فيليب باورينج

يتمتع رئيس الوزراء الماليزي عبدالله احمد بدوي بسمعة طيبة تتميز بكل النزاهة التي تؤهله لأن يكون سفيرا للاسلام الحضاري, وهو ما يعرف بالاسلام الحديث المعتدل الذي يرتكز على المباديء الأساسية والسعي وراء المعرفة ولكن الاسلام الرسمي في ماليزيا مستمر في محاولة ازالة الخوف من الاسلام في كل مكان ويحاول بصفة خاصة ازالة القلق والتوتر الذي يشعر به 45% من عدد السكان في ماليزيا الذين ليسوا مسلمين .

وهناك حاليا قضيتان تبينان ان عبدالله بدوي سوف يتعين عليه استثمار الكثير من رأسماله السياسي لسد الفجوة بين الاسلام الرسمي في ماليزيا وبين رؤيته الخاصة بالايمان الشمولي الذي يتميز بالحياة من الناحية الثقافية ويمكنه كذلك التعايش بكل سهولة مع الفئة الضخمة من الهندوس والمسيحيين والبوذيين والأقليات الأخرى في ماليزيا.

في إحدى الحالات هذا الأسبوع أعلنت محكمة دينية أن محمد مورثي المتوفى وعضو الفريق الماليزي الأول الذي تسلق قمة جبل افرست, الذي كان مسلما واصر على ان يدفن وفقا للشريعة الاسلامية , رغم انه ولد هندوسيا, وطبقا لشهادة زوجته واسرته, انه لم يعتنق الاسلام قط لقد تأكد نفوذ السلطات الاسلامية عن طريق المحكمة العليا, التي قضت بأنها لايمكن ان تتدخل في قرار المحكمة الدينية.

بمعنى اخر, في ماليزيا الحديثة متعددة العرقيات, التي تتسم بالشمولية, فإن المحاكم الدينية لها قانون خاص بها, وهو الأمر الذي يقلق غير المسلمين كثيرا ولكن له مضامين اوسع في مجتمع حيث كل الماليزيين يُعتقد انهم مسلمون, مهما كانت عقيدتهم وحيث اضطُهدت الحركات الدينية من قبل الماليزيين مؤخرا على اساس انهم قد حُكم عليهم بالهرطقة من قبل السلطات الدينية احدى الطوائف قد وصفت بأنها مرتدة عن الدين مؤخرا ودُمر بيتها وسوي بالأرض .

وفي قضية أخرى, قد فُرض القانون الاسلامي الجديد بالقوة داخل البرلمان ورغم ان له هدفا شرعيا في وضع المعايير القياسية لتنفيذ الشريعة او القانون الاسلامي, إلا أن النساء المسلمات من شتى ألوان الطيف الديني والسياسي هناك يرون انه خطوة رجعية تعزز القانون المنحاز اساسا للرجل هذا القانون, حسب قولهم, سوف يجعل تعدد الزوجات والطلاق اسهل بالنسبة للرجال, ويقلل ملكية الزوجة وصيانة الحقوق في حالة حدوث تعدد الزوجات .

إن التشريع الجديد يلقى ترحيبا شديدا من قبل كل الوزارات ما عدا مكتب رئيس الوزراء والتفسير القديم لنصوص الشريعة حول قضايا الأسرة يتناقض مع حديث عبدالله أمام الجمهور الذي ينادي فيه بالاسلام التقدمي, الذي يعيد صياغة نفسه وفقا للتحديات المعاصرة والظروف الاجتماعية إن الفكرة هي أن مفهوم الاسلام للقانون هو مفهوم مطلق ومن ثم فهو ثابت وغير قابل للتغيير وهذا الأمر ادى الى ما يعرف بالجمود الثقافي حسب قوله, مشيرا إلى أن التعددية والتنوع كانا أمرين هامين لعالمية الاسلام ورسالته السامية.

كما هو الحال دائما في ماليزيا, فإن الأفكار التي تُعنى بالصراع السياسي اكثر من المعتقدات الدينية في الغالب تتنافس الهيئة الوطنية للاتحاد الماليزي من اجل الحصول على اصوات الناخبين الماليزيين مع حزب الاسلام وقد يكون الدين سلاحا ايضا, في السياسة الداخلية للهيئة الوطنية كما هو الحال مع المسيحيين في الولايات المتحدة, فإن جماعات الضغط الدينية تبذل اقصى ما في وسعها من النفوذ السياسي نظرا لحجمها وكبر عددها على السياسيين من اجل تنفيذ ما تصبو اليه.

وعبدالله بدوي كما يعترف غير الماليزيين أن معتقداته مخلصة وليست نتاج حسابات سياسية وهذا لايمكن ان يقال بسهولة عن انور ابراهيم نائب رئيس الوزراء السابق الذي يعلن عن مبادئه الليبرالية من اجل مغازلة الجمهور الغربي المتفتح ولكنه سرعان ما يحاول العودة الى الأصولية الاسلامية في الوقت الذي يحاول فيه العودة من جديد لممارسة السياسة في ماليزيا .

في الحقيقة أن المجتمع الماليزي هو مجتمع تعددي ومتسامح اكثر مما يكرره السياسيون في بياناتهم وتصريحاتهم ومع ذلك تشير الأحداث الجارية الى مدى الصعوبة التي يواجهها عبدالله لتغيير الاتجاهات السائدة منذ 20 عاما عاما تحت حكم سلفه السابق محاضر محمد إذا لم يقم رئيس وزراء ماليزيا بسد الفجوة الاجتماعية بين المسلمين وغير المسلمين, فسوف تستمر هذه الفجوة في الازدياد. وسوف تستمر رؤوس الأموال في الهروب من ماليزيا ولن تخرج رؤية عبدالله بدوي للاسلام الحضاري من مهدها .