الأحد:08. 01. 2006

توماس فريدمان

بدخولنا عام 2006 نجد أنفسنا أمام العديد من المشاكل والاضطرابات، سواء في الداخل أو الخارجmiddot; ويعود مرد ذلك في نظري إلى ما ابتلينا به من قيادة تضم بين صفوفها مجموعة من الانهزاميين والمستهترينmiddot; وما يزعج حقا ويثير الاستياء في الرئيس جورج بوش ونائبه ديك تشيني هو إكثارهما من الأحاديث التي تنبعث منها رائحة البارود والنار عن ضرورة اجتياح العراق، وإخضاع المشتبه بهم للتعذيب، والتجسس على مكالمات الأميركيين وبريدهم الإلكترونيmiddot;middot;middot; كل ذلك من أجل حماية نمط حياتنا ونشر الديمقراطية حول العالمmiddot; لكن عندما يتعلق الأمر بما هو أبقى وأهم في السياسة الأميركية الخارجية والداخلية؛ كالسعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، والحد من الاعتماد على الآخرين في تلبية حاجاتنا من النفط، وحماية البيئة من التلف والتلوثmiddot;middot;middot; فإن إدارة بوش تتلقى ذلك بكثير من السخرية والتندر معتبرة أن تلك القضايا الحساسة تخص الليبراليين وعاشقي الأشجار الذين لا يكفون عن الثرثرة في قضايا البيئة وفوائد تبني سياسات خضراءmiddot;
لكن معذرة، إن تركيز اهتمامنا على حماية البيئة ودعم سياسات ترشيد استهلاك الطاقة، لا يمكن أبدا اعتباره كلاما تافها كما تحاول إدارة بوش أن تصوره للرأي العامmiddot; بل تعتبر تلك من القضايا الجيوستراتيجية الأكثر تعقيدا، وتحفيزا للنمو الاقتصادي، فضلا عن كونها من أكثر الأمور خدمة للوطن ومصالحهmiddot; فإذا كنا من بين أمم العالم التي تفاخر بقدرتها على مضاعفة سرعة شرائح الكمبيوتر الدقيقة كل 18 شهرا فكيف نفشل في اجتراح طريقة تحررنا من الاعتماد المفرط على الطاقةmiddot; وأعتقد أن التافهين والانهزاميين فقط من يغفلون عن هذا الموضوع الحيوي ويساهمون في تآكل القيم الأميركية سواء في الداخل أو في الخارجmiddot; وخلافا لما قاله تشيني فإن الدفاع عن قضايا البيئة ليس ''بالفضيلة الشخصية''، بل هو ضرورة من ضرورات الأمن القومي الأميركي، ذلك أن الخطر الأكبر الذي يحدق بالولايات المتحدة لا يكمن في الشيوعية أو الأنظمة الشمولية أو الحركات الإسلامية، بل يكمن فيما أسميه بـ''البتروليزم''، وأقصد الممارسات الحكومية غير الديمقراطية في عدد من الدول النفطية بدءا من روسيا وحتى إيران، والناجمة عن الارتفاع المتواصل في أسعار النفطmiddot; كما تحيل عبارة ''البتروليزم'' إلى سياسات متشابكة تعتمد على عائدات النفط لشراء المواطنين عن طريق تقديم الدعم والمنح وتوفير الوظائف الحكومية، فضلا عن استخدام الريع النفطي لترهيب الأعداء أو شرائهم، وبناء الأجهزة الأمنية والقوات العسكرية التي تضمن استمرار الزعماء على رأس الحكم في ظل غياب تام للشفافية، وللمؤسسات السياسية التي تقوم بدور المراقبة والمساءلةmiddot;
وعندما يلجأ قادة الدول إلى ممارسات ''البتروليزم''، فإنهم نادرا ما يستفيدون من الطاقة الإبداعية لشعوبهم، حيث ينحصر اهتمامهم على الطاقة الاستيعابية لمخزونهم النفطي وقدرتهم على تزويد الأسواق الدولية بالنفطmiddot; لذا فإن ما يهم أغلب الدولة النفطية ليس الانكباب على بناء قدرات المجتمع، أو إقامة نظام تعليمي يعزز طاقات الشعب في مجالات الابتكار والتصدير والمنافسة، بل تهتم فقط بمن يسيطر على بئر النفطmiddot; وهكذا نجد الأشخاص في بلدان بترولية مثل روسيا وإيران وفنزويلا والسودان يتحولون إلى أثرياء فقط من خلال بقائهم في الحكومة وتجفيف الخزينة العامةmiddot; أما في الدول غير البترولية مثل تايوان وسنغافورة وكوريا الجنوبية فإن الأشخاص يغتنون عبر النأي بأنفسهم عن الحكومة وإقامة أعمالهم الخاصةmiddot; ولا شك أن ظمأنا الشديد للطاقة واستهلاكنا النهم للنفط يساهمان في تعزيز الأنظمة البترولية ويشجعاها على الإمعان في الممارسات الشمولية ''للبتروليزم''، كما يعزز نهمنا للنفط من قوة الأنظمة في تلك الدولmiddot; ولولا إفراطنا في استهلاك النفط لما استطاعت جل تلك الأنظمة أن تستمر في الحياة، لا سيما بعد أن تبين فشلها في تأمين غد أفضل لشعوبهاmiddot;
ومهما يحصل في العراق، فإننا لن نستطيع تجفيف منابع الأنظمة الشمولية والحركات الإسلامية العنيفة في الشرق الأوسط دون الحد من استهلاكنا المفرط للنفط وتخفيض أسعارهmiddot; وما لم نقم بتغيير سياساتنا الداخلية في مجال الطاقة، فإن أي حديث عن نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط هو مجرد مضيعة للوقت والمال، والأكثر من ذلك إهدار لدماء أبنائنا المراقة في العراقmiddot; فالفرق كبير بين ما تستطيعه تلك الأنظمة في ظل 20 دولارا لسعر برميل النفط، وبين ما يمكن أن تقوم به في ضوء 60 دولارا للبرميلmiddot; وليس من قبيل الصدفة أن تتزامن فترة الإصلاحات التي بدأها الرئيس بوريس يلتسين في روسيا، وإصلاحات الرئيس محمد خاتمي في إيران مع انخفاض أسعار النفطmiddot; لكن ما أن ارتفعت الأسعار مجددا حتى عادت إلى الواجهة الرموز المتشددة لتفرض نفسها على المجتمعينmiddot; ويبقى القول إننا في الولايات المتحدة في حاجة ماسة إلى رئيس وكونجرس يمتلكان ما يكفي من الجرأة ليس فقط لاجتياح العراق، بل أيضا لفرض ضريبة على استهلاك البنزين، وترشيد الاستهلاك محلياmiddot; وهو ما يستدعي صياغة سياسة متكاملة في مجال الطاقة تقوم على دعم المصادر البديلة والتخلي عن الممارسات القديمةmiddot; وأخيرا وليس آخرا أقول للثنائي بوش وتشيني كفى استخفافا بالسياسات البيئية، ذلك أنه لا يوجد ما هو أشد جبنا وأكثر بعدا عن قيم الوطنية من ازدراء قضايا حماية البيئة وترشيد الاستهلاكmiddot; وعلى من يريد أن ينشر الديمقراطية أن يتبنى السياسات الخضراء التي لم تعد كلاما يلقى في الخطب، بل تحول الأخضر إلى لون جديد للعلم الأميركي نفسهmiddot;