يحيى عبد المبدي محمد
جامع واشنطن الكبير أو المركز الإسلامي الكائن هو أول مسجد يؤسس في عاصمة الولايات المتحدة، بل ربما يكون أكبر مكان إسلامي للعبادة يقام في العالم الجديد طبقا للمعلومات التي يمدنا بها الموقع الإلكتروني الرسمي للمسجد، وذلك قبل بناء عدة مساجد كبيرة في أنحاء مختلفة من الولايات المتحدة. منذ افتتاح المسجد عام 1957 وهو يستقبل عشرات الآلاف من المصلين والزائرين، ذلك فضلا عن الآلاف من غير المسلمين الذين أتوا إلى المركز إعجابا بتصميمه المعماري أو طلبا لمعرفة معلومات عن الإسلام. المسجد هو مكان المعتاد لآلاف المصلين في العاصمة وضواحيها والعاملين في السفارات العربية والإسلامية، حيث يقع في حي السفارات الأجنبية. ومن أشهر الشخصيات التي زارت المسجد الرئيس الأمريكي داويت أيزنهاور وألقى كلمة أمام مرتاديه في 28 يونيه عام 1957 بمناسبة افتتاحه. وفي السابع عشر من سبتمبر عام 2001 وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر قام الرئيس بوش بجولة تفقد فيها مؤسسات المركز وعقد اجتماع مع مجلس إدارته وزعماء الجالية الإسلامية في الولايات المتحدة لتبادل الآراء ووجهات النظر بعد هجمات سبتمبر.
زيارة إلى المسجد
في القسم الشمالي الغربي من شارع ماستشوستس الذي يقع في قلب العاصمة واشنطن توقفت سيارة الأجرة التي كنت استقلها ، كانت مئذنة المسجد التي يبلغ طولها 160 قدما علامة مميزة لي ولسائق التاكسي لمعرفة المكان، وبمجرد نزولي من السيارة شعرت أنني في القاهرة لشدة تشابه تصميم المسجد مع مساجد القاهرة الفاطمية. يعتبر المسجد الذي يقع على حافة منتزه، تحيط به حديقة مسورة رفع عليها عشرات الأعلام لدول عربية وإسلامية بالإضافة على علم الولايات المتحدة وتتصدر ببوابته لوحة مدون عليها آداب دخول المركز(المسجد) باللغتين العربية والإنكليزية، وهي كالتالي: الحفاظ على الهدوء، والاحتشام بالملبس، وتغطية الرأس والجسد للنساء، والإصغاء أثناء قراءة القرآن والخطب، وأخيرا عدم التدخين إطلاقا.
كان وقت صلاة الظهر، توجهت إلى دورة المياه التي صممت على الطراز الشرقي مع مسحة تكنولوجية أمريكية، توضأت ثم دلفت إلى المسجد من البوابة الخلفية سرت إلى أنفي رائحة البخور والمسك الذي يميز مساجد الشرق ولفت نظري سجادة بسطت على أرضية المسجد لا تزال تحتفظ بجمال التصميم والزخرفة رغم تقدم عمرها الواضح. وكان مكتوب عليها باللغة الفارسية :quot;إهداء من شاهنشاه إيران محمد رضا بهلويquot;.
بعد الآذان وإقامة الصلاة في جو أكثر هدوءا من مساجد القاهرة، كنت أحاول اللحاق بإمام المسجد لإجراء المقابلة الصحفية، عندما استوقفني أحد المصلين الذي يبدو من لهجته أنه من غرب أفريقيا عاتبا على المرور أمامه قبل أن يختم الصلاة مضيفا أنه طلب من وزير العدل الأمريكي السابق جون أشكروفت عندما رافق الرئيس بوش في زيارته للمسجد أن يخلع حذاءه للحفاظ على آداب الدخول والتواجد في المسجد.
عندما طلبت من أمام جامع واشنطن ومدير المركز الإسلامي الدكتور عبد الله الخوج إجراء المقابلة أخبرني بأن على الانتظار إلى الغد أو إجراء المقابلة هاتفيا، حيث إن لديه أكثر من مقابلة مع ممثلين لوسائل إعلام أمريكية في نفس اليوم.
قصة بناء المسجد
تبدأ قصة بناء المسجد بواقعة غريبة، ففي عام 1944 توفى السفير التركي في الولايات المتحدة على نحو مفاجئ، ولم يكن هناك مسجد في واشنطن آنذاك لإقامة شعائر وطقوس الجنازة، فألهم الموقف من عايشوه من المسلمين بضرورة تشييد مسجد في العاصمة لتلبية حاجة الدبلوماسيين العاملين في السفارات العربية والإسلامية من جهة وخدمة أبناء الجالية المسلمة في المنطقة من جهة أخرى.
وكانت بداية تنفيذ الخطوات العملية مع تأسيس عدد من الدبلوماسيين والمسلمين الأمريكيين رابطة مسجد واشنطن Washington Mosque Foundation. وما لبس أن ازداد عدد أعضاء الرابطة لتشمل ممثلين من كافة الأمم الإسلامية. وبدأت المساعدات تنهال على الرابطة الوليدة من مواطنين أمريكيين وأبناء الجالية العربية والإسلامية في الولايات المتحدة.
تجمع لدى الرابطة المال الكافي لشراء قطعة أرض في الموقع الذي أقيم عليه المسجد، حيث التجمع الرئيسي للسفارات الأجنبية في العاصمة واشنطن في 30 أبريل من عام 1946. ثم وضع حجر الأساس للمركز والمسجد في 11 يناير من عام 1949 الموافق 1368 هجريا وذلك بمناسبة الذكرى الـ 1420 لمولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
تم اختيار البروفيسور ماريو روسي المهندس المعماري الإيطالي الذي قام بتصميم وبناء عدة مساجد في مصر لتصميم وبناء المسجد. أما عملية تأثيث المسجد، فشهدت تعاونا من مختلف بقاع العالم الإسلامي، حيث سجاد المسجد جاءت من إيران والمزخرفات من تركيا، والكتب والأثاث من مصر التي تبرعت بالأثريات البرونزية الرائعة وأرسلت العمال الذين زخرفوا الجدران والسقف بالآيات القرآنية.
وفي الثامن والعشرين من يونيه عام 1958 تم افتتاح المسجد في احتفال مهيب دعي إليه الرئيس الأمريكي آنذاك دويت أيزنهاور وبعض المسئولين الأمريكيين وكافة الدبلوماسيين العرب والمسلمين في العاصمة واشنطن.
وفي كلمته أمام هذا الجمع والتي يحتفظ بمضمونه الموقع الرسمي للمسجد، أثنى الرئيس أيزنهاور على تقاليد وتعاليم وثقافة العالم الإسلامي التي ساهمت لقرون في بناء الحضارة . وأعرب الرئيس الأمريكي في كلمته عن اعتقاده بأن المسلمين يشاركون كافة الأمريكيين نفس الأهداف وتعهد بأن الولايات المتحدة ستقف بكل ما أوتيت من قوة مع حقوق المسلمين من أجل أن يمارسوا شعائرهم الدينية بحرية.
رسالة المسجد ومجلس إدارته
لا تزال رسالة المركز والهدف من وجوده والتي أعلن عنها حين افتتاحه عام 1957صالحة للتطبيق اليوم، وهي تقديم صورة وفهم أفضل للإسلام في الولايات المتحدة لتحسين العلاقات مع العالم الإسلامي وتهيئة المناخ الملائم الذي يجعل من القيم الإسلامية أمرا مقبولا ويحظى بالتقدير.
مجلس أمناء مركز واشنطن الإسلامي مكون من مجموعة من سفراء الدول الإسلامية. وكان الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز السفير السابق للمملكة السعودية هو أخر رئيس لمجلس أمناء المركز.
أنشطة المسجد
بالإضافة إلى إقامة شعائر الصلوات الخمس وصلاة الجمعة، يوفر المركز الإسلامي في واشنطن بمجموعة من فرصة حضور دروس مجانية في الدراسات الإسلامية أيام الآحاد (العطلة الأسبوعية) صباحا، كما يعقد صفوفا لتعليم اللغة العربية والقرآن لمختلف المستويات للكبار والصغار للنساء والرجال أيام السبت والأحد من كل أسبوع. ويقوم المركز بتقديم دروس في علم الحديث مرتين في الأسبوع بعد صلاة العشاء. كما يقدم محاضرات عامة بين صلاتي المغرب والعشاء لمحاضرين من إدارة المسجد أو من محاضرين زائرين.

ومن الأنشطة التي يقدمها المسجد أيضا جولات تعليمية عن تاريخ المركز ومعلومات أساسية عن تاريخ وتعاليم الإسلام للأفراد والمجموعات. كما يوفر المركز للمؤسسات التعليمية والدينية الأميركية فرصة إيفاد أحد ممثليه إلى هذه المؤسسات والتي تشمل مدارس وكنائس لإلقاء محاضرات تعريفية عن الإسلام .
ويصدر المركز مجلة تحمل اسم النور، احتوى العدد الأخير منها على كلمة للرئيس بوش بعنوان الإسلام دين سلام، ومقال للسفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة بعنوان الإسلام برئ من الهجمات الإرهابية، وتغطية لزيارة الملك عبد الله الثاني عاهل الأردن إلى المركز والصلاة في المسجد ومقال لمدير المركز وإمام المسجد.