الأربعاء:11. 01. 2006
فنجان قهوة
أبو خلدون
حتى الفقراء عندنا في الدول العربية يتحدثون بلغة بيل جيتس وبول جيتي وغيرهما من أصحاب الملايين السابقين واللاحقين. فقد كان كبار السن من فقرائنا يصرون على تضمين كل رسالة يكتبونها إلى أقاربهم وأصدقائهم في القرى والمدن الأخرى عبارة ldquo;وفي الختام مليون حمل سلامrdquo;، وعندما يودع أحدهما الآخر يودعه بمليون بوسة، وبذلك يتحول الصديق أو القريب إلى مليونير بجرة قلم.
ويبدو أن الأغنياء علموا أن المليون لم يعد مبهرا، وأنه انتشر على نطاق واسع بين الفقراء من خلال الرسائل، ولذلك قرروا استخدام لغة أخرى لا يصل إليها خيال الفقراء، فابتكروا لغة المليارات، وباتوا يحسبون ثرواتهم على أساسها. أما الأغنياء السوبر، مثل روتشيلد، فإنهم يحسبون ثرواتهم بالتريليونات.
والمليار رقم خيالي يفوق التصور إلى درجة أن خيال الفقراء الذين لا يتجاوز طموحهم المليون لا يمكن أن يرقى إليه. ولو أنك أنفقت دولارا واحدا كل دقيقة، على مدى ساعات الليل والنهار لاحتجت إلى أكثر من 2000 سنة لإنفاق المليار، ولو أنك وصلت دولاراته إلى جانب بعضها البعض في حبل طويل لتكون لديك حبلا يصل بين الشمس والأرض، ويتبقى لديك ما يكفي لتكوين حزام حول الأرض والقمر. وثروة بيل جيتس التي تقدر بحوالي 54 مليار دولار تكفيه لما يزيد على 108 آلاف سنة، حتى لو أنفق دولارا واحدا كل دقيقة، أي 1440 دولارا في اليوم. والحبل الذي تكونه إذا وصلنا دولاراتها إلى بعضها بعضا يخترق مجموعتنا الشمسية ويواصل رحلته في الفضاء إلى المجموعات الأخرى.
وحتى الآن لم أسمع من يكتب في نهاية رسالته ldquo;وفي الختام مليار حمل سلامrdquo; أو من يقول للآخر مودعا ldquo;خذ مليار بوسةrdquo; وربما كان هذا هو السبب في الانتعاش النسبي الذي نعيشه، إذ لو فعلنا ذلك لبدأ الأثرياء يحسبون ترواتهم بشيء غير المليار والتريليون.
وملايين الفقراء في رسائلهم وقبلاتهم تدخل في باب ldquo;أحلام اليقظةrdquo; التي يعتبرها العلماء مضيعة للوقت والجهد وإهدارا للفرص الحقيقية في الحياة. ولكن الدكتور جيروم سينجر استاذ علم النفس في جامعة هارفارد نشر قبل مدة دراسة قال فيها إن البحوث التي أجراها أثبتت له أن هذه النظرة إلى أحلام اليقظة غير صحيحة، وأن هذه الأحلام إذا استخدمت على نحو بناء تقدم للإنسان الكثير من الفرص للتقدم. ويقول الدكتور سينجر، إن هذه الأحلام يمكن استخدامها للتخلص من العديد من الأمراض النفسية التي تحد من قدرة الإنسان على الحركة، وتساعده على التكيف مع البيئة التي يعيش فيها، وتخلصه من التوتر وأمراض الفوبيا والعصاب. وتقول الدكتورة روت هوخ من معهد الإدراك والسلوك في سبرينجفيلد في نيوجيرسي إنها ابتكرت إسلوبا فريدا لاستخدام هذه الأحلام في علاج الكثير من الأمراض، ومن بينها البدانة.
ويقول العلماء إن أحلام اليقظة التي تحول البدين إلى سليم، والعصابي إلى إنسان هادىء، يمكن استخدامها أيضا لتحريك طموح الإنسان وتحويل العاجز إلى مؤهل والفقير إلى غني، ولا شك أن ثروة بيل جيتس كانت حلم يقظة في خياله عندما كان يعمل موظفا بسيطا في إحدى شركات الكمبيوتر، ولكنه أحسن استغلال أحلام يقظته فتحول إلى ملياردير.
ويا أيها الفقراء، ليس لكم إلا أحلامكم، وها هم يحاولون مصادرتها.
التعليقات