مصطفى عمر التير
ننطلق في هذه المحاولة من عدد من المسلمات الرئيسية: فمثلاً، لأبناء كل مجتمع ثقافة، ولهم هوية ثقافية، ولكليهما خصائص يمكن التعرف عليها. الخصائص الثقافية غير جامدة فهي تتبدل وتتجدد وتنمو. ثم يوجد ما يعرف بالنظام العالمي، ويفضل البعض إضافة صفة الجديد له. كما هنالك ظاهرة العولمة وهي إحدى الظواهر التي ترتبط بالنظام العلمي، والعولمة مفهوم له مكونات كثيرة ترتبط بمختلف جوانب الحياة الاجتماعية من اقتصاد وسياسة وثقافة إلخ... وأخيراً، تفرض العولمة نفسها على جميع البلدان، ولا يستطيع الافارقة ولا العرب تفادي تأثيراتها.
تبرز استناداً الى هذه المسلمات تساولات كثيرة من بينها: هل للعولمة نتائج سلبية بالنسبة للأنساق الثقافية الافريقية والعربية؟ وإن وجدت، هل تشكل تهديداً على الهويات الثقافية العربية والافريقية؟ وإذا كانت الإجابة بنعم فما العمل؟ وكيف يمكن التعامل مع مثل هذه النتائج، وما هي وسائل المواجهة؟
لعل الثقافة من بين أكثر مفاهيم العلوم الاجتماعية انتشاراً، وتوظيفاً، ومع ذلك لا يوجد إجماع بين مستخدميها بشأن المعنى أو المضمون. ودون الدخول في جدل معروف لدى الكثيرين ومتوفر للإطلاع لمن لم يسبق له الاهتمام، نذكر بأن الثقافة التي نعنيها هنا تشمل أربعة عناصر رئيسية: المعارف والمعلومات، والمعتقدات، والقيم والمعايير، واللغة وما يتصل بها من رموز ودلالات.
وبالطبع يحتوى كل واحد من العناصر الأربعة على عدد كبير من السمات الثقافية، التي تعمل متكاتفة لتحديد سمات خصائص الشخصية القومية وهي السمات المشتركة بين أبناء جماعة ثقافية واحدة. وهي سمات يفاخر بها المتحلون بها، ويعلنون عنها، ويقدمونها للآخرين كشيء يميزهم عن غيرهم، وبها يعبرون عن هويتهم. فالهوية إدراك ووعي للذات، وبيان وتأكيد للأنا، والافتخار بها في مقابل الآخر.
لكن السمات الثقافية ليست شيئاً جامداً بل هي مكونات بعضها مركزي أو رئيسي وله درجة ثبات عالية بينما بعضها الآخر متحرك ومتنقل. لعل العناصر المعرفية هي أكثر السمات الثقافية قدرة على الانتقال عبر الثقافات المختلفة. ومع وجود خلافات كبيرة بين المجتمعات والثقافات في مجال انتاج واستخدام المعرفة، يسود شعور بين الجميع بأهمية الاستعانة بمكونات المعرفة العلمية وبتطبيقاتها التقانية بغض النظر عن الموطن الذي ظهرت فيه أول مرة. الشيء نفسه يمكن أن يقال عن انتقال العناصر الرمزية وخصوصاً المتعلقة باللغات واسعة الانتشار، التي يطلق عليها أحياناً صفة اللغات الحية. لكن انتقال السمات الثقافية المتصلة بنسق المعتقدات، أو بنسق القيم والمعايير، أمر تقابله الثقافات المحلية بدرجة عالية من الرفض. لا يعني هذا أن مثل هذه السمات الثقافية لا تنتقل عبر الثقافات، إنما يعني أنها تنتقل ببطء شديد، وتقابل بمختلف أنواع العراقيل. وكلما كبر حجم السمات التي تشترك فيها ثقافتان، ارتفعت درجة تشابههما، وزادت درجة العلاقة بينهما قوة.
قد تكون العولمة بمعنى انفتاح أجزاء العالم على بعضها في التجارة وفي الثقافة ظاهرة قديمة. إلا أن بعض الأحداث الدولية خلال الستينات والسبعينات ثم الثمانينات من القرن العشرين أعطت العولمة بعداً جديداً. كما أن اهتمام الكتاب والباحثين ووسائل الإعلام بالحديث عنها صباح مساء جعل الناس ينتبهون اليها بصورة هي الأخرى جديدة. ولأن الثقافة الغربية هي التي سيطرت خلال العقود الأخيرة فإن عدداً كبير من الذين يكتبون حول العولمة يؤكد على أن أغلب خصائص العولمة رسمت في ضوء خصائص هذه الثقافة، وأن أصحاب الثقافة المسيطرة فرضوا تصوراتهم التي تعكس قيمهم وتخدم مصالحهم. ولذلك ظهرت على السطح دعوة تقول لكي تكون العولمة عولمة بالمعنى المثالي يجب أن تعني جميع شعوب الأرض وبالتساوي وخصوصاً من حيث الخسائر والأرباح. ولكن هذا الشرط أو المطلب لم يتحقق بعد، وعليه يمكن القول إن عولمة الوقت الحاضر لا تعدو إلا أن تكون تكريساً للسيادة الغربية. وإذا بقيت خصائصها تحدد من قبل هذه الجماعة فيتوقع أن تنحصر أغلب فوائدها في داخل المجتمع الغربي، وتذهب سلبياتها الى بقية شعوب الأرض، وفي مقدمتهم العرب والأفارقة أصحاب الحضارات العريقة والثقافات الغنية. لذلك تقع على عاتق مثقفي هذه الشعوب مهمة رصد جميع السلبيات وبيان مضارها، واقتراح الوسائل العملية للتعامل مع هذه السلبيات.
ونظراً لاهتمام هذه المادة بالهوية الثقافية، فستتوجه العناية نحو تسليط بعض الضوء على طبيعة التهديدات التي تشكلها العولمة على الهويات الثقافية للأفارقة وللعرب، وكيف يمكن المحافظة على الهوية الثقافية المحلية في ظل العولمة.
يمكن القول إن الثقافات العربية والافريقية القديمة شكلت ـ على مدى عصور طويلة ـ هويات شعوب المنطقة وملامح الشخصيات الوطنية. وبمعنى آخر حددت أهم الصفات، التي تميز أبناء مجتمع أو عدد من المجتمعات. بالطبع بعض هذه الصفات عام، يشترك فيه أبناء مجتمعات كثيرة، ولكن بعضه يخص فقط المنتمين لثقافة بعينها. وهذا الجانب الخاص هو المهم لأنه يميز بين الشعوب ويوضح درجة أصالة ثقافاتها، مع ملاحظة أن الشعوب التي تشترك في فضاء واحد تشترك أيضاً في نسبة عالية من السمات الثقافية.
يقول كثيرون إن العولمة حقيقة على أرض الواقع، ومن غير الممكن أن يتخذ مواطنو أي بلد قراراً بمقاطعتها. كما أن الأسوار التي كانت تحتمي وراءها الدولة، ويمكن تدعيمها كلما داهمتها عوادي الزمن، أو تعليتها من حين الى آخر، قد انهارت وأصبحت أنقاضاً. كما تراجع دور الدولة القوية الغازية، والمستعمرة والفارضة بقوة السلاح منتوجاتها الصناعية والفكرية. وحل محل هذا النوع من الدول الشركات الكبرى، وهيئات ومؤسسات ذات صفات دولية. ويذكر الجميع شروط البنك الدولي التي يمليها على حكومات البلدان التي تطلب دعماً أو قرضاً أو ترجو المساعدة في جدولة الديون. وهي شروط تبدأ بما يسمى بالإصلاحات الاقتصادية وتنتهي بالتدخل في نظام الحكم بفرض التعددية، وإقامة الانتخابات تحت إشراف لجنة من الخارج. وقد لا يكون أمام مجتمعات الوقت الحاضر خيارات يمكن المفاضلة بينها، فآثار العولمة لا يمكن تفاديها بأي حال من الأحوال. ويتلخص القرار العقلاني الذي يمكن أن يتخذ في الانضمام للمسيرة ولكن بهدوء، وبتأنٍ، وباعتزاز، وبذهن منفتح يوازن بين الفوائد بحيث يعظمها والخسائر والأضرار بحيث يخفضها.
عرفت الأقطار المعنية هنا حالات للاغتراب والاستلاب الثقافي بين المواطنين قبل ظهور العولمة بمفهومها الجديد على المسرح السياسي الدولي. ومعروف أن نسبة من هؤلاء ينتهون بشخصيات مضطربة وحتى الى فقدانهم للهوية الوطنية. عمل الاستعمار الذي تعرضت له جميع الأقطار المعنية هنا ليل نهار لإحداث تغييرات جوهرية في الأنساق الثقافية العربية والافريقية، وتغيير الهويات. استخدم المستعمر وسائل متعددة من مثل استبدال أسماء الأماكن الجغرافية من أقاليم ومدن وبحيرات وأنهار وشلالات واستبدالها بأسماء أوروبية، والشيء نفسه تم بالنسبة لأسماء الأفراد. ثم فرضت اللغات الأوروبية كلغات للتعليم وللتعامل اليومي مع المؤسسات الرسمية. وقدمت الحداثة والتحديث كطريقة وحيدة للدخول الى العصر الحديث، وقدم نمط المعيشة الأوروبي كمثال يحتذي به من أراد الأخذ بأسباب الحداثة والتحديث. ونمت طبقة من أبناء كل قطر من الأقطار المعنية هنا يتميز أفرادها بتقليد الغرب في نمط حياته بما فيها من مظاهر تتصل بعدد كبير من المجالات. كان حجم هذه الطبقات صغيراً في البداية وأثناء حقبة الاستعمار، ثم أخذت تنمو وتكبر بعد حصول القطر على استقلاله عندما أصبحت تضم كبار موظفي الدولة ومن يحيط بهم من رجال المال والنفوذ. تفنن بعض أعضاء هذه الطبقة في التشبه بالسيد المستعمر السابق في كل شيء، ابتداء من اللباس والمقتنيات المادية وانتهاء باللغة وبقية المكونات الثقافية. ولأن أعضاء هذه الطبقة من المواطنين، تكاثر عدد المتشبهين بهم، والمقلدين، والطامحين في الوصول الى مستواهم. لكن لا بد من التذكير بأن الأقطار التي كانت مستعمرة وتعرضت لبرامج طمس الهوية المحلية استعادت بعد حصولها على الاستقلال على بعض المعالم القديمة بما في ذلك اسم البلد، واسم المدينة. لكن معالم أخرى لم تسترد بعد.
لعل أحد أهم صفات المجتمعات المعاصرة بأنها مجتمعات الاستهلاك الواسع. فالاستهلاك صفة لازمت الإنسان منذ القدم، لكن الاستهلاك الكثير والمتنوع والواسع والمستمر هي صفة حديثة. وهي صفة جذرتها المجتمعات الغربية محلياً ثم سعت الى تصديرها الى الخارج. أهم هذه البلاد هي التي استعمرت البلاد العربية والافريقية. وكما ذكرنا في مكان سابق نجح المستعمر في غرس جزء من ثقافته في ثقافات البلاد التي استعمرها. لذلك حتى بعد أن انحسر الاستعمار، بقيت آثاره مطبوعة في النسقين الثقافي والاجتماعي. وقد سهل هذا الوضع عملية استمرار التأثير الغربي والترويج لما يصدره الغرب، خصوصاً أن كل قطر عربي أو افريقي ظل مرتبطاً تجارياً مع البلد الأوروبي الذي كان يستعممره. ومع أن الإمكانيات المالية لبعض الأقطار المعنية هنا هائلة فإن أغلبها صُرف على مختلف السلع الاستهلاكية الغربية. وقد لعبت وسائل الإعلام بمختلف أنواعها دوراً رئيسياً في توحيد ورفع مستوى الطموح الاستهلاكي عند الجميع. كما روجت هذه الوسائل لانتشار الاستهلاك الترفي والاستهلاك التافه. وقد ينظر لهذين النوعين على أنهما من مظاهر التأثيرات السلبية للعولمة.
ومن جهة أخرى، أدت عولمة الاتصالات الى ظهور مصاعب جديدة أمام الكثير من شعوب العالم. إذ تسيطر حفنة من البلدان الغربية على صناعة البرامج الخاصة بمختلف مجالات الإعلام. وهي برامج تصدر الى مختلف أنحاء الأرض وتصل الى كل مكان. وهي برامج ليست متحررة من تأثير الثقافات التي انتجتها. وبعبارة أخرى تتضمن هذه البرامج قيماً ومعايير قد تكون غريبة أو حتى مخالفة لأنساق القيم في بقية مجتمعات العالم. فحتى بالنسبة للقضايا والمبادئ الإنسانية التي لا يختلف البشر عن تبنيها يصر الغرب على أن يأخذ الجميع التعريف الغربي لهذه القضايا أو المبادئ. ونعني هنا بصفة خاصة قضايا الحريات الشخصية، والديموقراطية وحقوق الإنسان، وتنظيم الولادات، وحتى حماية البيئة. يريد الغرب أن يلتزم الآخر بجميع هذه القضايا كما يعرفها الغرب، وكما يتصورها، ويفرض على الآخرين مواد وأدبيات ومعايير تتعارض في بعض الأحيان مع مكونات الأنساق الثقافية المحلية، كما يحدث من تضخيم وتبرير لقضايا الجنس والشذوذ والمخدرات. فباسم حقوق الإنسان والحريات ا لشخصية تروج الآن بعض المؤسسات الغربية لكم هائل من الأفكار الهدامة والممارسات الشاذة. وقد يقول قائل لا تفتحوا أجهزة الإذاعة المرئية على برامجهم، ولا تسمحوا لمنشوراتهم بعبور الحدود، ولا تدخلوا لشبكاتهم الإلكترونية. نظرياً قد يبدو هذا ممكناً ولكن من الناحية العملية فمثل هذا الخيار غير ممكن. فغلق النوافذ والأبواب أصبح مهمة في غاية الصعوبة. وأصعب منها انتاج برامج محلية منافسة، تلفت النظر، وتستحوذ على الاهتمام.
لا بد من التأكيد على أنه في حال شكلت العولمة بالمعنى الثقافي، تهديداً لثقافات أخرى فإن الأرجح أن تنتسب هذه الأخيرة للشعوب الأقل إمكانية في مجالات المال والثروات والصناعة والخدمات وما شابه ذلك. لأن الشعوب التي يطلق عليها في أحيان كثيرة الفقيرة، تحتاج الى شعوب الوفرة أو التخمة بمعدلات أكبر بكثير من احتياج شعوب الوفرة لها. وعليه تواجه الشعوب المحتاجة االى المساعدات ضغوطات كثيرة للتخلص من جزء هام من تراثها الثقافي. وكما يلاحظ، فإن عدداً كبيراً من الأقطار المعنية هنا يستخدم مواطنوها اللغات الغربية كلغات رسمية. بالطبع خسر هؤلاء جزءاً من تراثهم الثقافي عندما لجأوا لاستخدام اللغة الأوروبية، وهجروا اللغة المحلية بالكامل. لا يعني هذا الدعوة الى عدم تعلم لغات أجنبية. فتعلم لغات العصر أمر في غاية الأهمية، لكنه يصبح ضرباً من التغريب إذا تم على حساب هجر اللغة الأصلية. لذلك تحتاج بعض الأقطار المعنية لبذل مجهودات كبيرة للمحافظة على ما تبقى من تراثها الثقافي. ويتطلب مثل هذا المجهود توظيفاً واسعاً لأحدث التقنيات، ومن بينها ما يتعلق بوسائل الاتصال.
قد يكون من الصعب على الأقطار المعنية هنا مواجهة الأخطار الثقافية للعولمة منفردة، لأن هذه المواجهة مكلفة مالياً، وباستثناء عدد قليل من هذه الأقطار فإن الغالبية العظمى غير قادرة على تحمل هذه الأعباء. وكما تؤكد البيانات الدولية فإن معظم أفقر العشرين قطراً في العالم موجودة في القارة الافريقية.
ليس الفقر بالمفهوم الاقتصادي هو النوع الوحيد من أوجه الفقر الذي تعاني منه القارة. إذ تفتقر الأقطار المعنية منفردة للكفاءات العملية القادرة على أن تكون نداً لنظيراتها في بقية أقطار العالم. حيث يعاني التعليم العالي في معظم هذه الأقطار من تدهور حاد في مستوياته. كما تعاني أغلب أقطار القارة من فقر مدقع في مجال مراكز البحث العلمي، وفي المخصصات التي ترصد لهذا النشاط. وحرب العولمة تعتمد الى حد كبير على تسخير نشاط العلماء، وعلى أنشطة مراكز البحث العلمي. والتعاون بين الجماعات المعنية هنا أمر ضروري للتصدي للآثار السلبية للعولمة.
بالإمكان ـ نظرياً على الأقل ـ تطوير أشكال وأساليب متعددة للتعامل مع العولمة للاستفادة من جوانبها الموجبة، ولمراقبة ورصد تطور النتائج التي قد تشكل تهديداً على الهوية المحلية لتفادي أكبر عدد منها. وإذا اختارت جماعة تنتمي الى الجماعات الأقل حظاً أن تكون متميزة في تعاملها مع العولمة فلا بد من تبنى سياسة واقعية ورسم استراتيجية متكاملة.
مكونات مثل هذه الاستراتيجية كثيرة، وسنشير في عجالة الى أحدها ونعني به التعليم. لقد أصبح التعليم بعد انتشاره أهم وسيلة لبناء الهوية المحلية. لكن لكي يقوم التعليم في افريقيا والعالم العربي بوظيفة المحافظة على الهويات المحلية، يتطلب الأمر وضع فلسفة واضحة المعالم ومحددة الأهداف. فلسفة تعكس خصائص الثقافة المحلية وطموحات أهلها. فلسفة تؤكد على قيمة العمل الجاد والاجتهاد وحب التنافس والوصول الى الأهداف بالطرق الشرعية. فلسفة توظف منتجات العلم لوضع البرامج التعليمية، وتتعامل مع الواقع وتبتعد عن التحليق فوق السحاب، وبناء قصور شاهقة فوق الرمال. وفي منطقة تحتضن أضخم صحارى العالم المكسوة بالرمال، يتكاثر مثل هؤلاء البناءين، وتنتشر مثل هذه القصور. ولكي لا يبني العرب والأفارقة قصوراً من هذا النوع، تختفي من الوجود بعد أن تتعرض لأبسط نسمة ريح، يجب أن تتوجه فلسفة التعليم الى التفكير في الممكن الذي يطبق فوق الأرض، وأن ترتبط المقترحات بخطط العمل. مع الأخذ بالاعتبار ما يجري في العالم من تحولات في المعارف وفي العلاقات وفي توازنات القوة، والى التطور المستمر في تقنيات نقل المعرفة الى مختلف الاتجاهات، والى الاعتراف بأن الإنجاز في التعليم في أي مكان سيتم تقييمه عالمياً. لأن التنافس مع الآخر بهدف التفوق أصبح سمة العصر بعد أن قصر التقدم الهائل في وسائل الاتصالات المسافات حتى كاد يلغيها. وتقع على عاتق المسؤولين عن التعليم في كل مكان مراعاة هذه الحقيقة، لإعداد جيل يمكنه التنافس مع الآخر في سوق العمل ومجال المعرفة المعولمتان، مع الاعتراف بالخصوص الثقافية. جيل يؤمن بالولاء لوطنه مستعد لخدمته، ويعتز ويفاخر بهويته القومية بما فيها من تاريخ وحضارة ولغة.
لا يزيد ما اقترح آنفاً من ملامح عامة لما يمكن النظر اليه كبرنامج عمل يخضع للتغيير والتطوير. وهو عبارة عن خطوة واحدة على طريق طويل، لتحصين المجتمعات العربية والافريقية، وليكون أبناء هذه المنطقة على اختلافاتهم الإثنية ضمن المشاركين النشطين في اللعبة، بدل الجلوس على مقاعد المتفرجين التابعين. وأن يعملوا بجد لوضع بصمتهم، الى جانب بصمات الآخرين، على وجه العولمة، وأن يكون لهم نصيب من الفوائد يليق بمكانة المنطقة الجغرافية التي شهدت مختلف البدايات، يضمن لهم شغل مكانة مرموقة بين الأمم، بدلاً من البقاء مثل كم مهمل، يقبع منزوياً بعيداً على هامش التاريخ.
التعليقات