الأحد:08. 01. 2006

خيرالله خيرالله

ليس صعباً التكهن بما آلت اليه الحال الصحية لأرييل شارون، ذلك أن ما يمكن قوله من الآن هو أن الرجل بات ميتاً سياسياً في ضوء النزيف في الدماغ الذي تعرّض له. والواقع هو أن الموت السياسي لأرييل شارون غيّر الى حدّ كبير
الصورة في الساحتين الأسرائيلية والفلسطينية.
لا بد من انتظار بعض الوقت لمعرفة ماذا سيحصل على الصعيد الأسرائيلي. وبكلام أوضح لا بد من أيام عدة قبل الأجابة عن أسئلة في غاية الأهمية في مقدّمها من سيستفيد من غياب شارون الرجل الذي أستطاع أختصار المشهد السياسي الأسرائيلي في السنوات الخمس الأخيرة وحصره في شخصه بعدما أستفاد الى أبعد حدود من قرار عسكرة الأنتفاضة. ذهب شارون بعيداً في الأستخفاف بالآخرين بما في ذلك حزبه (تكتل ليكود).

وكان قراره القاضي بأنشاء حزب خاص به وترك ليكود للذين يعارضون سياسته بمثابة قرار يقضي بمعاقبة كل من يتجرأ على الوقوف في وجهه. قال شارون صراحة أنه أهم من كل الأحزاب وأنه قادر على صنع أحزاب وتفكيكها، انه فوق الرجال والأحزاب. ولذلك تجرأ الرجل على ليكود وخرج منه وأنشأ حزباً خاصاً به.

كان هذا الحزب الى ما قبل أيام مرشحاً للفوز في الأنتخابات العامة المقررة في اواخلر آذار- مارس المقبل.ما الذي سيحصل الآن؟ هل من مستقبل لحزب شارون من دون شارون؟ ماذا سيحل بتكتل ليكود الذي بات يتزعمه بنيامين نتانياهو الذي لا يتحمله الأميركيون من منطلق أنهم لا يستطيعون التعاطي معه؟ وأخيراً ماذا سيفعل حزب العمل الذي يخوض الأنتخابات للمرة الأولى بقيادة يهودي من أصول شرقية هو عمير بيريتس جاء الى اسرائيل من المغرب عندما كان في الرابعة من العمر؟

هل مسموح لبيريتس ذي الأصول المتواضعة والذي لا يتكلم سوى العبرية أن يأتي الى رئاسة الوزراء على رأس حزب احتكر طويلاً تمثيل اليهود الأوروبيين ومثّل دائماً النخبة وليس اليهود الشرقيين الذين جاؤوا من المغرب أو العراق أو اليمن ودول عربية أخرى وحتى أيران؟
أسئلة كثيرة تبدو مطروحة أسرائيلياً بعد توقف دماغ شارون عن العمل . أنها أسئلة ترتبط أساساً بما أذا كان في الأمكان الحديث في المستقبل القريب عن أمكان أعادة الحياة الى العملية السلمية، أم أن مثل هذه التوقعات صارت جزءاً من الماضي وأن ثمة حاجة الى سنوات عدة قبل التفكير مجداً في العملية السلمية.
يفترض في ما يحصل أسرائيلياً ألا يعفي الجانب الفلسطيني من طرح أسئلة على نفسه، خصوصا أن الأمور تتحرك في الضفة الغربية وقطاع غزة بما يوحي بتطورات أقل ما يمكن أن توصف به أنها خطيرة. فقبل أسبوعين تقريباَ من موعد الأنتخابات الفلسطينية التي قد تجري أو لا تجري في موعدها، ظهرت سلسلة من المؤشرات التي تؤكد أن الوضع الفلسطيني مقبل على تطورات لا تبشر بالخير. ما معنى مهاجمة ناد ليلي رواده من موظفي الأمم المتحدة في غزّة وأحراقه؟ وما معنى خطف أجانب في القطاع ثم أطلاقهم.

وما معنى تعطيل المرور في معبر رفح وهو المكان الوحيد الذي يتنفّس منه اهل القطاع؟ أن المعبر يعتبر الى أشعار آخر، السبيل الوحيد كي لا تكون غزة سجناً كبيراً للفلسطينيين بعد الأنسحاب الأسرائيلي من القطاع.
ثمة امور كثيرة أخرى تثير القلق بينها أستمرار فوضى السلاح وكأن لا شيء يمكن أن يحدّ منها أو يضع حدّاً لها. ولعل أخطر ما في الأمر أن عناصر من quot;فتحquot; باتت جزاً لا يتجزأ من هذه الفوضى وكأن المطلوب أبلاغ العالم أن لا أمل في جعل الشعب الفلسطيني قادراً على حكم نفسه بنفسه في ظل معادلة تأخذ في الأعتبار المعطيات الأقليمية والدولية.

كيف يمكن لعناصر فلسطينية أن تطلق النار على الشرطة المصرية التي ترابط على طول الخط الفاصل بين رفح والأراضي المصرية؟ هل بلغ الجنون بعناصر فلسطينية مسلحة حدّ قتل رجال أمن مصريين؟ هل هذه طريقة لمكافأة مصر على ما تقدمه من مساعدات للشعب الفلسطيني الرازح تحت الأحتلال؟في النهاية ما هو دور quot;فتحquot; خارج أطار دعم السلطة الوطنية الفلسطينية؟ هل من معنى لquot;فتحquot; في حال تحولها الى طرف آخر يضع العراقيل في وجه السلطة الوطنية ومؤسساتها؟
من الصعب، في ضوء التقارير الطبية الأخيرة، أن يعود شارون الى المسرح السياسي الأسرائيلي. وغياب الرجل، الذي عرف كيف يدجّن السياسيين الأسرائيليين الآخرين بما في ذلك شمعون بيريس الذي يكبره سنّاً، يمكن أن يوفر فرصة للجانب الفلسطيني كي يعيد النظر في حساباته. لكن كل الدلائل تشير الى أن ذلك بات أقرب الى حلم حتى لو أجريت أنتخابات المجلس التشريعي في موعدها في الخامس والعشرين من الشهر الجاري.

كل ما سيفعله الفلسطينيون في الأيام القليلة المقبلة متابعة السقوط في الأمتحانات التي يتعرضون لها. أنهم لا يشاهدون فخاً ينصب لهم الاّ ويتجهون نحوه للسقوط فيه على غرار ما كان يفعله صدّام حسين الذي عرف كيف يفوّت كل الفرص التي أتيحت له للخروج من المآزق التي ورط نفسه بها. أنهم ليسوا في حاجة الى من يدلهم على الطريق الى الفخ. والفخ الجديد يتمثّل في التشجيع على ان يكون بديل شارون أسوأ من شارون. نعم يمكن أن يكون هناك أسوأ من شارون. والطريق الى ذلك واضحة كلّ الوضوح بدءاً بالعمليات الأنتحارية وأنتهاء بفوضى السلاح مروراً بأطلاق الصواريخ المضحكة- المبكية على مواقع أسرائيلية.

ستتدبر أسرائيل نفسها من دون شارون. ولكن من يستطيع أن يقول للجانب الفلسطيني أن الوقوع في الأفخاخ يمكن أن يكون هواية، الاّ أنه لا يمكن ان يكون اساساً صالحاً لأي سياسة ! ذلك هو الكلام الصريح الذي يفترض أن يوجّه هذه الأيام الى الفلسطينيين. ومختصر هذا الكلام الذي لا يريدون سماعه هو أن أملهم الوحيد في الخروج من الوضع الذين هم فيه يكمن في دعم المشروع السياسي الواقعي الذي تجسّده السلطة الوطنية الفلسطينية. أنه اللعبة الوحيدة في المدينة كما يقول الأميركيون. كل ما عدا ذلك أضاعة للوقت وتسهيل لعملية أن يخلف شارون من هو أسوأ من شارون. هل من مصلحة الشعب الفلسطيني القول وداعاً للعملية السلمية، أقلّه في المدى المنظور الذي يمكن أن يستمر سنوات وسنوات تخلق فيها أسرائيل أمراً واقعاً جديداً عل الأرض يضاف الى المستعمرات الني بنتها منذ العام 1967 ؟