الأحد:08. 01. 2006
عيون وآذان
جهاد الخازن
ربما كان الأمر ان الفلسطينيين لا يستطيعون حكم أنفسهم بعد. ربما كان الأمر ان الفلسطينيين بعد مئة عام من الدماء والدموع لم يبلغوا النضج السياسي والانساني المطلوب للاستقلال في دولة قادرة على البقاء.
ربما كان الأمر ان الفلسطينيين متأخرون عن الشعوب الافريقية جنوب الصحراء، وعن سكان جزر جنوب المحيط الهادي.
لا أصدق انني اكتب هذا الكلام، غير انني تعبت من ايجاد الأعذار للفلسطينيين.
اسرائيل ارتكبت كل جريمة ممكنة بحق الفلسطينيين، غير انها بريئة مما يحدث في قطاع غزة هذه الايام، فالجريمة هناك فلسطينية خالصة.
الأقصى بريء من كتائب شهدائه، ومن كل عصابة مسلحة تزعم انها حركة تحرير.
هذه العصابات لا تستطيع قتل جنود الاحتلال، فترتد على إحداها الاخرى، ويقتل المسلحون من ابناء وطنهم ويدمرون مستقبله بحجة بنائه.
هل يمكن ان تجد اسرائيل حلفاء افضل من الميليشيات الفلسطينية في قطاع غزة؟ وهل ستنشر هذه الميليشيات قانون الغابة في الضفة الغربية اذا وصلت اليها، او متى تصل اليها؟
عندما يعجز المسلحون في غزة عن قتل جنود الاحتلال، وعندما يقتلون ما يكفي من بعضهم بعضاً، يرتدون على الجانب المصري من الحدود ويقتلون جنديين مصريين ويجرحون عشرات آخرين.
ليس للفلسطينيين اليوم سوى مصر وشعبها، ومع ذلك فالقتلة يقتلون من اهلهم، ويقدمون رأس قضيتهم الى اسرائيل على طبق من فضة.
والرئيس محمود عباس رفع يديه مستسلماً، واعترف بضعف السلطة وعجزها عن وقف الفلتان الامني.
مشكلة ابو مازن انه laquo;آدميraquo; والحكم يحتاج الى laquo;الآدميةraquo;، الا انه يحتاج ايضاً الى بطش وكذب ونصب واحتيال.
هو محاط بكل هذا، فالشرفاء الوطنيون قلة، وهي قلة عاجزة مثل الرئيس، اما الدجالون والقتلة والكذابون فحدِّث ولا حرج. وماذا يفعل الرئيس في وجه هذا كله؟ يقول ان سلطته ضعيفة.
هو ضعيف ويجب ان يحزم أمره، فإما ان يحكم او يترك الحكم لقوي يحاول فرض حكم سلطة واحدة.
في مثل هذا الانهيار الامني والسياسي أدعو الى تأجيل الانتخابات الفلسطينية... تأجيلها عقوداً، لا شهراً او سنة، فإجراؤها يجب ان يرتبط ببلوغ الفلسطينيين سن الرشد السياسي كما فعل الافريقيون جنوب الصحراء قبلهم، وسكان جزر جنوب المحيط الهادي.
واذا كان الفلسطينيون يرفضون الاعتراف بأنهم غير راشدين بما يكفي لإجراء انتخابات عامة، فهناك عذر القدس، وهو عذر صحيح.
لا يجوز ان تجرى انتخابات من دون مشاركة المقدسيين فيها، كما فعلوا سنة 1996، وكما ضمنتها لهم اتفاقات أوسلو.
لا مقدسيون في الانتخابات، لا انتخابات.
لم أعد واثقاً من ان الفلسطينيين يستطيعون ان يرتبوا بيتهم بما يكفي لإجراء انتخابات ديموقراطية حرة. ربما كان الامر انهم بحاجة الى مئة سنة اخرى ليعطوا كما أُعطي السود في جنوب افريقيا قبل ان ينتزعوا استقلالهم.
أتوقف هنا لأقدم مقارنة مع آرييل شارون الذي حاربهم وحاربوه منذ 1948، وحتى نزفه الأخير.
من هو شارون؟ هو قاتل النساء والاطفال على امتداد عمره النجس. هو الوحش، ابن الهلاك، او ذلك الاعور الدجال، من اللطرون والنقب، الى قبية وقلقيلية، الى قطاع غزة (742 قتيلاً فلسطينياً بالاشتراك مع المجرم الآخر مائير داغان بين تموز (يوليو) ونهاية 1971 فقط)، والى صبرا وشاتيلا، حتى السنوات الخمس الاخيرة عندما قتل خمسة مدنيين فلسطينيين او ستة في مقابل كل مدني اسرائيلي قتل.
بل إن شارون قتل جنوداً اسرائيليين في مغامراته العسكرية المجرمة، من ممر متلا سنة 1956 عندما سقط في كمين مصري، الى ثغرة الدفرسوار، عندما ترك المصريين يدمرون الفرق الاسرائيلية في الشمال والجنوب، لينفذ وحده من الثغرة في الوسط، الى اجتياح لبنان عندما خسر الجيش الاسرائيلي من جنوده اكثر مما خسر في حروبه مع الدول العربية.
هذا تاريخ اسرائيلي، وقد حوكم شارون غير مرة وعوقب وطرد، ولم يصل الى رتبة رئيس الاركان، فكان أن الفشل الفلسطيني جعله رئيس وزراء.
الجنازة حامية والميت ... شارون. ويكاد الانسان يتقيأ مما يقرأ، تبجيلاً له وتطبيلاً، ورثاء له قبل ان يموت.
الفشل الفلسطيني في الدفاع عن اعدل قضية في اقدس ارض جعل شارون يتحول الى رجل سلام او بطل سلام، الى عملاق، بل الى كولوسوس (من تمثال ابولو البرونزي الهائل في رودس الذي دمره زلزال قديم، وهو من عجائب الدنيا السبع).
اصبح السلام نفسه مرتبطاً باسم مجرم حرب رفض كل اتفاق سلام، وبنى المستوطنات لمنع السلام، وقتل بنات المدارس (وزوجته الاولى مارغاليت منتحرة).
كيف هذا؟ احمّل الفلسطينيين، قيادة وعصابات مسلحة، المسؤولية، ثم اطلب من الفلسطينيين ان يفيقوا على انفسهم قبل فوات الاوان، وأراه فات.
ابو مازن يتجول في دول الخليج ليطلب مساعدتها. لماذا تدفع دول الخليج للسلطة الوطنية الفلسطينية؟ هي ليست سلطة باعتراف الرئيس، وليست وطنية بالنظر الى الجرائم المتبادلة المرتكبة. والمساعدة لو أتت ستدفع مرتبات القتلة الذين يدمرون قضيتهم نيابة عن آرييل شارون كل يوم، وهم يزعمون الدفاع عنها.
لا أصدق انني اكتب هذا الكلام. وهو كلام لا يصدق عندما نجد ان القضية العادلة اصبحت متهمة، وأن الارهابي السفاح اصبح بطل سلام.
الفلسطينيون وحدهم مسؤولون عن مصابهم، وعن مصاب الأمة بهم.
ادعوا ان يرشدوا.
التعليقات