الثلاثاء:10. 01. 2006
د. أسعد عبدالرحمن
في شهر آب الماضي، جرى نشر معطيات تقريرين رسميين أولهما للبنك الدولي، وثانيهما تقرير دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية. وتشير هذه المعطيات الى العلاقة الجدلية بين فساد السلطة الإسرائيلية وعدوانيتها وبين اتساع وتعمّق الفوارق الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء في المجتمع الإسرائيلي. وأكد التقريران أن الوضع ازداد سوءاً بشكل طردي منذ سنة ألفين وخلال السنوات الأربع الماضية، أي منذ تفجير الاحتلال الإسرائيلي للصراع الدموي الهمجي ضد الشعب العربي الفلسطيني بارتكاب مجزرة القدس والأقصى وانفجار الانتفاضة الفلسطينية الثانية. فحسب تقرير البنك الدولي الذي أعده طاقم من الاقتصاديين من مجموعة quot;بي.دي.ايquot; فإن السلطة في إسرائيل كانت في العام 2004 وخلال السنوات الأربع الماضية الأكثر فساداً مقارنة مع أنظمة الحكم في الدول الصناعية الرأسمالية المتطورة. جدول فساد الحكم في إسرائيل يعكس مدى quot;نشاطquot; جهات حكومية (وزراء وغيرهم) من أجل تحقيق أرباح شخصية خاصة. وفي جدول آخر حول نجاعة الحكم (الذي يلخص نوعية تقديم الحكم ومؤسساته للخدمات الشعبية) تتخلّف إسرائيل أيضاً عن باقي الدول الأوروبية. فالنظام الإسرائيلي هو الأكثر فساداً مقارنة مع الأنظمة الأخرى الأوروبية والمقارنة هي مع الدول الأوروبية لأن الناتج القومي لإسرائيل يقارب الناتج القومي لبعض هذه الدول.
يعكس عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، زائداً الفساد، آثاراً سلبية على الاقتصاد وعلى نموه، خصوصاً على الاستثمارات والتوظيفات الأجنبية في الاقتصاد الإسرائيلي، وquot;السمكة تفسد من رأسهاquot; كما يقول المثل. فمن رئيس الحكومة آرييل شارون الى أولاده، مروراً بالعديد من الوزراء ونواب الكنيست من حزبه السابق quot;الليكودquot;، وليس انتهاء بغيرهم، جميعهم غارقون في أوحال الفساد. أما معطيات تقرير دائرة الإحصاء المركزية حول quot;عدم المساواة في المداخيلquot; في العام 2004 فتجسّد وصمة عار على جبين حكومة همها إغناء الأغنياء وإفقار الفقراء. فمعطيات هذا التقرير تكشف بشكل صارخ طابع الهوية الطبقية الاجتماعية للحكومة السابقة، حكومة quot;الثلاثيquot; شارون ـ نتنياهو ـ بيرس المعادية لحياة ومعيشة ومصالح الهيئات الاجتماعية من العاملين وذوي الدخول المنخفضة والمحدودة. فالسمة البارزة في هذا التقرير هي أن الأنياب المفترسة للسياسة النيوليبرالية التي انتهجها الوزير نتنياهو قد جردت quot;سمكquot; الفقراء من أقل القليل الذي كانوا يملكونه في حين ازداد غنى quot;الحيتانquot; من الأغنياء. وتجسّدت هذه السمة البارزة باتساع فجوات التعاطي الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء في العام 2004 وخلال السنوات الأربع الماضية، حيث ازداد ثراء الأغنياء من أرباب الشركات الاحتكارية وأرباب البورصة والمجمعات البنكية مقابل تفاقم الفقر وعدد الفقراء بسبب سياسة حكومة ذلك quot;الثلاثيquot; (شارون/ نتنياهو/ بيرس) الاقتصادية والاجتماعية النيوليبرالية. ذلك أن سياسة الخصخصة ونسف دولة الرفاه أدت لتقليص ميزانيات الخدمات الاجتماعية والرفاه الاجتماعي وتقليص مختلف مخصصات التأمين الوطني ومخصصات الأولاد والبطالة وغيرها. ولقد نتج عن كل ذلك إعادة الإنتاج الموسع للفقر حيث يعاني الفقر الآن أكثر من (23.6%) من إجمالي عدد السكان في إسرائيل مقابل (19.3%) من الأسر الفقيرة في العام 2003. كما ارتفع عدد الأطفال الفقراء بمقدار (61) ألف طفل ليصل الى (714) ألف طفل أي ما يعادل (33.2%) من أطفال إسرائيل مقابل (30.9%) قبل ذلك بعام واحد.
ولعل الشيء الأكثر بروزاً في إسرائيل، هو زيادة نسبة الفقر بين الأطفال. فقد ازدادت نسبة الأطفال الفقراء منذ العام 1998 بمقدار (50%) على حد قول د. يجئال بن شالوم مدير عام مؤسسة التأمين الوطني. وبذلك، فإن نسبة الأطفال الفقراء في إسرائيل تعد الأعلى بين دول العالم المتقدّم، وتتجاوز نسبتهم (لأول مرة) في العام 2004 نسبة الأطفال الفقراء في الولايات المتحدة الأميركية. وكان عضو الكنيست رابيتش قد دعا الحكومة الى وقف عملية التقليص المستمرة في مخصصات الأطفال التي بدأت في العام 2003 ومن المتوقع أن تستمر الى العام 2009 (اللهم إلا إذا جاءت نتيجة الانتخابات المقبلة لتعكس التوقعات). كما دعا رابيتش الحكومة لرفض اقتراح وزارة المالية بتراجع الحكومة عن وعدها بإعادة مبلغ الـ24 شيكلاً لمخصصات الطفلين الأول والثاني والتي كان قد تم اقتطاعها. ومن جانبه، قال بن شالوم: quot;من غير الممكن أن يقوموا بتقليص مخصصات الأطفال بمقدار تسعة مليارات شيكل في حين يرصدون (21) مليار شيكل لخفض الضرائب الأمر الذي لا يستفيد منه إلا أثرياء الدولةquot;.
كذلك، أضر الفقر بجميع الشرائح السكانية في إسرائيل حيث ارتفعت نسبة الفقراء من كبار السن من (22.3%) الى (25.1%) وارتفعت نسبة الأسر الفقيرة ذات العدد الكبير من (49%) الى (54.7%). وقد أعلن quot;مركز مساواةquot; لحقوق الجمهور العربي يوم 8/8/2005 أن نصف الأسر العربية في إسرائيل تعيش تحت خط الفقر وهي تشكل تقريباً ثلث الفقراء. ولا يبتعد حال اليهود الشرقيين كثيراً عن هذا الواقع. كما أعلن المركز، أن قرابة (60%) من الأطفال العرب الفقراء. وكتب الحاخام يوفال سيرلو (الذي يعمل مديراً لإحدى المدارس الدينية) في صحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ 6/8/2005 أنه quot;من بين ما أدى إليه الفساد في نظام الحكم الإسرائيلي غياب العدالة في توزيع الأموال والموارد. فها هو أجر العامل لا يصل الى الحد الأدنى، وهناك العمل طوال أيام الأسبوع من دون راحة، وعدم توافر الاستقرار وإقالة كبار السن، والتفاوت في مستويات الدخل بين الرجال والنساء، وتشغيل عمال أجانب في ظروف غير إنسانية والاتجار بالنساء.. إنها أسس العبودية الحديثة تتم تحت غطاء أيديولوجية السوق الحرة والخصخصةquot;.
التعليقات