إطلاق أسماء وألقاب قبيحة على كوريا الشمالية شيء سهل ويبعث على الرضا. أما التفاوض معها فهو صعب ومزعج. وهكذا فعلى مدى أربع سنوات دأبت إدارة بوش على اصطناع ألقاب جديدة لكوريا العاصية وللديكتاتورية، دونما دخول في محادثات جدية. وكانت النتيجة الرئيسية أن الكوريين الشماليين استطاعوا التحرّك نحو المزيد من إخافة جيرانهم وإرهابهم، دونما عمل جدي وذي نتائج معقولة، ثم خلال الصيف الماضي، خفضت واشنطن لهجتها التهديدية، وحاولت الولوج في طريق الديبلوماسية الصعب. وفي أيلول الماضي، تحقق اختراق فعلي والتزمت كوريا الشمالية مبدئياً بإيقاف برنامجها النووي، ودخول معاهدة حظر انتشار الأسلحة، وقبول تفتيش وكالة الطاقة النووية الدولية. وكانت تلك الخطوة مبعث فخر واعتزاز لكوندوليزا رايس ونائبها للشؤون الآسيوية كريستوفر هل، الذي كانت جديته وحرفيته وراء بلوغ تلك النتيجة الايجابية.
لكن منذ ذلك الحين، تسير الأمور من سيء الى أسوأ، ويقع اللوم على الطرفين، فبعد 24 ساعة من الاتفاق أعلنت كوريا الشمالية أن من حقها الاحتفاظ بمفاعل نووي للأغراض السلمية، قبل أن تنهي برنامجها لانتاج أسلحة الدمار الشامل. وفي الشهر التالي أقدمت الولايات المتحدة وتحت مظلة قانون الأمن الوطني، على زيادة العقوبات على كوريا والشركات التابعة لها والمشتغلة بأعمال التهريب والتجسس وغسيل الأموال ـ وهذه خطوة صحيحة إن كانت الاتهامات صحيحة ـ ثم رفضت متابعة التفاوض معها على تخفيف العقوبات. وقد ردت كوريا بمقاطعة جولة المفاوضات الثانية، واشتكت من أن خطوتها لم تلق المكافأة المناسبة. وعادت واشنطن من جهتها الى الألقاب البذيئة لكوريا الشمالية، ومن جانب سفيرها الجديد في كوريا الجنوبية، والذي سمى حكومة الشمال: نظاماً إرهابياً. وقد يكون هذا الشتم صحيحاً، لكنها ليست اللغة الديبلوماسية الملائمة إذا كان الطرفان مقبلين على مفاوضات بناءة. وقد تسببت لغة السفير في ردة فعل سلبية من جانب مضيفيه الجنوبيين، الذين كان المقصود من جانبهم تشجيع الحوار الشمالي ـ الجنوبي.
إن من مصلحة الشمال الكوري إطالة أمد المفاوضات، والأخذ والرد والقطع والاستئناف. بينما لا تستطيع الولايات المتحدة الصبر على ذلك. ليس من مصلحة الولايات المتحدة العودة للألقاب النابزة، كما أنه ليس من الحكمة الامتناع عن التفاوض على تخفيف العقوبات.
ان النافذة التي انفتحت بعد ذهاب بولتون من لجنة منع انتشار الأسلحة الى الأمم المتحدة توشك أن تقفل من جديد ـ ويقال ان ذلك يتم بتشجيع من ديك تشيني، ومن الذي خلف بولتون في لجنة منع انتشار الأسلحة روبرت جوزف. ويقال أيضاً ان الخط المتشدد الذي تتبعه الولايات المتحدة في محاصرة كوريا، سيؤتي ثماره عندما تعود المفاوضات. لكن بدلاً من العودة للطاولة، تتوقف المفاوضات لأمد غير معلوم، ولسبب غير مفهوم. وهذا كله ليس مخيباً للآمال فقط؛ بل هو أيضاً خطر. فلا أحد يتوهم أن كوريا الشمالية يمكن الاعتماد على وعودها. لكن لا أحد يأمن أيضاً من أن تستمر تلك الدولة في بناء السلاح النووي. وأخيراً لا أحد يستطيع تحمل ضياع فرصة إيقاف كوريا الشمالية عن متابعة لعبتها الشديدة الخطورة.
- آخر تحديث :
التعليقات