عيون وآذان
جهاد الخازن
آخر همومي أو اهتماماتي في مطلع العام الميلادي هذا كان الغاز، ومع ذلك فالسنة بدأت بقطع روسيا الغاز عن أوكرانيا عبر خط أنابيب باتجاه أوروبا، وقامت أزمة لم تنته مضاعفاتها بعد، على رغم ان روسيا عادت فاستأنفت تصدير الغاز.
الأوروبيون الذين كانوا يتعرضون لموجة برد قارس أدركوا ان روسيا تستطيع ابتزازهم اذا شاءت، فهي الآن تملك 25 في المئة من احتياطي الغاز المعروف في العالم، وهي نسبة قد تصل الى 30 في المئة مع عمليات التنقيب الجارية في وقت أصبح الغاز رديفاً للنفط، والحاجة العالمية اليه ستزيد في السنوات المقبلة.
الحصيفة الرصيفة laquo;واشنطن بوستraquo; نشرت مقالاً افتتاحياً عن الموضوع تحت العنوان laquo;الكرملين على الطريقة السعوديةraquo; في اشارة الى الحظر النفطي العربي المشهور سنة 1973 وبعدها.
ما كنتُ لأهتم بالموضوع كله، فعندي من هموم الأمة ما يكفي، لولا ان الاخبار والتعليقات ذكرتني بإيران والرئيس محمود أحمدي نجاد، وهو ما فات الأوروبيين والأميركيين الذين لم يجدوا في الدرس الروسي مؤشراً الى درس ايراني مقبل.
أعتقد بأن الرئيس الايراني يطمح الى بناء امبراطورية إسلامية جديدة، لا تقودها ايران بالضرورة طالما ان الشيعة أقلية بين المسلمين، وإنما تجمع الدول الاسلامية من وسط آسيا والشرق الأوسط وشمال افريقيا في تكتل يسيطر على 60 في المئة من امدادات النفط العالمية، ويستطيع ان يفرض نفسه على العالم.
والحملات على اسرائيل جزء من هذه الخطة، وكذلك البرنامج النووي الايراني.
الرئيس أحمدي نجاد يدرك ان لا شيء يجمع العرب والمسلمين أكثر من القضية الفلسطينية، وحملته المتصاعدة على اسرائيل وجرائمها ضد الفلسطينيين جزء من محاولته كسب الشارع العربي على رغم 14 قرناً من الخلافات المذهبية بين السنّة والشيعة.
ويخطئ أي كاتب في صومعة، أو في مراكز البحث الغربية، اذا اعتقد ان خطاب محمود أحمدي نجاد غير مؤثر، ففي الأسابيع الأخيرة كانت لي جلسات مع إسلاميين اعتبرهم على يمين الاخوان، وهم رحبوا بتصريحات الرئيس الايراني وقالوا انها أحيت ما استلهموا من مواقف آية الله الخميني، وهم بالتالي مستعدون لتعاون مع ايران، فهناك قضايا لا خلاف عليها مثل دعم الفلسطينيين ومقاومة اسرائيل، ومعارضة استمرار الاحتلال الأميركي في العراق.
البرنامج النووي الايراني هو جزء آخر من الخطة، فإيران تسعى الى امتلاك سلاح نووي في النهاية، وشخصياً لا اصدق أي كلام آخر يصدر عن بلد يعوم على بحيرة نفط وغاز ولا يحتاج الى مصادر بديلة للطاقة، وأريد ان أكون في منتهى الوضوح فأقول:
- أؤيد ايران في امتلاك سلاح نووي طالما ان لدى اسرائيل ترسانة نووية، والأفضل هو شرق أوسط خالٍ من أسلحة الدمار الشامل.
- أنا عربي والخليج عندي قبل ايران، مع ذلك أعارض موقف الدول الخليجية من البرنامج النووي الايراني، فالقنبلة الايرانية لا تهدد الخليج، بل انها لا تهدد اسرائيل. هذا مستحيل، واستعمال السلاح النووي يعني ان تمسح ايران عن الخريطة، لا اسرائيل، لذلك فالقنبلة هي مجرد بوليصة تأمين في منطقة نووية، وامتلاكها يمكن ايران من متابعة حلم الامبراطورية من دون الخوف من هجوم عليها.
أحاول ان أكتب بدقة عن موضوع دقيق حساسيته بالغة، وهكذا فأنا عندما أتحدث عن الحلم الايراني أكتب تفاصيل رشحت الي، غير انني لا أقول ان الرئيس أحمدي نجاد او غيره سينجح في اقامة امبراطورية اسلامية جديدة.
الرئيس أحمدي نجاد قد يقرّب النقلة من الحلم الى الممكن اذا استطاع ان يبدد مخاوف خليجية مشروعة من السياسة الخارجية الايرانية، وأنا أنصحه ان يفاوض الامارات العربية المتحدة على الجزر الثلاث، وان يطمئن البحرين الى وقف التحريض والتغلغل الأمني، وان يبني علاقات سياسية واضحة مع المملكة العربية السعودية تتجاوز التعاون الأمني القائم.
اذا استطاع الرئيس أحمدي نجاد ان يطمئن الجيران الى حسن نيات حكومته وبلده، فهو يستطيع ان يسير بحلمه خطوة اخرى.
في غضون ذلك نجد ان الهلال الشيعي الذي حكى عنه الملك عبدالله، عاهل الأردن، اصبح سهماً شيعياً، فالطريق مستقيم وغير ملتوٍ، من ايران عبر العراق وسورية ولبنان (حزب الله) الى اسرائيل. والادارة الأميركية بعبقريتها السياسية المعروفة هي التي دمرت ألدّ اعداء طهران، فأطاحت طالبان وصدام حسين، وقدمت العراق بغالبيته الشيعية هدية الى ايران، وهكذا وجد الرئيس أحمدي نجاد انه ورث وضعاً في المنطقة ايران فيه اقوى من الولايات المتحدة مع وجود 150 ألف رهينة أميركي في العراق، اذا تعرضت ايران لضربة فسيستطيع حلفاؤها ان يوجهوا الى القوات الأميركية ضربات تجعل المقاومة والارهاب الحاليين من نوع النزهة التي اعتقد الأميركيون انهم في سبيلها عندما دخلوا العراق في آذار (مارس) 2003، وأعلن الرئيس بوش في أول أيار (مايو) التالي laquo;انجاز المهمةraquo;.
في غضون ذلك، الكلام عن استئناف ايران تشبيع اليورانيوم، او استمرار الوقف، أو تشبيعه في روسيا، والوساطة الأوروبية، أو وساطة روسية بديلة، وتحويل ايران الى مجلس الأمن وفرض عقوبات... كل هذا مجرد كلام، او رياضة سياسية او فكرية، لأن ايران ماضية في مشروعها، ولا سبيل لتجنب مواجهة عسكرية، أميركية أو اسرائيلية معها، فأخطار المواجهة تظل أقل من أخطار المشروع الايراني.
التعليقات