الإثنين:09. 01. 2006

فنجان قهوة
أبو خلدون


حققت الانترنت انتشارا يفوق كل تصور، فقد أصبحت جزءا رئيسيا من حياة كل شخص في هذا العالم الذي حولته ثورة المعلومات إلى قرية صغيرة، ومن لا يجد ldquo;الشبكة العنكبوتيةrdquo; في بيته، يجدها تنتظره في العمل، أو يبحث عنها في المقاهي التي تحمل اسمها.

وعندنا في الإمارات ما يزيد على ربع مليون مشترك، ما يزيد على 44 في المائة منهم عائلات يستخدم كل فرد من أفرادها الانترنت ما يزيد على 4 ساعات في اليوم هم في حكم ldquo;مدمني الانترنتrdquo;. والتعبير ليس مجازا، فقد بدأ العلماء يتحدثون عن نوع جديد من الإدمان يطلقون عليه اسم ldquo;إدمان الانترنتrdquo; ويقولون إنه من أخطر أنواع الإدمان. ومعظم الآباء في الأمارات يعانون من إدمان أولادهم المرضى على الانترنت، وقد اتصل بي قارىء صديق وقال: ldquo;لقد تمكنت من تربية أولادي بشكل جيد، وجنبتهم كل ما يمكن أن يقع في باب ldquo;الانحرافات السلوكيةrdquo;، إلا أنني لم أتمكن من إبعادهم عن الانترنت. فقد قسموا ساعات النهار وخصصوا ساعات معينة لكل واحد منهم، وما أن يترك أحدهم الكمبيوتر حتى يجلس آخر عليهrdquo;. ويقول الصديق إن إلغاء خدمة الانترنت من المنزل ليس حلا، لأن الأولاد سيبحثون عنها في مقاهي الانترنت.

وقبل مدة أجرت جامعة سنسنياتي بالتعاون مع جامعة فلوريدا دراسة حول إدمان الانترنت نشرتها مجلة ldquo;اضطرابات السلوك العاطفيrdquo; جاء فيها إن إدمان الانترنت يحدث اختلالا في آلية السيطرة على الدوافع في المخ. وفي الدراسة، اختار الباحثون من الجامعتين عينة عشوائية ممن يستخدمون الانترنت لمدة تزيد على 30 ساعة في الأسبوع (4 ساعات وربع يوميا) بعد عودتهم من العمل، خلال السنوات الثلاث الماضية، فاكتشفوا أن هؤلاء جميعا، دون استثناء، يعانون من قلة النوم، والأرق، وعدم الاهتمام بمسؤولياتهم العائلية، فضلا عن أنهم يتأخرون عن مواعيد الدوام في الشركات التي يعملون بها. وكانت النتائج التي ترتبت على هذا السلوك خطيرة في بعض الأحيان، إذ إن بعضهم تعرض لمشاكل عائلية داخل المنزل، وبعضهم تأخر في دراسته، أو فقد وظيفته وتراكمت عليه الديون.

ويلاحظ العلماء الذين أعدوا الدراسة أن هذه الأشياء مجرد عوارض لاضطراب نفسي خطير يطلق عليه العلماء اسم ldquo;اضطراب السيطرة على الباعثrdquo; والذين يعانون من هذا الاضطراب يشعرون برغبة لا يستطيعون مقاومتها للقيام بنشاط معين، ولا يشعرون بالراحة إلا بعد القيام بهذا السلوك. تماما كمدمن المخدرات أو التدخين، إنه يحس برغبة لا سبيل لمقاومتها لأخذ الجرعة، أو تدخين السيجارة، ولا تهدأ أعصابه أو يشعر بالراحة إلا بعد تحقيق رغبته. وبالإضافة إلى ذلك، اكتشف الباحثون أن أفراد العينة التي خضعت للدراسة يعانون من بعض الاضطرابات النفسية الأخرى، مثل فقدان الشهية، أو الشراهة، أو اضطرابات عادات الأكل أو الكآبة.

والخطير في إدمان الانترنت أن المدمن لا يعرف أنه مدمن، ولا يحمل الانترنت مسؤولية المشاكل التي يعاني منها، وقال الدكتور شابيرا استاذ علم النفس في جامعة فلوريدا، وأحد المشاركين في إعداد الدراسة: ldquo;كان واضحا أن أفراد العينة الذين شاركوا في الدراسة يتمتعون بمستوى ذكاء جيد، وكانوا يتمتعون بالتقدير في المجتمع الذي يعيشون فيه، ولكنهم فقدوا كل شيء عندما فقدوا السيطرة على أنفسهم، بل إن بعضهم فقد عمله، وبعضهم الآخر فقد حياته العائليةrdquo;.

ولإدمان الانترنت مضار أخرى هي أنها تساعد على عزلة المدمن عن مجتمعه، وربما عن عائلته، وتجعله يمضي ساعات فراغه أمام الكمبيوتر يعبث بمفاتيحه، الأمر الذي يؤدي إلى ضمور ملكاته الاجتماعية.

وإدمان الانترنت سيصبح أكثر خطورة في المستقبل، مع اتساع هذه الشبكة التي لا تعرف تطوراتها حدودا، ومع ازدياد سرعتها. وما نلمسه حاليا مجرد مؤشر لعوارض أكثر خطورة ستنتشر في المستقبل، ينبغي الاستعداد لها منذ الآن.

[email protected]