الإثنين:09. 01. 2006

شيء ما
د. حسن مدن


يقول الدكتور غازي القصيبي وزير العمل في المملكة العربية السعودية ان في المملكة نحو 300 ألف سعودي في سن العمل عاطلين عن العمل. واستمعت الى الدبلوماسي والكاتب الإماراتي الدكتور خليفة بخيت، وهو يتحدث على شاشة قناة دبي قائلا: ان بعض التقديرات تذهب الى أن عدد العاطلين عن العمل من الشباب في الإمارات يبلغ عشرات الآلاف (ما يتراوح بين 20 ألف إلى 30 ألف عاطل). أما في البحرين فالأرقام معروفة، والتي يأتي مشروع التوظيف الأخير لدمج أصحابها في سوق العمل، ولا نحسب ان بقية البلدان الخليجية خلوا من هذه الظاهرة، وهذا يطرح على بساط البحث سؤالا جوهريا عن العوامل التي تجعل البلدان الخليجية المعروفة بثرائها وشيوع أنماط الحياة الاستهلاكية فيها حتى تكاد تخترق البنيان الاجتماعي - الثقافي حتى النخاع تعاني من ظاهرة مثل ظاهرة البطالة، فيما تعتمد هذه البلدان بشكل يكاد يكون كلياً على العمالة الاجنبية، خاصة الآسيوية منها، في مرافق متعددة بكاملها.

وهذا يدل على أوجه الخلل البنيوي الذي تعاني منه خطط التنمية في هذه البلدان، إن جاز الحديث عن وجود هذه الخطط أصلاً، لأن مؤشرات عديدة تظهر ان الأمور تتم في الغالب الأعم بصورة عشوائية. ومع التطورات المذهلة التي تمر بها المنطقة، خاصة مع ازدياد استحقاقات العولمة والاندماج المطرد لهذه البلدان في السوق العالمية، وتنامي الدعوات لخصخصة قطاعات حيوية كثيرة تدار من قبل الدولة، وتؤمن للعاملين فيها حقوقا وامتيازات هي من السمات التي طبعت ما عرف ب ldquo;دولة الرفاهrdquo; في غالبية بلدان الخليج، فإن أوضاع شرائح اجتماعية كثيرة تبعث على القلق، أخذاً بعين الاعتبار حرص القطاع الخاص على كفاءة الأداء وتقتيره في الانفاق وإيلاءه العناية القصوى للربح، مما سيفرض، بداهة، الاستغناء عن خدمات الكثير من القوى العاملة التي قد لا تجد لها فرصاً أخرى مع اشتداد حمى المنافسة وتغير شروط الطلب على الأيدي العاملة، التي يجب أن تكون من وجهة نظر اقتصادية صرفة على قدر من الكفاءة والتأهيل الدراسي والتدريب المهني.

في الإجمال فإن الخليج يواجه استحقاقات اجتماعية ملحة يفرضها الإيقاع الراهن والمقبل للأداء الاقتصادي، وليست كل مجتمعات الخليج معتادة على هذا النوع من الاستحقاقات، فقد وفرت الوفرة المالية في بعض هذه المجتمعات إمكانات واسعة لاحتواء هذه الاستحقاقات في مراحل سابقة، وهذا أمر لا يمكن أن يستمر من دون نهاية، خاصة مع اضطرار الحكومات، او حتى رغبتها في التحرر من بعض الأعباء التي نهضت بها في الماضي تجاه مواطنيها، ولا يمكن لحكومات دول المنطقة ان تستمر في النظر من دون مبالاة للتحولات الجارية في الهياكل والبنى الاقتصادية والاجتماعية، وهي تحولات تفرز نتائج يجب التعاطي معها بحكمة وبصيرة، ولا يمكن لهذه التحديات ذات الطابع الاجتماعي - المعيشي ان تكون بعيدة او منفصلة عن تحديات التطور السياسي وتحديث أطر التمثيل والمشاركة، فالأمور متداخلة ومتشابكة، وليس بوسع بلدان هذه المنطقة أن تكون معزولة عن العصر وعن ما يجري من تغييرات جذرية في العالم، فالسكون أو الجمود السياسي الذي يطبع الأداء الحكومي يبدو غريبا وغير منسق مع متطلبات الانعطافة الكبرى التي يشهدها عالم اليوم.