الخميس:12. 01. 2006


علي حويلي

يمكن توصيف غالبية الاعلام العربي بعبارة مقتضبة: انه اعلام بلا رسالة، وان ما يطلق عليه من laquo;سلطة رابعةraquo; ليس الا تعبيراً مجازياً، ومجرد فرضية واعدة لم ترق بعد في شأنها وفعلها وتأثيرها الى مستوى السلطات الاخرى في الانظمة الديموقراطية على رغم تنوعها وتعددها ما بين مكتوب ومسموع ومرئي وما طرأ عليه من تطورات تقنية حديثة وما يرصد له في الداخل والخارج من موازنات مالية ضخمة خاصة للمحطات الفضائية، واقل ما يقال فيه انه اعلام موجه لا يتحرك الا في حدود الدوائر التي ترسمها السلطات الرسمية محليا واقليميا ودوليا، لذلك فهو بغالبيته اعلام السلطة بامتياز، واعلام شعبوي وتعبوي وديماغوجي يقوم على التسويف والتضليل والتبرير اكثر مما يقوم على التوعية والثقيف والتنوير.

اما اعلام المعارضة فبعضه غائب الى حد بعيد وبعضه الاخر حاضر جزئيا ومكبل بسلسلة من القيود والاحكام تجعله فريسة سهلة للانقضاض عليه في كل مرة تشتد فيها نبرة النقد والاعتراض والمساءلة. وسجل الاعلاميين العرب المناوئين لتوجهات السلطة حافل بالاعتقالات والتعذيب والتشريد والاغتيال.

خلافا لهذه الصورة القاتمة يبقى للاعلام اللبناني القه ووهجه على رغم ما يعتريه من عيوب وسلبيات كثيرة بعضها لا يخرج عن النسق العربي وبعضها الآخر ذاتي. فمن المقولات الشائعة في لبنان ان هذا البلد يحظى بالكثير من الحرية وينعم بالقليل من الديموقراطية. وطبيعي ان تنسحب هذه المقولة على وسائل الاعلام فيه كونها المحرك الاساس للحياة السياسية، والمكون الرئيس لانجاهات الرأي العام. فالاعلام اللبناني على عراقته وخصوصيته التاريخية وجرأته في القول والنشر والتعبير وفرادته في محيطه العربي، يكاد اليوم يفقد جانبا كبيرا من مكانته واصالته وصدقيته وموضوعيته وادبياته المهنية والتزامه بالقضايا الوطنية والمصيرية ليستحيل اعلاما فالتا بلا ضوابط ذاتية او رقابة رسمية.

وقد شهد لبنان منذ بضع سنوات طفرة ملحوظة في وسائله الاعلامية التي باتت اكثر من أي وقت مضى تعكس مدى التحولات الكبرى في مكوناته الاجتماعية وأحجامها وأوزانها وتشعب مشاربها واتجاهاتها وعقائدها، ما يعني وفقا لهذا التوصيف، وفي هذه المرحلة الحرجة بالذات، انه تخلى قسرا عن رسالته الوطنية الاعلامية الجامعة لمصلحة مؤسسات اعلامية فئوية وطائفية ومذهبية وجهوية يشكل وجودها واستمرارها تهديدا فعليا لامنه وسلمه الاهليين. بكلام اوضح باتـت لكل فـئة من اللبنانيين صحفها واذاعاتها ومحطاتها التلفزيونيـة الفـضائـية والارضيـة تـنطق باسمها وتعبر عن تطلعاتها وتوجهاتها وتدافع عن مصالحها ومكتسباتها وامتيازاتها داخل الحكم وخارجه، وتدخل الى ذلك في سجالات وحملات حامية لا تخلو من الحقد والتعصب والتخوين والاسفاف والابتذال مع كل من يخالفها الرأي والتفكير. واللافت في هذا السياق امران مستجدان، احدهما بروز الاعلام الطوائفي وشرعـنته كأمر واقع وسابقة لم يألفها لبنان في تاريخه الحديث نتيجة ظروف موضوعية وذاتية تغير بموجبها كثير من المعادلات التقليدية التي كانت سائدة من قبل. والخطورة في مثل هذا النوع من الاعلام ليس في توجيه اهتمامه الى الشؤون الدينية والوعظ والارشاد والتنوير، وانما في خطابه الطائفي والمذهبي المشحون بالاثارة والتثوير وبث الحقد والتعصب والكراهية بين ابناء البلد الواحد.

اما الامر الآخر فهو غياب الاعلام الرسمي عن الاستحقاقات الخطيرة التي يمر فبها لبنان وتخليه عن دوره الجامع ناطقاً باسم اللبنانيين وداعياً الى المحبة والالفة والتضامن في ما بينهم ومدافعاً عن قضاياهم الوطنية والمصيرية. الا انه خلافا لذلك ما زال يصر على ممارسة دوره كاعلام سلطة على رغم هزالة حضوره وتأثيره. وهو لا يتردد في اقحام نفسه طرفا في النزاعات الداخلية، يحابي هذا الفريق من جهة ويجافي غيره من جهة اخرى، الى ان اصبح بلا هوية ولا صدقية ولا من يصغي اليه. وجل ما يقوم به يكاد يقتصر على اذاعة البيانات الصادرة عن دوائره الرسمية العليا كرد فعل على ما يوجهه المعارضون اليها من انتقادات لاذعة.

في غمرة كل ذلك، وعلى رغم تلك الصورة القاتمة للاعلام العربي عامة، تبقى للبنان فيه مكانة متميزة. اذ ما يزال للكلمة الحرة وقعها ومفعولها في الداخل والخارج، ومساحات الرأي والرأي الاخر تضج بها مختلف وسائله الاعلامية من دون ان يضيره ارتفاع نبرة بعض الاصوات الطائفية والمذهبية والفئوية من هنا وهناك.

* كاتب لبناني .