الأربعاء:11. 01. 2006

صلاح الدين حافظ

منذ أسبوعه الأول، بدا عام 2006 بوجه عابس للأسف، بعد أن كنا، ولا نزال، نأمل أن يأتي أفضل من العام المنقضي.

ونظن أن العام الجديد ldquo;الحاليrdquo; هو عام خلط الأوراق من جديد، بعد أن شهد العام 2005 تجارب عديدة لاختبار السياسات والمناورات، صعدت في ظله موجات العنف في أزمتي العراق وفلسطين، وانضمت إليهما الأزمة السورية اللبنانية المتفاقمة.

فإن كان العام الماضي هو عام التجريب والاختبار، فإن العام الحالي سيكون عام التطبيق واسع المدى بعد إعادة خلط الأوراق في منطقتنا التي أصبحت تواجه تحديات خطيرة، نجملها في التحديات الآتية: التهديد الشامل للأمن القومي والجماعي من جانب الدول الأجنبية، واختراق هذه الدول للأمن الوطني في دول عربية عديدة، باسم التحالف ومعاهدات الصداقة والدفاع المشترك والقواعد والتسهيلات، وارتفاع وتيرة الأزمات الاقتصادية والضغوط الاجتماعية بما يولد مزيدا من الإحباط والفقر والعنف، وجهود تفتيت الدول العربية بإشعال الصراعات الطائفية والدينية والعرقية، واستمرار تحدي إسرائيل ورفضها لكل آفاق السلام الحقيقي المستقر، وبروز شبح الحصار النووي من كل جانب.. ولكل دولة من دولنا نصيب من هذا كله!

1 فإن بدأنا بمصر، التي نعتقد أنها الأكثر استهدافا والأكثر عرضة للعبة خلط الأوراق في العام الحالي، فإنها عبرت العام الماضي فوق جسر من الأزمات المتشابكة، التي تداخلت فيها عناصر داخلية وأخرى خارجية.. فالأزمة الاقتصادية الاجتماعية مستمرة، لكن العملية السياسية تحديدا شهدت خلطا للأوراق بشكل درامي، عبر الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وما شابهما من تجاوزات وأخطاء معروفة، أدت إلى مزيد من الاحتقان بين القوى السياسية والحكومة، استفادت منه التيارات الدينية السياسية فصعدت إلى سطح العملية السياسية متحدية الجميع.

في العام الجديد، لا نظن أن الاحتقان سيخفت، بل ربما يتصاعد، ليس فقط بسبب الصدام المتوقع بين الحزب الوطني الحاكم والتيار السياسي الديني في البرلمان، ولكن أساسا بين التيارات الشعبية والدعوات الإصلاحية الديموقراطية، وطرفي الصراع في البرلمان، بعد أن اختلطت الأوراق، وصارت السماء حبلى بتطورات زاحفة نكاد نلمسها باليد ونراها بالعين المجردة.

وهي تطورات تتسم غالبا بالحدة والعنف، وإلحاح شديد من ldquo;الفتوى الجديدةrdquo; على الإصلاح الديموقراطي الحقيقي، وعلى إعادة الاحترام والاعتبار لدولة القانون، بعد أن اهتزت هيبتها وتراجعت مصداقيتها، خصوصا من خلال ما شهدته الانتخابات البرلمانية الأخيرة من تجاوزات وضغوط بهدف التزوير وتغيير إرادة الناخبين في عديد من الدوائر، وبعد أن تم كسر القانون نهارا جهارا، ولم يتقدم لحمايته من هم مكلفون بحمايته.

وإلا فما معنى تقديم أكثر من ألف طعن أمام القضاء في نتائج الانتخابات، وما معنى أن تعلن النيابة العامة مثلا أنها حفظت التحقيق في قضية التحرش الجنسي والاعتداء على الصحفيات يوم الاستفتاء على تعديل الدستور، لأنها لم تتوصل إلى الجناة.. كيف تعجز أجهزة الأمن والضبط والتحقيق عن ضبط الجناة وقد قُدمت لها صور وأسماء وأفلام مسجلة بالاسم والرسم!

ومع كل الاحترام للنيابة العامة ولكل القضاء، فإن السمعة والمصداقية والنزاهة قد مست.. ولذلك فإن الاحترام والهيبة للقانون مجال حيوي للصراع الذي اختلطت الأوراق في ميادينه العديدة!

***

2 يأبى شارون سفاح بني ldquo;إسرائيلrdquo;، إلا أن يخلط الأوراق حيا وميتا.. ومن سيخلفه لن يكون أقل منه عنفا وتشددا ومعاداة للسلام الحقيقي المستقر، وبالتالي فإن العام الجديد لن يكون أفضل بالنسبة للشعب الفلسطيني ولكل العرب من سابقه، وكيف يكون والمزايدة على شارون حيا وميتا ستكون هي مقياس الحكم في ldquo;إسرائيلrdquo;.

ومن عجائب خلط الأوراق، أن شارون أصبح يوصف على ألسنة بعض الساسة العرب تحديدا، بأنه رجل السلام المعتدل القادر على تحقيق التسوية المعقولة، بينما التاريخ المعاش يسجل له انه رجل العنف والدم وبطل المجازر ومهندس خلط الأوراق، من مذابح دير ياسين وقبية، إلى مذابح صبرا وشاتيلا، ومن ثغرة الدفرسوار 1973 إلى غزو لبنان واحتلاله ،1982 ومن ضرب انتفاضة الأقصى بكل عنف وشراسة، إلى زيادة القوة العسكرية ldquo;الإسرائيليةrdquo;، التقليدية والنووية، ومن تأسيسه لحزب كاديما ldquo;قدماrdquo; إلى آخر تصريحاته قبل أن تهاجمه الجلطة الدماغية، باعتزامه إلغاء خريطة الطريق، هروبا من منافسيه في الليكود من ناحية، وتهربا من الالتزامات الدولية المعلنة من ناحية أخرى، وخلطا لكل الأوراق في النهاية!

3 من الطبيعي أن يقلق العرب جميعا من هذا الحصار النووي الهائل المحيط بهم من كل جانب، بينما هم لا حول ولا قوة، وإذا كانت دول مثل مصر وسوريا والأردن ولبنان تقلق أشد القلق من الترسانة النووية ldquo;الإسرائيليةrdquo;، التي تحتوي على نحو 400 رأس نووي جاهزة مجهزة بالصواريخ طويلة المدى والقاذفات الحديثة، فإن قلق دول الخليج العربية من المشروع النووي الإيراني الصاعد يصبح قلقا مشروعا بحكم القرب والجوار، فمفاعل ldquo;بوشهرrdquo; أقرب إلى البحرين والإمارات وقطر وشرق السعودية من طهران!

لكن خلط الأوراق الذي بدأت تجلياته في أواخر العام الماضي، وستشتد في العام الحالي، أومأ إلى التركيز على خطر المشروع النووي الإيراني على دول الخليج، مع تجاهل الخطر الأشد وهو الخطر النووي ldquo;الإسرائيليrdquo; الأكثر حداثة وقوة، والأعنف تهديدا لكل الدول العربية من موريتانيا غربا إلى العراق والخليج شرقا دون استثناء، فضلا عن تجاهل القوى النووية الأخرى القريبة، مثل الهند وباكستان المطلتين مباشرة على العراق ودول الخليج أساسا.

ولذلك فإن التحدي الحقيقي الذي يواجهنا جميعا هو ذلك الحصار النووي الواسع والمنتشر من حولنا، والذي تشكل ldquo;إسرائيلrdquo; أقوى ترساناته وأخطرها، ومن هنا فإن التركيز على ضرورة إخلاء المنطقة كلها من أسلحة الدمار الشامل، وخصوصا النووية، يصبح هدفا استراتيجيا قوميا شاملا، دون تجزئة أو ابتسار.

وهذا هو المعنى والمبنى الذي يجب أن نواجه تحديه في العام الجديد، دون خلط للأوراق، بعد أن صدرت اعترافات دولية بأن ldquo;أمن المنطقة إزاء أسلحة الدمار الشامل، هو أمن واحد لا يتجزأ، وان التعامل مع هذه المسألة، في منطقة الشرق الأوسط، يجب أن يتم في إطار رؤية إقليمية شاملة للأمن والاستقرار، وليس من خلال تعامل مجزأ، أو بشكل انتقائي يكرس وجود أسلحة نووية لدى دولة واحدة في المنطقة هي ldquo;إسرائيلrdquo;، وينقذها من الحصار السياسي الذي يشكله مبدأ إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في المنطقة كلهاrdquo;.

وأظن أن هذا المنطق الواضح والمعالجة الشاملة لا يجب أن تغضب أحدا منا نحن العرب، لأنها لا تستثني أحدا ولا تتجاهل مثلا الخطر النووي الإيراني أو الهندي أو الباكستاني، لحساب التركيز على الخطر ldquo;الإسرائيليrdquo; فقط، والعكس صحيح، فكل قوة نووية من حولنا خطر داهم، خصوصا ونحن لا نملك ما يعادلها أو يردعها.

***

وقد كان هذا المعنى، بل والنص الذي جاء في مذكرة عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية، الموجهة بتاريخ 29/6/2005 إلى عبدالرحمن العطية الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، التي اطلعنا عليها من مصادر عربية مختلفة وموثوقة، والتي تؤكد أن هناك أفكارا دولية معينة يتم الترويج لها ldquo;تدعو للنظر إلى أمن دول الخليج على أنه يتعارض مع فكرة ترابط الأمن الجماعي العربي، حيث تشير هذه الأفكار إلى أن أمن دول الخليج مرتبط فقط بالتهديدات والمخاطر القادمة من الشرق، وبالتالي لا ترتبط بمخاطر التسلح النووي ldquo;الإسرائيليrdquo;، أو حتى بالصراع العربي ldquo;الإسرائيليrdquo;، وهي دعوة يراد بها التعامل مع أمن هذا الجزء العربي الهام بشكل منفصل عن باقي العقد العربي.

ورغم أن العطية رد على هذه المذكرة بالشكر والتقدير والإشادة بتاريخ 1/7/2005 إلا أن سياسة خلط الأوراق، التي أشعلت حملة إعلامية تنتقد الأمين العام للجامعة العربية وتتهمه بتجاهل الخطر النووي الإيراني، أدت إلى سوء قراءة وسوء فهم لمقصد أمين الجامعة العربية، وبدا الموقف العربي وكأنه منقسم حول الهدف الأهم والأشمل، وهو السعي بجدية لإقرار مشروع جعل منطقة الشرق الأوسط كلها خالية من كل أسلحة الدمار الشامل، دون تجزئة أو استثناء أحد.

ولو استمرأنا التجزئة وتقسيم الأمن الجماعي العربي، بالاهتمام بهذا الخطر وتجاهل ذاك، استجابة لأعداء أي عمل عربي مشترك، بما فيه اتفاقية الدفاع العربي المشترك، لوقعنا في مصيدة خلط الأوراق، التي نصبت لنا عبر السنوات الأخيرة، وتم الترويج لها عن طريق قوى دولية ذات مصالح استراتيجية، تضع ldquo;إسرائيلrdquo; قبل وفوق الجميع، وتضمن لها وحدها سر التفوق العسكري التقليدي والنووي على كل العرب مجتمعين، وهم الذين تخلفوا بإرادتهم الحرة عن اللحاق ب ldquo;إسرائيلrdquo; منذ نهايات الأربعينات وبداية الخمسينات من القرن الماضي.

وفي حين زادت ldquo;إسرائيلrdquo; من سرعة إنجاز ترسانتها النووية عبر السنوات، تمكنت الهند وباكستان من معادلة موازين القوى النووية بينهما بحكم الصراع، وها هي إيران تدق الباب بقوة غير هيابة، لتكمل حلقات الحصار، بينما بقينا نحن العرب جميعا أسرى ضعف الإرادة وفقدان استقلال القرار السياسي، وخصوصا مثل هذا القرار الاستراتيجي، بمعادلة موازين القوى مع الآخرين.

الآن.. بعد أن أصبحنا كالأيتام على موائد اللئام، صرنا نشكو ونتباكى دون معين حقيقي، بل صرنا نتصارع على تفتيت حلم ldquo;الأمن القومي الجماعيrdquo;، وبات كل منا يبحث عن حماية خارجية تقيه شرور البلية، بدلا من بناء القدرات الذاتية.. وأطلقنا العنان لألاعيب خلط الأوراق والحملات الدعائية والإعلامية التي تخرب ما بقي من أمل في أي عمل عربي جماعي، لأن ldquo;السيدrdquo; لا يريد!

4 أعد ترتيب هذه الكلمات: خدام اغتيال سوريا الجلبي أمريكا اختراق ldquo;إسرائيلrdquo; استبداد فئران السفينة فساد ديمقراطية احتلال..

***

آخر الكلام: يقول ابن زيدون:

أَضْحى التّنَائي بديلاً عن تدانينَا

ونابَ عن طيبِ لُقيانا تجافينَا