السبت:07. 01. 2006
اعتبر تقرير ميليس laquo;احترافياًraquo; مستبعداً الالتفاف على القرارات الدولية...
بيروت ndash; ناجية الحصري
أكد المحامي الدكتور منيف حمدان رئيس محكمة جنايات بيروت سابقاً، حق الرئيس السوري بشار الأسد أو أي إنسان عادياً كان أم مسؤولاً laquo;ان يستدل الطريق التي لا يعرفها جيداًraquo;، بمعنى انه يحق له ولغيره laquo;استشارة الحقوقيين لمعرفة مدى قانونية طلب لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري مقابلة الرئيس الأسد شخصياً وما يترتب على هذه المقابلةraquo;.
لكن حمدان رأى في حديث لـ laquo;الحياةraquo; ان طلب اللجنة مقابلة الأسد أو أي مسؤول آخر هو laquo;طلب ملزم الاستجابة لهraquo;.
ويميز حمدان بين حال الاستماع الى رئيس البلاد على المستوى الداخلي الصرف وبين الاستماع إليه على المستوى الدولي، laquo;فإذا رأى قاضي التحقيق في لبنان أو سورية أو أي دولة أخرى يشبه نظامها نظامنا القانوني ان الرئيس لديه معلومات تفيد التحقيق فلا مانع من الاستماع إليه كشاهد إنما يختلف الأمر بين ان يُستدعى الى قصر العدل أو يذهب القاضي الى مقر الرئاسة، وفي الدول المتقدمة فإن الرئيس يحضر الى قصر العدل أما في دول مثل دولنا فإن القاضي ينتقل الى مقر الرئاسة، وفي حال طلب لجنة التحقيق الدولية فإن هذه اللجنة كُلفت من جانب مجلس الأمن بإجراء التحقيق وطلب من كل الدول، وسمى سورية بينها، التعاون مع اللجنة وتصبح استجابة رئيس البلاد ملزمة سواء أكان الاستماع لأخذ معلومات أم لطرح أسئلة مكتوبة أم الاستماع إليه كشاهد. ومن الحكمة على كل رئيس التجاوب مع الطلب ذلك ان اللجنة مكلفة من اكبر مرجع دولي وقراراته تعلو على القوانين الوطنية بما في ذلك الدساتير. وفي هذه المرحلة من التحقيق فإن الشهادة او جمع المعلومات لا تثير أي مشكلة على الاطلاق، أما إذا انتقل الأمر الى مرحلة متقدمة، وتحول الرئيس المستمع إليه من شاهد او صاحب معلومات الى مدعى عليه، فإن الأمر يحتاج الى درس اكثر، ذلك ان هذه المسألة بالذات جعلت المحاكم الجنائية الدولية تتأخر بالصدور عن المحاكم الدولية المدنية بسبب الحصانة التي يتمتع بها الرؤساء والملوكraquo;.
ويسترجع حمدان سابقة حصلت غداة الحرب العالمية الاولى laquo;عندما قرر الحلفاء محاكمة إمبراطور ألمانيا المهزوم لأنهم اعتبروا ان القانون الدولي يعلو على القوانين الوطنية، لكن الإمبراطور لجأ الى هولندا التي رفضت تسليمه، فلم تقترن المحكمة التي أنشئت لذلك بأي نتيجة. كما ان القوانين الدولية تعدّل في المفاهيم المعتمدة على الأراضي الوطنية. فمثلاً في قوانيننا الداخلية يوجد مبدأ عدم رجعية القوانين الجزائية، بمعنى آخر إذا قررنا الآن محاكمة شخص ارتكب جريمة، لا نستطيع ان نعود الى السابق ونقول وقع فعل في ما مضى وعلينا ان نلاحق المسؤولين عنه. أما في القوانين الدولية فتم تجاوز كل ذلك وهذا ما حصل في الحرب العالمية الثانية عندما بدأت محاكمة نورمبورغ فأصبحت صلاحية هذه المحكمة تشمل كل الجرائم التي أحيلت اليها كجرائم حرب، وفي عام 1977 حصل اتفاق دولي حول حصانات رؤساء الدول والملوك لكن هذا الأمر عُدل نهائياً عند محاكمة الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسوفيتش، وبات الناس جميعاً متساوين امام القوانين الدولية ولا توجد حصانة على الاطلاق، وأكثر من ذلك ففي بعض الدول ومنها لبنان تعتبر المسؤولية مسؤولية فردية إذا ارتكب الفرد في مؤسسة ما جريمة جزائية، لكن في بعض الدول المتقدمة، وفي سبيل الضمان الاجتماعي، يعتبر رب العمل مسؤولاً عن فعل غيره حتى في الأمور الجزائية وليس الوطنية فقط، وجاء القانون الدولي ليعتبر ان رئيس البلاد او القائد العسكري او الملك مسؤولين عن الأفعال التي يقوم بها مساعدوهم ويخضعون لإشرافهمraquo;.
وإذ يأسف حمدان الى laquo;تدني ثقافتنا الحقوقية الدولية في المشرق العربي وان وجدت لدى البعض فإنها لا تلقى طريقها الى عقول القادة الكبار فيبقى الرئيس او الملك او المسؤول العسكري معتبراً نفسه فوق الشبهات وفوق القانونraquo;، فإنه يذكّر الجميع بأن laquo;دولنا أعضاء في النظام الدولي وعلينا ان نتلقى النتائجraquo;. متمنياً على المعنيين في لبنان وسورية التعامل مع القرارات الدولية laquo;بالكثير من الحكمة والتعقل لأن عدم ذلك قد يجر سورية ولبنان والعرب الى كثير من المشكلات خصوصاً ان القرار 1636 مبني على الفصل السابع أي فصل الإرهاب وهذا تترتب عليه نتائج مخيفة على كل شخص او رئيس او دولة تعاند القانون الدولي ولسنا قادرين جميعاً على تحمل الأحكام التي ينص عليها الفصل السابعraquo;.
ويعتبر ان لجنة التحقيق الدولية هي سيدة الموقف في ما يتعلق بالمهل المتاحة للاستجابة الى طلبها، laquo;هي أعطت عشرة ايام ويعود لها ان تمدد هذه المهلة او ان تقول ان سورية لم تلب طلباتنا بعد انقضاء المهلة فتعتبر انها تمنعت او عرقلت سير التحقيق وهذا الأمر ستكون له نتائج، أي تطبيق الفصل السابع من النظام الدوليraquo;.
ويذكر حمدان انه تلقى في أيلول (سبتمبر) 2004 اتصالاً من شخصية إعلامية سورية أرادت ان توجه إليه اكثر من عشرة أسئلة استهلتها بسؤال عن قيمة القرار الدولي 1559 والسبل الممكنة لتجاوزه، ويقول حمدان: laquo;أجبت ان قرارات مجلس الأمن بمستوى القوانين، والقانون الدولي يفوق القوانين الوطنية والمطلوب من الديبلوماسية السورية التعامل مع القرار بكثير من الدراية، أما عن سبل تجاوزه فقلت انه وجب معرفة ما إذا كان القرار قابلاً للاعتراض او الاستئناف او التمييز، أما إذا كان نهائياً فلا نستطيع ان نلتف عليه بأي طريقة من الطرق ومهما كان الأمر ملحاً، وكان يمكن تفاديه أمامهم بعدم خلق مبررات صدوره او بالاعتماد على أصدقائنا في الدول التي تملك حق الفيتو فلا يبصر النورraquo;.
ويذكر حمدان ان المسؤول الإعلامي السوري لم يتابع الحوار ولم ينشر كلامه... وتتالت القرارات الدولية التي يشبّهها بسلسلة من الزلازل التسونامية، ويأسف لسماعه مسؤولاً كبيراً وصف القرار 1559 بـ laquo;التافهraquo; ويقول: laquo;ان عدم أخذ القرار في الاعتبار أوصلنا الى ما وصلنا اليه وما لم نحكّم العقل فإننا مقبلون على زلازل ارتدادية اكبر لكل قرار من القرارات التي صدرت، ولا بد من التعاون مع لجنة التحقيق لكشف الحقيقة لأنها وحدها تخلصنا، فأي شخص في أي دولة كان مسؤولاً عن اغتيال الرئيس الحريري عليه ان يدفع الثمن لينقذ شعبه ومن يكابر ستكون النتائج مدمرة على الجميعraquo;.
ويستبعد حمدان أي تدخل في التحقيق الدولي laquo;لأن لجنة التحقيق تعني ما مجموعه مئة شخص يعملون وهي تطبق قانوناً دولياًraquo;. ويصف تقريري رئيس اللجنة القاضي ديتليف ميليس اللذين رفعا الى مجلس الامن بأنهما laquo;غير نهائيين ومن يتعاطى في الشأن الحقوقي يعرف ان في التقارير غير النهائية يضعون رؤوس اقلام ولا يجوز ان يضمنوها كل المعلومات الواردة وإلا يُكشف التحقيق ويصبح المجرمون قادرين على التفلت من الامرraquo;. ويعتبر حمدان laquo;ان ما اقدم عليه ميليس هو بمنتهى الاحترافية وكل قاضٍ يحترم نفسه ورسالته يتصرف كما تصرف هذا الرجل، وعندما يصدر التقرير النهائي تصبح المناقشة قابلة حول الادلة التي جمعت وما اذا كانت صالحة للاتهام. فهذا قرار اتهام سيحال الى المحكمة، واذا كانت الأدلة غير صالحة يحكم على ميليس في حينه انه لم يتمكن خلال تسعة اشهر من القيام بعمل كان قادراً على ان يقوم به لأن معطيات الدول سخرت لمساعدته على كل الصعد، اما حتى الآن فكل تصرفاته سليمةraquo;.
ويقلل حمدان من قيمة الاهتزازات التي رافقت مسألة الشاهد السوري هسام هسام لأن laquo;ليس للأمر أي تأثير، انه يحصل كل يوم في ساحات المحاكم، لأنه يفترض بكل شخص يعطي افادته امام القاضي ان يكون صادقاً خصوصاً اذا كان شاهداً، اما المدعى عليه فيحق له ان يكذب وعلى المدعي ان يقدم الدليل على كذبه، واذا كذب المدعى عليه يترك انطباعاً لا يحوز ثقة القاضي، اما الشاهد فعليه ان يدلي بالحقيقة كاملة واذا غيّر في افادته في ما بعد لتدخل نافذ او اغراء بمركز او براتب او مكافأة ما فإنه تترتب عليه نتائج تحوّل الشاهد الى مدعى عليه في شهادة كاذبة. اما اذا كانت الوقائع تفسح في المجال لتصديق افادته فإنها تبقى قائمة حتى لو تراجع عنهاraquo;.
ويشير الى انه laquo;اذا ثبت ان هسام تعرض لضغط عليه تكون افادته باطلة، اما اذا لم يضغطوا عليه خصوصاً بعد ظهور الصور التي شاهدناها في مسرح اكثر من جريمة وبعد تصريحه عندما قال: laquo;كنت في الروشة وجاءني اتصال من لجنة التحقيق وسألوني لماذا أنت في الروشةraquo;، فهذا يعني انه كان مراقباً، واذا كان كذلك فكيف سمحوا له ان يذهب الى سورية عبر الطريق الشرعي؟ واذا ذهب عبر الطريق الشرعي يكون كل ما ادلى به للإعلام بعد تقديم افادته غير صحيح لأن اللجنة تكون وضعت اسمه على الحدود ومنع من الذهاب، اما اذا ذهب بالطرق غير الشرعية سواء بسيارة نافذ أم بطريق عسكرية اذا ما كانت لا تزال مفتوحة فيكون وراء الأكمة ما وراءها، وقد ينطلي أمر الشاهد هسام على أناس كثر لكن لا ينطلي على الحقوقيين لا في داخل لبنان ولا في سورية ولا عبر النظام الدولي وفي المحافل الدوليةraquo;.
ويوضح حمدان laquo;ان الإقرار بقي لزمن طويل سيد الادلة، لكن اليوم هناك الشهود المباشرون وغير المباشرين الذين نقل اليهم خبر ما وهناك القرائن ويجمع القاضي كل هذه الأدلة ويغربلهاraquo;. ويقول: laquo;ان عملية تكوين القناعة لدى القاضي معقدة كثيراً ولا يستطيع ان يصل اليها الا القاضي الذي رجحت وزنته. واذا عدنا الى القاضي ميليس فإنه من مدرسة الحقوق الألمانية التي تذكرنا بتاريخنا المجيد عندما علت صرخة laquo;هل مات قضاة برلينraquo; فأخافت الملك فريدريك الثاني اوساط القرن 18 وانتشرت العبارة عبر الدول، ونعتز نحن في لبنان عندما يقال: laquo;يوجد قضاة في بيروتraquo;.
ورداً على النقد الذي وجه الى ميليس، يذكّر القاضي حمدان بأن لجنة التحقيق الدولية فيها مجموعة كبيرة من المحققين يشرف عليهم ميليس وبينهم عرب وأصدقاء للعربraquo;. ويسأل: laquo;ألا يوجد بين هؤلاء رجل شبع من حليب أمه ليعلن ان ميليس تجاوز صلاحيات القاضي وسلوكياته ليقول ان ميليس سيّس التحقيق ارضاء لفلان او فلان؟raquo;. وأعرب عن اعتقاده بأن laquo;هذه الانتقادات هي للاستهلاك المحلي ولا وزن دولياً لهاraquo;.
وإذ يقر حمدان بحق سورية في طلب بروتوكول تفاهم بينها وبين لجنة التحقيق الدولية الا انه يؤكد ان اللجنة laquo;ليست ملزمة بذلك لأنها انطلقت من قرارات دولية اولتها صلاحية تحديد الاجراءات وطلبت الى كل الدول ان تتعاون معهاraquo;. مع الاشارة الى laquo;ان المعني بتوقيف المشتبه بهم في مرحلة التحقيق الحالية هو القضاء اللبناني والسوري بعد الاستماع الى المطلوب توقيفه والى دفاعهraquo;.
التعليقات