الثلاثاء:10. 01. 2006

محمود الريماوي

حتى اليوم الثالث لجلطة وغيبوبة شارون، لم تبرز ردود فعل وافرة على هذا الحدث، وإن كان رد الفعل الأمريكي الرسمي، جاء مميزا كما هو متوقع، فقد سارع الرئيس بوش لوصف هذا الشخص بأنه: ldquo;رجل شجاع ورجل سلامrdquo;، فيما الغت الوزيرة رايس جولة كانت مقررة لها الى استراليا واندونيسيا، لمتابعة الموقف في تل ابيب وبالذات في مستشفى هداسا.اما وزير الخارجية البريطاني جاك سترو الزائر حينها لبيروت، فقد استغل مؤتمرا جمعه مع نظيره اللبناني فوزي صلوخ، لوصف شارون بأنه: ldquo;عملاقrdquo;، وقد ابدى تأثره لما اصاب هذا ldquo;العملاقrdquo;. اما بقية دول العالم فقد اتخذت موقف الترقب، بانتظار ما سيطرأ على الوضع الصحي، لزعيم حزب ldquo;كاديماrdquo; الذي جدد شبابه الحزبي، بإنشاء حزب جديد وهو في الثامنة والسبعين من عمره.

يجدر بالذكر هنا ان شارون لم ينجح فقط في ابتزاز الأسرة الدولية، بل إنه اثار الانطباع بأن سياسته لا ترد، وبأنه لا بديل له ولسياسته، بدليل انجراف الجمهور ldquo;الاسرائيليrdquo; وراءه، وتفكك قوى الاعتراض، وبدليل ان العالم العربي، وهذا ما يجب الاقرار به، بدأ في التكيف معه خلافا لما كان عليه الأمر مع الليكودي نتنياهو، الذي جوبه بالرفض، فتوقفت على سبيل المثال المؤتمرات الخاصة بالشرق الاوسط وشمال افريقيا، بعد عقد ثلاثة منها، كما تم اغلاق مكاتب الارتباط بين عدد من الدول العربية وتل ابيب. خلافا لذلك نجح شارون بما يتمتع به من عناد بغلي، ومن وحشية لامتناهية، ومن نفوذ في واشنطن، وعلاقات تعاون عسكري امتدت الى الهند وبلغت الصين، مع التقريع المستمر الذي تخالطه الاهانات للمجموعة الاوروبية، نجح في فرض نفسه وسياسته وrdquo;تعويدrdquo; العالم عليه، بأنه وحده الذي يملك الحلول، ويحق له تبعا لذلك ان يفعل ما يشاء، دون ان يحق لأحد في العالم ابداء أي اعتراض، وقد نجح مؤخرا -على سبيل المثال- في منع الاتحاد الاوروبي من نشر تقرير يرصد التجاوزات، ومظاهر التوسع وخاصة في القدس المحتلة، حتى ان هذا الاتحاد الذي يضم 25 دولة بينها دول كبرى، لم يبادر الى تفسير تراجعه، ربما لاحتساب زعمائه انه ليس في وسعهم اغضاب شارون.

وإذ يحلو لمؤيديه وصفه بأنه رجل حرب كاستعداد منهم لاطلاق وصف ldquo;موضوعيrdquo; عليه، فالثابت انه قاتل محترف توسل الحروب لإشباع نهمه الى سفك الدماء، اذ يقترن اسمه بأبشع المجازر من قبية وكفرقاسم الى قتل اسرى مصريين في حرب العام 67 الى ارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا ومجزرة جنين، الى بقية السلسلة من الجرائم شبه اليومية في الاراضي المحتلة، منذ تسنمه قيادة الحكومة قبل 58 شهرا، وقد تمكن كاتب اردني من ملاحظة ان يوما واحدا فقط قد انقضى من دون ان يسفك دم ضحية جديدة، اما في بقية ايامه فإنه لم يخلد ليلة الى النوم، من دون ان يكون ازهق روحا بشرية.

ومع ذلك فقد تمكن عبر عملية تواطؤ واسعة النطاق، وحالات من التقاعس والذعر، او الانتهازية التي تتغطى بالمصالح، من ان يطرح نفسه باعتباره ldquo;القائد الضرورةrdquo; حسب ادبيات قومية عربية، وك ldquo;ملك لاسرائيلrdquo; الموقع المتقدم للدفاع عن الحضارة الغربية امام الارهاب والديكتاتورية. فتراجعت دول سبق ان انتقدته مثل فرنسا وتركيا، كما تراجعت بلجيكا عن السماح بمحاكمته وسنت قانونا جديدا يسوغ لها هذا التراجع. ولم يسبق لجنرال آخر ان نجح في تحقيق هذا الابتزاز مثله، مستفيدا بالطبع من صعود المحافظين الجدد في امريكا وانبهار بوش به، ومن حملة مكافحة الارهاب التي خلطت الاوراق، علما بأن سجله الحافل يضعه كعميد للارهاب في المنطقة، كما افاد من اخطاء وخطايا بعض المنظمات الفلسطينية والعربية، التي جاهرت بعداء مقيت لكل ما هو غير مسلم، فيما اتبع شارون عمليا ولكن من دون ضجيج لفظي، سياسة تقوم على احتقار كل ما هو غير يهودي، ومن ذلك حصاره المديد لبيت لحم حتى في المناسبات الدينية كأعياد الميلاد، وتهجير المسيحيين منها ومن القدس.

وخلافا لسابقيه من الجنرالات، فإن احدا غيره لم يجرؤ على اقامة جدار خرافي في عمق الضفة الغربية المحتلة، فيما تلهج خطابات العالم وادبياته، بالحوار والانفتاح والتواصل، أي ازالة الجدران وتجاوز الحدود، وقد ازدرى خلال ذلك قرار محكمة العدل في لاهاي، مؤكدا انه لا يحتكم الا ل ldquo;محكمة العدل الاسرائيليةrdquo;، التي وافقته على ما فعل ودعت حكومته، لاجراء تعديلات طفيفة على مسار الجدار.

وإذا كان هذا الشخص، قد استأنف سياسة صهيونية يمينية سابقة ولم يبدأ من فراغ، فالصحيح انه اضاف الكثير لتلك السياسة وذلك النهج، وقد امتد تأثيره الى الخارج بإحياء وتفعيل اليمين الجماهيري، وبعسكرة السياسة الخارجية للولايات المتحدة ولبريطانيا ودول اوروبية، بما يجعل العالم حقا ومن دون أية مواربة، افضل من دون هذا العنصري المتوحش.