الجمعة:06. 01. 2006


عبدالوهاب بدرخان

laquo;صحته لا تعنيناraquo;، قالت الجبهة الشعبية. laquo;العالم سيكون أفضل من دون شارونraquo;، قالت laquo;حماسraquo;. laquo;سيموت من دون أن يحاسب على جريمتهraquo;، قال أحد الناجين من مجزرة صبرا وشاتيلا. الوضع الصحي لشارون سيصعد العنف الاسرائيلي ضد الفلسطينيين، قال صائب عريقات... لكن الرئيس محمود عباس اتصل بمكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي للاطمئنان الى صحته وتمنى الشفاء له. وأعرب العديد من الرؤساء الأوروبيين عن القلق، مؤكدين انهم يُصلون من أجل خروج شارون معافى من وعكته الخطيرة في المستشفى. وكان جورج بوش أول الذين بدأوا بالصلاة فور تدهور حال شارون، مستعيداً وصفه للأخير بـ laquo;رجل السلامraquo;.

قد يموت شارون أو يساعده الطب على البقاء حياً خارج الحياة السياسية، لكن الأكيد ان المعنيين بالسلام لم يروا شيئاً من سلام هذا الرجل، وانما رأوا وعايشوا مجازره وإجرامه. فحتى laquo;الانقلابraquo; الذي يفترض أنه طرأ على عقله، وربما تسبب له بهذه الجلطة بعد اضطراره لإزالة مستوطنات قطاع غزة، لم يتبلور في مشروع سلام، ولا حتى في بداية تفاوض، ولا حتى ببداية احترام للشعب الذي عانى من الاحتلال ومن إجرام شارون، بل تمثل بخطة احتيال لسرقة مزيد من الأرض الفلسطينية وابتلاع القدس وتقزيم الحل النهائي لفرضه بالقوة والابتزاز.

لن يذرف المستوطنون الدموع على laquo;الأب الروحيraquo; الذي قادهم الى سرقة الأرض، ولن يبكيه الليكوديون الذين حول حزبهم الى أشلاء مبعثرة. وبالتأكيد لن يبكيه العرب، بمن فيهم أشد المتحمسين للتطبيع وأعتى الانتهازيين في البزنس التطبيعي، لأنه نذر المرحلتين العسكرية والسياسية في حياته لممارسة القتل والقتل والقتل حتى جعل من القتل اليومي محوراً لانجازات حكومته.

لكن العرب والفلسطينيين تمنوا ويتمنون أن يكونوا رأوا مع شارون النموذج الأخير للارهابي الاسرائيلي laquo;المنتخبraquo;، خصوصاً انهم شهدوا تعاقب الحكومات الاسرائيلية وتنافسهم على المزيد من الشيء نفسه، أي من العدوان والاجرام والمجازر. أما شارون فبدا كأنه اختصر كل من سبقه في ما يشبه إعادة للتاريخ منذ 1948 الى يومنا، مرتكباً في بضع سنوات كل جرائم أسلافه ومكرراً جرائمه نفسها قبل أن يبتكر فنوناً ارهابية جديدة ثم يزيد عليها laquo;جدار برلينraquo; الاسرائيلي وتسميم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

هل يكون شارون النموذج الأخير للارهابي الاسرائيلي، أم أن ما بعده سيكون ساحة للتنافس على شارونية أكثر ارهاباً؟ لا شك ان سقوط شارون كان نبأ طيباً لبنيامين نتانياهو الذي جاءه القدر بهدية غير متوقعة ليتمكن من إعادة جمع أشلاء laquo;ليكودraquo; والذهاب الى الانتخابات بـ laquo;ليكودraquo; أقوى وأكثر استعداداً للتصلب والذهاب بالارهاب الى أقصاه. هذه هي المرة الثانية التي سيأتي فيها نتانياهو الى الحكم للمهمة ذاتها. في الأولى كان عليه أن يفسد laquo;سلام أوسلوraquo; ويخربه وقد فعل، وفي الثانية سيجد متعة في إفساد خطوة شارون laquo;الشجاعةraquo; (كما لا تزال توصف) في قطاع غزة. والخطة جاهزة. نتانياهو لا يحمل أوزار الانسحاب من غزة لكنه سيحرص على كسب كل أمجاد ابتلاع الضفة والقدس. واذا كان الأكثر تطرفاً من نتانياهو لا يزالون يعيّرونه بأنه قدم تنازلاً في الخليل، فسيأتي يومه ليبرهن لهم ان ذلك laquo;التنازلraquo; لم يغير شيئاً في وضع المدينة إذ أبقى الاحتلال في قلبها وحلقها، وأنه لا يقاس بـ laquo;التنازلraquo; المؤلم الذي أقدم عليه شارون في غزة.

من شأن الزعماء الغربيين الذين تسابقوا الى اعلان انهم يصلّون من أجل شارون، أن ينظروا في مسؤولياتهم في مرحلة ما بعد شارون. لقد تركوا له laquo;ملف السلامraquo; فتصرف به قتلاً وتدميراً، حتى ان أعوانه كانوا يتحدثون قبيل انهيار صحته عن خطة لديه لنسف laquo;خريطة الطريقraquo;. اذا كان المجتمع الدولي جاداً في شأن السلام فإن من واجبه اليوم أن يثبت هذه الجدية وأن لا يترك الأمر لعناية نتانياهو أو أي ارهابي آخر سيأتي لإضاعة الوقت بمزيد من التخريب والاجرام.