سمير عطا الله

أعدت في الآونة الأخيرة قراءة عدد من كبار الروائيين العرب، وعدد من الأبحاث النقدية الجدية، بحثاً عن شيء واحد: الرجل، أو المصنع، أو المجموعة، أو الظاهرة، التي أدت إلى نشوء مدارس القتل وثقافة التفظيع، والانحدار الخلقي المريع، في ممارسة القتل الجماعي، وتبريره، والسكوت عنه. اعدت قراءة بعض من نجيب محفوظ ويوسف السباعي وصنع الله ابراهيم والأردني غالب هلسا. ولم اختر غالب هلسا، لكن الذي وضعه في هذا الاطار هو الدكتور سماح ادريس في كتابه laquo;المثقف العربي والسلطةraquo;، باعتبار ان هلسا ادخل السجون الناصرية وشرد واضطهد في بعض العواصم العربية، وبالتالي فإن laquo;ابطالهraquo; خاضوا تجارب مماثلة، او واحدة، ما دامت سجون العالم تتشابه وجلادوها يتشابهون. وأقصد طبعاً بالعالم، هنا، عالمنا، حيث السجين السياسي او العادي، يشتهي الموت والاعدام بمجرد ان يوقف في المخفر.

عثرت على سبب واحد، برغم تعدد المسببات، ادى الى قيام هذه الثقافة الوحشية، وهو، بكل تأكيد، السجن العربي: يدخل اليه الرجل مخالفاً للقانون ويخرج منه مناقضاً للانسان. يساق اليه معوّج السلوك، ويخرج مشبعاً بالرغبة في القتل والجريمة والغاء الجميع. يدخل اليه وهو على شيء من الكرامة الانسانية، فيفقدها في اللحظة الاولى، ويحوّله حراسه ورفاقه وأهل القاووش إلى مخلوق بلا كرامة وبلا مشاعر، وبلا هدف وبلا أحساسيس.

يدخل إلى ظلام السجون يسارياً أو ليبرالياً أو مفكراً أو منشقاً، ولا تلبث حياة السجن أن تدفعه إلى مدرسة القسوة والتطرف وردم كل روح انسانية فيه. وإذا تأملنا حولنا جيداً نرى أن ثقافة الفظاظة قد بدأت في السجن العربي. المفتوح والمغلق. وإذ بحث الخارجون منه أو الداخلون إليه عن laquo;حلraquo; وجدوا هذا الحل خارج الدولة، وفي العداء للنظام، وفي استباحة القانون، الذي استباح كرامتهم، ومنع عن رجل مثل مصطفى أمين الورق والأقلام.. فكان laquo;يهربهاraquo; إليه سعيد فريحةّ!

السجن العربي إهانة كبرى، ليس للمحكومين، بل للأحرار. إهانة للانسان العربي المتمتع بكل اسباب الحرية والكرامة الانسانية. وربما تأخرنا كثيراً في الانتباه إلى ما فعله السجن والسجان بالأمة، وكم ساهم في انهيارها. ولكن هذا لا يعفي الأنظمة من أن تبدأ من جديد. في مكان ما. من نقطة ما. وإلا فإن البطالة المفزعة والسجن المخزي، لن يكفّا عن صناعة القتل ودعاة التخلف.