المستقبلي، وكانت الهند على مر سنوات طويلة ترتبط بعلاقات وثيقة مع كل من بغداد وطهران وفرت لها كل احتياجاتها من الطاقة. وفي ظل المواقف الإيرانية الجديدة من ناحية التطرف اللامحدود ضد الغرب وخصوصاً ضد إسرائيل التي عبّر عنها الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد، وإصرار إيران على امتلاك برنامج نووي مستقل له أبعاده المقلقة، ومع احتلال العراق، بدأت الهند تتطلع الى السعودية.

من الواضح أن الهند لا تريد أن تبقى رهينة لإيران في حاجتها الى النفط، لا سيما أن إيران هددت بالتراجع عن التزاماتها بتزويد الغاز والنفط الى الهند ، بعدما وقفت نيودلهي في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي الى جانب الدول الغربية وصوتّت ضد طهران في اجتماع الوكالة الدولية للطاقة النووية، وليس خافياً على إيران ما تكرره واشنطن حول الأهمية التي تعلقها على دعم الهند في المسألة الإيرانية. وتشير مصادر في الهند الى أن ردة فعل طهران كانت التهديد بقطع إمدادات النفط والغاز الى الهند لمجرد أن الأخيرة صوتت في اجتماع الوكالة الدولية ضد طهران، فماذا ستكون بالتالي ردات فعلها إذا صدقت التقارير الأمنية الغربية الأخيرة، من أن واشنطن تستعد فعلاً لتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران هذا العام، وان مدير الـlaquo;سي.آي.إيهraquo;، بورتر غوس، زار أنقرة في 12 من الشهر الماضي حيث التقى لأكثر من ساعة ونصف الساعة مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وبحث معه إمكانية توفير تركيا المعلومات الأمنية اللازمة التي تساعد في غارة جوية عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية وكذلك بعض التسهيلات العسكرية. وتقول المصادر إن الهند لا تريد أن تتلقى أي صدمة من تبعات عمل كهذا بغض النظر عما ستكون عليه هذه التبعات.

ضمن هذه التطورات صارت السعودية البلاد الأكثر أهمية لتوفير الطاقة للهند في مواجهة تهديدات إيرانية لا بد آتية، كما أن النمو الاقتصادي المرتفع وتضاؤل وجود الثروة النفطية في الهند دفعاها أكثر الى الاعتماد على النفط المستورد الذي يشكّل 70 من احتياجاتها. وتبقى الرياض من أكبر مزودي الهند بالنفط. والمعروف أن السعودية هي أكبر منتج للنفط في العالم والقوة المحّركة في منظمة laquo;أوبكraquo; التي تحدد بالتالي أسعار النفط.

بدأت نيودلهي اتصالات هادئة مع الرياض منذ فترة، على الرغم من الإعلان اللافت الذي أحاط باتفاقيات النفط والغاز التي وقعّتها مع طهران والتي تتضمن مد أنبوب للغاز من إيران الى باكستان فالهند، ففي شهر نيسان(ابريل) قام وزير المالية الهندي شيدامبارام بزيارة الى الرياض مكملاً المحادثات التي بدأها في شهر آذار (مارس) وزير النفط والغاز ماني شنكر آييار. وكان وزير النفط السعودي علي النعيمي زار هو الآخر نيودلهي في شهر كانون الثاني (يناير) من العام الماضي للمشاركة بأول طاولة مستديرة جمعت الوزراء الآسيويين لبحث التعاون الاقتصادي في قطاعي النفط والغاز، كما أن رئيس الوزراء الهندي مانموهان سنغ لديه خبرة في طريقة عمل الرياض كونه زارها كوزير للمالية عام 1994، وساهمت هذه الزيارات في وضع تصور للعلاقة المتوخاة بين الدولتين.

من جهة أخرى هناك تحول في نظرة الرياض الى الهند، من دولة فقيرة الى دولة ذات سوق واسع يجب اكتشافه، والاستثمار فيه، وقال احد الديبلوماسيين الهنود، إن زيارة الملك عبد الله تأتي تتويجاً لعملية يجري التحضير لها منذ عدة سنوات، وتكمن أهميتها الاستراتيجية في أن السعودية لم تعد تربط علاقاتها بالهند بعلاقاتها بدولة باكستان. ويضيف المصدر أن الهند تولي أهمية كبرى للتحول الذي اعترى الموقف السعودي بالنسبة لتسويق الراديكالية الإسلامية والجهاديين أمثال أسامة بن لادن، ويبدو أن الأجهزة الأمنية الهندية وثقّت كل حرب الجهاديين السعوديين ضد القوات السوفياتية في أفغانستان منذ بداية الثمانينات، كما ان السعودية نفسها صارت تعاني من عمليات إرهاب هؤلاء. وتعوّل الهند على القرار السعودي بالقضاء على الإرهاب الديني الذي صار المجتمع السعودي يعاني منه، وهي لا بد ستطلب المساعدة من الرياض للقضاء على تنظيم laquo;لاشكر ـ و ـ تويباraquo; الذي لا يزال يتلقى دعماً مالياً ومجندين من البعض في الخليج، وكانت الشرطة الهندية اعتقلت عدداً من أعضاء هذا التنظيم الذي قام بثلاثة تفجيرات متوازية في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي في نيو دلهي أسفرت عن مقتل 70 شخصاً وإصابة 200 بجراح. ومن المؤكد أن الأجهزة الأمنية الهندية، مع تحسن العلاقات الهندية ـ السعودية ستطلب تعاون الأجهزة الأمنية السعودية للتحقيق في أبعاد هذه الجرائم الإرهابية، وتأخذ الهند العبرة من تحسن علاقاتها مع دولة الإمارات العربية المتحدة التي أدت الى سحب البساط من تحت مجموعات ارتكبت جرائم في الهند وصل البعض منها الى حدود العمليات الإرهابية، ولا بد أن تعرض الهند على الطرف السعودي، التقييم الاوروبي لها كدولة laquo;مسؤولةraquo;، وانه لهذا أقدمت البرتغال على تسليم المدعو laquo;أبو سالمraquo;، ومن المحتمل أن تؤدي التحقيقات معه الى الكشف عن كثير من المعلومات الخطيرة، بما فيها تلك التي تتعلق بتفجيرات وقعت عام 1993 في مومباي فقضت على 250 شخصاً وجرحت ما لا يقل عن ألف شخص.

الذي يقلق الهند ولا بد أن يقلق أيضا السعودية ما ذكرته بعض التقارير من أن مدير الـlaquo;سي.آي.ايهraquo; بورتر غروس سلم المسؤولين الأمنيين الأتراك ثلاثة ملفات تتضمن تفاصيل موثقة عن تعاون طهران مع تنظيم القاعدة، وملفاً آخر عن برنامج إيران النووي، ويرى المصدر الهندي أن تصريحات الرئيس الايراني احمدي نجاد ضد إسرائيل وضد الغرب، قوّت وجهة النظر الأميركية بأنه في حال أي خلاف نووي، فإن إيران لن تتراجع، وبالتالي فإنها تريد أن تكسب الوقت من محادثاتها مع الأوروبيين، وينقل المصدر الهندي عن عسكريين غربيين عدم استبعادهم احتمال أن تستفيد الإدارة الأميركية من هذه الفرصة، (المماطلة الإيرانية وتهديدات احمدي نجاد المتكررة ودعم وتحريك الحركات الأصولية المتطرفة بما فيها القاعدة)، وتقوم بقصف إيران قبل أن تطور سلاحاً نووياً، لأنه بعد ذلك سيتأخر الوقت وستصبح دول كثيرة تحت رحمة المزاج الايراني النووي في هذه الحال ، والأمر لن يقتصر فقط على دول الخليج وإسرائيل بل سيشمل أيضا الدول الأوروبية نفسها. ويضيف، انه إذا استمعت القيادة التركية لوجهات النظر الأميركية، فلا بد أنها عرضت مطالبها وأبرزها الحصول على ضوء اخضر لضرب مخيمات مقاتلي حزب العمال الكردستاني في إيران وفي شمال العراق، وهذا لا بد أن ينعكس على إمدادات النفط الإيرانية والعراقية.

وتجدر الإشارة الى أن الهند كانت أكثر المرحبين بانضمام السعودية الى منظمة التجارة العالمية، لأنها ترى في العضوية التزاماً سعودياً بمساعدة الدول النامية والفقيرة، وبإجراء إصلاحات داخلية تخفف من حدة التطرف الديني، وقال بيان للحكومة الهندية، انه لا يمكن إبقاء دولة بحجم السعودية خارج النظام التجاري التعددي، وبدخولها ازداد النظام التجاري العالمي قوة، وأصبح أكثر وضوحاً.

إن زيارة العاهل السعودي الى الهند ، بقدر ما تعكس تغييراً لافتاً في سياسة الهند الخارجية وسياستها الأمنية، تعكس أيضا التغييرات التي طرأت على التفكير السعودي. التغيير الهندي كان واضحاً في تحقيقه اتفاقيات جديدة مع أميركا، واليابان، والصين، والمجموعة الأوروبية، إضافة الى دورها في تجمع آسيان، وتجمع دول جنوب آسيا للتعاون الإقليمي، ولم يكن التغيير السعودي أقل جذرية، وبرز من خلال المواجهات الحاسمة مع إرهابيين إسلاميين، ومع وضوح وجرأة أكثر في الدور الإقليمي، والإعلان عن حل قوات درع الجزيرة، والانضواء في عضوية منظمة التجارة العالمية، إضافة الى الفائض المالي الذي يتجاوز 55 مليارا من الدولارات، بعد سنوات من العجز في الميزانية.