الثلاثاء:10. 01. 2006
فنجان قهوة
أبو خلدون
علماء هندسة الجينات يقولون إن الجينات الوراثية التي كانت تتحكم بتصرفات إنسان العصر الحجري لم تمت، وإنما لا تزال كامنة فينا، ويمكن ان تنشط من جديد، في أية لحظة، والعديد من تصرفاتنا يمكن أن نفسره جينياً، ومثال على ذلك، فإن الإنسان، كائنا من كان، ومهما كانت ثقافته، يخاف من الأفعى، والوحوش المفترسة، دون أن تكون له تجربة شخصية معها، والسبب هو أن هذه الحيوانات كانت تهاجم أجداده في الكهوف، وتفتك بهم، فتعلموا الخوف منها، وحذروها، ويفسر البعض بكاء الطفل بأسباب جينية، فيقولون: إن الطفل داخل مهده في الكهف كان يتعرض لمختلف الأخطار من جانب الزواحف القاتلة، كالأفاعي والعقارب، وكثيرا ما كان أجدادنا القدامى ينتقلون من كهف إلى آخر، وينسون أطفالهم وراءهم، ولذلك يبكي الطفل، للفت نظر والديه، لكي لا يتركوه وحيدا ويرحلوا، أو لكي يهبوا لحمايته من أخطار محتملة، ومع الزمن، ولدت جينة في الجسم تدفع كل الأطفال إلى البكاء عندما يكونون في المهد.
ويقول علماء هندسة الجينات إن الحضارة المادية، عبر العصور، لم تنجح في تقليم مخالب الوحوش في نفوسنا، وكل ما فعلته هو أنها غلفت هذه المخالب بقفازات حريرية، بحيث بات الواحد منا، إذا هبش وجه الآخر لا يترك آثارا تدل على جريمته. وكان شكسبير يقول إن في أعماق كل إنسان وحشاً مفترسا في حالة خمود، يمكن ان يستيقظ إذا تهيأت له الفرصة، وقد استيقظ هذا الوحش في ldquo;عطيلrdquo; وصبغ يديه بالدماء، واستيقظ في ldquo;مكبثrdquo; فأيقظ فيه الطموح إلى العرش، واستيقظ في تاريخ كل الأمم عبر العصور، فملأ تاريخها بالنزاعات والمآسي والحروب.
وقبل مدة، صدر في الولايات المتحدة كتاب فريد لاستاذة علم النفس المعروفة ماري بيبر بعنوان ldquo;أن يكون الواحد منا ملجأ للآخر.. إعادة بناء عائلاتناrdquo;. ويقول الكتاب إن عبوديتنا للآلة والتكنولوجيا أيقظ الوحوش الكامنة فينا وأعادنا إلى شريعة الغاب.
وتقول ماري بيبر: إن الآلات هي التي تربي أطفالنا، لا نحن، والآلات لا قلب لها ولا عاطفة ولا أحاسيس، وهي لا تستطيع أن تمنحنا الحنان والايثار وغير ذلك من المثل، والطفل الذي يمضي عدة ساعات أمام التلفزيون، أو أمام جهاز الكمبيوتر، يلعب الأتاري، لا ينمي مواهبه وملكاته الذهنية، وإنما يقتل هذه المواهب لأنه ينميها في غير مجالها الطبيعي، وينشأ وهو لا يعرف كيف يدير حوارا مع الآخرين، بسبب عدم تدربه على المحادثة، واستخدام اللغة، والتدرب على استخدام اللغة يولد الأفكار، وينمي الذهن، وتلاحظ ماري أن الطلاب في المدارس الابتدائية والثانوية يستخدمون عددا محدودا من المفردات في حوارهم، والتلفزيون يعلمهم كل الاشياء التي نحاول إبعادهم عنها، كما أن أفلام الجريمة، والعنف تملأ نفوسهم بالخوف، وتجعلهم يتصورون أن كل واحد في عالمهم يخفي شومة، أو مسدسا خلف ظهره، ويستعد لإطلاق النار عليهم في أية لحظة، وبالتالي فإنه يجعلهم في حالة استنفار دائم، وينمي السلوك العدواني لديهم.
والطفل رمز للبراءة، والمثل، وهو يعتقد أن المخزون الوحيد في قلب والديه تجاهه هو: الحب، والحنان، والتضحية، والإيثار، فإذا به يشاهد على شاشة التلفزيون فيلما يتخلى فيه الأب عن أولاده، ويجري وراء امرأة أخرى، وأماً تذبح أطفالها ذبح النعاج، أو يسمع في الأخبار أما تحرم طفلتها من الغذاء فترة طويلة ثم تفصل رأسها عن جسدها وتقطعها إلى قطع صغيرة. وكل طفل يرى هذه المشاهد على التلفزيون أو يسمع عنها لا بد يتساءل: هل سيفعل والداي بي مثل ذلك ذات يوم؟
وماري تدعو في كتابها إلى إعادة بناء العائلة وتقول إن ذلك لا يكون بالتخلي عن التكنولوجيا الحديثة وإنما بعدم السماح لهذه التكنولوجيا برسم سلوكنا وتنشئة أطفالنا، وأن نعرف كيف نستخدم معطياتها لإعادة بناء مجتمعنا.
التعليقات