‬الخميس:12. 01. 2006

هدى الحسيني

الكشف عن اتفاقية استراتيجية ما بين طهران ودمشق‮ ‬
ونجاد‮ ‬يربط القضية الفلسطينية بثورة الخميني‮ ‬وخامنئي‮ ‬يتمسك بالبرنامج النووي


‬الرئيس الايراني‮ ‬الجديد محمود احمدي‮ ‬نجاد،‮ ‬ضالع على ما‮ ‬يبدو في‮ ‬علوم الماورائيات،فهو بعدما رافقته هالة من نور اثناء القاء‮ ‬خطابه في‮ ‬الامم المتحدة في‮ ‬شهر ايلول‮ ( ‬سبتمبر‮ ) ‬الماضي،‮ ‬ابلغ‮ ‬في‮ ‬الخامس من هذا الشهر حشداً‮ ‬من طلاب الدين في‮ ‬مدينة قم،‮ ‬جاءوا من عدة دول اسلامية،‮ ‬ان الاسلام‮ ‬لا‮ ‬يُلزم نفسه ضمن حدود جغرافية،‮ quot; ‬يجب ان نؤمن بأن الاسلام‮ ‬ليس محصوراً‮ ‬ضمن حدود جغرافية‮ ‬،‮ ‬او مجموعات اثنية محددة او،‮ ‬امم‮. ‬إنه ايديولوجية عالمية تقود العالم الى العدالة‮quot;‬،‮ ‬واضاف احمدي‮ ‬نجاد‮: quot; ‬اننا لا نتردد في‮ ‬القول ان الاسلام‮ ‬جاهز لقيادة العالم‮quot;. ‬ثم القى كلمة مطولة حول الفكرة التي‮ ‬يتمسك بها وهي‮ ‬ان‮ ‬عودة الامام المهدي‮ ‬المنتظر‮ ‬صارت قريبة،‮ ‬وان على المسلمين ان‮ ‬يتهيأوا لاستقباله‮. ‬وقال‮:quot; ‬علينا ان نهيء انفسنا لقيادة العالم،‮ ‬والطريقة المثلى لذلك تكون في‮ ‬التركيز على مسألة‮ quot;‬توقعات العودة‮quot;. ‬فالامام المنتظر‮- ‬برأيه‮ - ‬سينقذ العالم الغارق بالفوضى والفسادو ويفرض العدالة،‮ quot; ‬اذا انطلقنا من قاعدة توقعات العودة،‮ ‬فإن كل مسائل الامة ستنتظم،‮ ‬وادارة البلاد ستسهل‮quot;.‬

‮ ‬تجدر الملاحظة‮ ‬،‮ ‬الى ان مهدي‮ ‬كروبي‮ ‬الرئيس السابق لمجلس الشورى الايراني‮ ‬قال بعد تصريحات احمدي‮ ‬نجاد،‮ ‬ان بعض المقربين من الرئيس الايراني‮ ‬قالوا إن عودة‮ ‬الامام المهدي‮ ‬ستحدث في‮ ‬السنتين المقبلتين،‮ ‬وبالتالي‮ ‬يجب البدء في‮ ‬بناء الفنادق في‮ ‬كل ايران‮. ‬
‮ ‬يرى كثير من المراقبين ان تصريحات احمدي‮ ‬نجاد،‮ ‬إن كانت تلك المتعلقة بعودة المهدي‮ ‬او بإزالة اسرائيل‮ ‬،‮ ‬ليست اكثر من خطة للهروب الى الامام‮ ‬،‮ ‬بعدما عجز عن تحقيق الوعود التي‮ ‬اغدقها على الطبقات الايرانية الفقيرة اثناء حملته الانتخابية،‮ ‬وقال احد الايرانيين إن على الرئيس الايراني‮ ‬واصدقائه قبل البدء في‮ ‬التفكير في‮ ‬كيفية حكمهم للعالم،‮ ‬ان‮ ‬يجدوا بعض الحلول الاولية لمشاكل الشعب الايراني،‮ ‬وحسب رئيس الشرطة الايرانية الجنرال اسماعيل احمدي‮ ‬مقدم‮ ‬،‮ ‬يموت كل سنة‮ ‬30الف ايراني‮ ‬في‮ ‬حوادث السيارات،‮ ‬و10الآف في‮ ‬حوادث الدراجات النارية،‮ ‬كما ان عشرة ملايين ايراني‮ ‬مدمنون على المخدرات،‮ ‬وتذكر تقارير الانباء إنه بعد الفقر،‮ ‬والبطالة،‮ ‬يشكل الادمان على المخدرات خطراً‮ ‬اساسياً‮ ‬في‮ ‬ايران‮.‬

‮ ‬إن اكثر المأخوذين بافكار احمدي‮ ‬نجاد هي‮ ‬الاحزاب الاسلامية الفلسطينية،‮ ‬وكان نجاد لدى استقباله وفداً‮ ‬من حركة حماس‮ ( ‬خالد مشعل وموسى ابو مرزوق‮ ) ‬اكد على البعد الاسلامي‮ ‬للقضية الفلسطينية‮ quot; ‬غير المحصورة بمنطقة جغرافية‮ ‬،‮ ‬وبالتالي‮ ‬فإنها واحدة من المسائل التي‮ ‬تحدد مستقبل الاسلام‮ (...)‬،‮ ‬ان القضية الفلسطينية تثبت حتمية ثورة وافكار الامام الخميني‮ . ‬وبعد لقاء بنجاد‮ ‬،‮ ‬استضاف قادة الحرس الثوري‮ ‬وقوات القدس خالد مشعل وبحثوا معه التعاون ما بين‮ quot;‬حماس‮quot; ‬وquot;الجهاد‮quot; ‬في‮ ‬غزة‮ ‬والضفة،‮ ‬وما بين‮ quot;‬حزب الله‮quot; ‬وايران في‮ ‬لبنان‮. ‬
‮ ‬وكانت ايران وقعّت في‮ ‬18‮ ‬تشرين الثاني‮ ( ‬نوفمبر‮ ) ‬اتفاقية استراتيجية مع سوريا‮ - ‬كشفت عنها اسبوعية‮ quot;‬جينز‮quot; ‬الدفاعية‮- ‬تنص على ان تدعم كل منهما الدولة الاخرى في‮ ‬حال تعرضها لعقوبات دولية،‮ ‬وفي‮ ‬حالة تعرض ايران‮ ‬،‮ ‬تتحول سوريا الى مستودع للمواد الايرانية النووية،‮ ‬اما إذا تعرضت سوريا للعقوبات،‮ ‬فإن ايران تظل تمدها بالمساعدات المالية،‮ ‬وكل ذلك مقابل ان تبقي‮ ‬دمشق خط ايصال السلاح والدعم لحزب الله في‮ ‬لبنان مفتوحاً،‮ ‬وحسب مصادر مطلّعة،‮ ‬فإن طهران تتطلع الى جعل الجنوب اللبناني‮ ‬مسرحا تلتقي‮ ‬فيه كل الاحزاب الفلسطينية الاسلامية‮ - ‬حماس والجهاد‮- ‬اضافة الى مقاتلي‮ ‬حزب الله وعناصر مقاتلة من الحرس الثوري‮ ‬الايراني،‮ ‬وذلك من اجل فتح جبهة قتالية مباشرة على الحدود مع اسرائيل‮.‬

‮ ‬هذا من جهة،‮ ‬ومن جهة أخرى عادت ايران الى تحريك برنامجها النووي،والاسبوع الماضي‮ ‬ابلغت الوكالة الدولية للطاقة النووية‮ ‬انها سوف تستأنف ابحاثها في‮ ‬الطاقة النووية بعد سنتين من تعليقها،‮ ‬دون ان تعطي‮ ‬تفسيرات لهذا الإجراء‮ ‬،‮ ‬ويوم الاثنين الماضي‮ ‬اكد المرشد الاعلى للجمهورية آية الله علي‮ ‬خامنئي‮ ‬ان ايران لن تتخلى عن برنامجها النووي‮ ‬وان فرض عقوبات عليها لن‮ ‬يثنيها عن عزمها‮. ‬ومساء اليوم نفسه تحدث الدكتور محمد البرادعي‮ ‬مدير الوكالة مشيراً‮ ‬الى حق ايران في‮ ‬التخصيب النووي،‮ ‬ولكن بسبب فقدان الثقة بالدوافع الايرانية المبيّتة،‮ ‬وكون تصريحات احمدي‮ ‬نجاد الأخيرة لا تساعد‮ ‬،‮ ‬ولأن روسيا وافقت على توفير الوقود للمفاعل الايرني،‮ ‬فإن خطوتها الجديدة لا تطمئن المجتمع الدولي،‮ ‬وبدا البرادعي‮ ‬وكأنه‮ ‬يشعربإحراج من تقصير ايران في‮ ‬توفير المصداقية والشفافية‮ ‬،‮ ‬وقال ان صبر المجتمع الدولي‮ ‬بداء‮ ‬ينفد،‮ ‬وان مصداقية فريق التفتيش على المحك‮. ‬وهو سيقدم تقريره في‮ ‬شهر آذار‮ ( ‬مارس‮) ‬المقبل‮ ‬،‮ ‬اثر تلقيه نتائج الاجتماع المفروض ان‮ ‬ينعقد في‮ ‬18‮ ‬من الجاري‮ ‬بين الدول الاوروبية‮( ‬فرنسا،‮ ‬والمانيا،‮ ‬وبريطانيا‮) ‬وايران‮.‬
‮ ‬وكانت الشكوك بدأت تحوم حول النوايا الايرانية عندما كشفت طهران للوكالة الدولية‮ ‬عام‮ ‬2003،‮ ‬عن انها ومنذ عشرين عاماً‮ ‬تقوم ببناء اجهزة الطرد المركزي‮ ‬لتخصيب اليورانيوم‮.‬
‮ ‬في‮ ‬البرنامج التلفزيوني‮ ‬الذي‮ ‬بثته محطة‮ quot; ‬سكاي‮quot;‬البريطانية،‮ ‬تحدث احد اساتذة جامعة طهران‮- ‬اللافت انه كان‮ ‬يضع ربطة عنق بخلاف ايرانيي‮ ‬الثورة‮- ‬،‮ ‬وقال عكس ما اكده خامنئي،‮ quot; ‬ان الحصار الاميركي‮ ‬المفروض على ايران‮ ‬يؤثر على حياة الناس،‮ ‬واعطى مثلا عن عدد سقوط الطائرات المدنية بسبب النقص في‮ ‬قطع الغيار‮. ‬ونفى ان‮ ‬يكون احمدي‮ ‬نجاد صاحب القرار في‮ ‬المسألة النووية وقال‮: quot; ‬انه منفّذ‮quot;. ‬
‮ ‬لم‮ ‬يفاجىء انتخاب احمدي‮ ‬نجاد العالم فقط،‮ ‬بل فاجأ العديد من الايرانيين،‮ ‬وفي‮ ‬استفتاء اجري‮ ‬العام الماضي‮ ‬مباشرة بعد انتخابه عبّر‮ ‬40٪‮ ‬من المستفتين عن اسفهم لأنهو لم‮ ‬يشاركوا في‮ ‬الاقتراع،‮ ‬والمعروف ان مرشد نجاد الروحي‮ ‬آية الله مصبح‮ ‬يزدي‮ ‬من اكثر المتطرفين الى درجة ان كثيرين من المتشددين‮ ‬يبدون امام تطرفه معتدلين،‮ ‬لكن بغض النظر عن رئاسة نجاد،‮ ‬فإن الخطر الايراني‮ ‬يتزايد في‮ ‬وقت تعبر فيه منطقة الشرق الاوسط مرحلة متفجرة‮. ‬والذي‮ ‬يقلق انه على الرغم من ان الدول الاوروبية نسقّت جهودها الديبلوماسية مع واشنطن،‮ ‬فإن ايران ليست معزولة‮ ‬،‮ ‬لأن روسيا تقف الى جانبها،‮ ‬وقد اكد مراراً‮ ‬وزير الخارجية الروسي‮ ‬سيرغي‮ ‬لافروف على ان الوكالة الدولية للطاقة النووية‮ ‬يجب ان تتعاطى مع الملف النووي‮ ‬الايراني‮ ‬وليس مجلس الامن،‮ ‬وكدعم قوي‮ ‬لطهران وافقت موسكو على‮ ‬ان تبيع ايران نظام دفاع جوي‮ ‬معروف ب‮quot; ‬تور-ام واحد‮quot;‬،‮ ‬يقال انه الاكثر تقدما في‮ ‬هذا المجال،‮ ‬ويستعمل‮ ‬على رافعات متحركة لإستكشاف وتدمير عدة‮ ‬اهداف،‮ ‬من بينها الصواريخ،‮ ‬والطائرات والهليكوبتر‮. ‬وقعّت موسكو الصفقة مع طهران في‮ ‬اوائل الشهر الماضي‮ ‬يقيمة مليار دولار،‮ ‬وحسب المصادر الروسية فإنها الأكبر ما بين طهران وموسكو في‮ ‬السنوات الخمس الماضية،‮ ‬وتنص على ان‮ ‬يبداء تسليم هذا النظام خلال العام الحالي‮.‬
‮ ‬ومن الواضح ايضاً‮ ‬ان الصين حتى هذه اللحظة تدعم ايران،‮ ‬وابلغ‮ ‬وزير خارجية الصين‮ ‬لي‮ ‬جاوزنغ‮ ‬ممثلي‮ ‬الدول الاوروبية الثلاث‮ ‬،‮ ‬ان عرض الملف النووي‮ ‬الايراني‮ ‬على مجلس الامن‮ quot; ‬سيدفع ايران الى اتخاذ خطوات متطرفة‮quot; ‬،‮ ‬ويوم الاثنين الماضي‮ ‬قال نائبه‮ ‬للشؤون الخارجية إن بلاده تعارض ايصال الملف الايراني‮ ‬الى مجلس الامن‮.‬
ونظراً‮ ‬للعطش الصيني‮ ‬المتزايد الى النفط‮ ‬،‮ ‬فمن المستبعد ان تتخلى بكين عن طهران من اجل الولايات المتحدة او اوروبا،‮ ‬إلا اذا توفرت لها عروض نفطية مغرية اخرى‮!‬
‮ ‬العالم‮ ‬ينتظر تقرير البرادعي‮ ‬الى مجلس الامن،‮ ‬انما بسبب استعمال حق النقض الذي‮ ‬قد تلجأ اليه روسيا والصين،‮ ‬فإن اي‮ ‬محاولة اوروبية او اميركية لفرض عقوبات دولية على ايران آيلة الى الفشل،‮ ‬وهذا ما تدركه اوروبا وواشنطن،‮ ‬واذا كانت الدول الاوروبية المفاوضة الثلاث رفضت التهديد بالخيار العسكري‮ ‬اذا ما وصلت المحاولات الديبلوماسية الى طريق مسدود،‮ ‬إلا ان الولايات المتحدة واسرائيل لم تفعلا ذلك‮.‬
‮ ‬ان تورط اميركا في‮ ‬العراق‮ ‬يجعل‮ ‬من اي‮ ‬تدخل عسكري‮ ‬في‮ ‬ايران امراً‮ ‬غير محتمل،‮ ‬لكن الانسحاب العسكري‮ ‬الجزئي‮ ‬من العراق الذي‮ ‬تستعد له واشنطن،‮ ‬سيمنح المخططين العسكريين في‮ ‬البنتاغون ثقة اكبر بنجاح ضربة ضد ايران،‮ ‬وهذا‮ ‬يعني‮ ‬ان هناك سباقا ما بين هؤلاء والبعض في‮ ‬القيادة الايرانية الذين‮ ‬يسعون الى تفجير ما في‮ ‬منطقة الشرق الاوسط‮ ‬يربكون عبره اي‮ ‬مخطط اميركي،‮ ‬إن كان مقاطعة‮ ‬دولية او ضربة عسكرية‮. ‬ومن المؤكد ان الساحة الأخصب‮ ‬لأي‮ ‬محاولة تفجير ايرانية هي‮ ‬الاضعف،‮ ‬وهنا‮ ‬يبرز إما لبنان او البحرين وما‮ ‬يجرّه كل منهما،‮ ‬وفي‮ ‬كل الحالات لن تكسب روسيا او الصين‮ ‬،‮ ‬لذلك فإن افضل الخيارات‮ ‬يكون في‮ ‬إقناعهما بالضغط على ايران كي‮ ‬تجنح الى الاعتدال و_إلا صار من حقهما اللجوء الى‮ ‬التصويت الدولي‮ ‬من اجل انقاذ منطقة مشتعلة والحؤول دون‮ ‬ان تتحول الى رماد‮!