عبد الباري عطوان


عندما تحيل الولايات المتحدة قضية ما الي مجلس الامن الدولي، فان علينا ان نتوقع عقوبات اقتصادية كمقدمة لعمليات عسكرية، هكذا حدث مع العراق، وهذا ما سيحدث مع ايران.

وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا والمانيا (الترويكا الاوروبية) دعوا في اجتماع طاريء عقدوه امس الي احالة الملف الايراني النووي الي مجلس الامن لان المفاوضات التي اجروها مع ايران وصلت الي طريق مسدود. ومن المؤكد ان هذه الدعوة ستثلج صدر واشنطن وتل ابيب، وتقع مثل الموسيقي العذبة علي اذان المسؤولين فيهما.
هذه التطورات المتسارعة تصاعدت بعد اعلان ايران ازالة الاختام علي ثلاث منشآت نووية، واستئناف تخصيب اليورانيوم علي نطاق ضيق وتحت اشراف وكالة الطاقة النووية.
ايران لم تنتهك اي قانون دولي، ولم ترتكب اي خطأ تعاقب عليه، فمعاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية التي وقعت عليها، تعطيها الحق الكامل في تخصيب اليورانيوم، وامتلاك التكنولوجيا اللازمة في هذا الخصوص طالما ان هذا التخصيب من اجل توليد الطاقة وللاستخدامات السلمية.
الولايات المتحدة تدرك هذه الحقيقة، ولكن مخاوفها قائمة علي الشك في النوايا الايرانية، وليس علي اساس الحقائق القانونية، ويقول المتحدثون باسمها ان ايران تعوم علي بحيرتين من النفط والغاز، وليست بحاجة الي توليد الطاقة من المفاعلات النووية، واذا كانت نواياهم سليمة فعلا فلماذا لا يقبلون الاقتراح الروسي بتخصيب اليورانيوم في موسكو.
الشكوك الامريكية في محلها. ولكن حتي لو كانت صحيحة، وهي صحيحة فعلا، فما الذي يمنع ايران من امتلاك اسلحة نووية؟ فامريكا والصين وبريطانيا وروسيا وباكستان والهند وكوريا واسرائيل تملك هذه الاسلحة، اي انها ليست الدولة الاولي في هذا الخصوص.
وربما لا نبالغ اذا قلنا ان ايران احق من هذه الدول جميعا في امتلاك اسلحة نووية. فبعد قصف الولايات المتحدة لافغانستان علي حدودها الشرقية واحتلال العراق علي حدودها الغربية، فان سعيها لتعزيز قدراتها الدفاعية وامتلاك اسلحة دمار شامل كوسيلة ردع يبدو مشروعا ومنطقيا.
الولايات المتحدة تستعد لمواجهة عسكرية مع ايران، لسببين رئيسيين، الاول اصرارها علي بقاء اسرائيل قوة نووية وحيدة في المنطقة، ومنع نشوء قوة اقليمية في منطقة الخليج تهدد هيمنتها الكاملة علي منابع النفط واحتياطاته.
ممنوع علي الدول الاسلامية امتلاك اي اسلحة دمار شامل، ونووية علي وجه الخصوص، وباكستان نجحت في كسر هذه القاعدة، لانها طورت اسلحتها النووية في زمن الحرب الباردة، وبسبب التحالف الهندي ـ السوفييتي، ولكن هذا لا يعني ان الاسلحة النووية الباكستانية محصنة من التدمير، ولولا انحياز برويز مشرف للحرب الامريكية ضد الارهاب وتحويل بلاده الي قاعدة لتدمير افغانستان، والانخراط بحماس في الحرب ضد تنظيم القاعدة وحركة طالبان، لكان مستقبل الاسلحة النووية الباكستانية في مهب الريح.
ادارة الرئيس بوش التي بدأت بقرع طبول الحرب ضد ايران، ستخرج الخاسر الاكبر من اي مغامرة عسكرية او اقتصادية ضد ايران، وستكون خاسرة اذا فرضت الحصار وذهبت الي الحرب، وستكون خاسرة ان لم تفعل.
وسيكون المشروع الامريكي في العراق وافغانستان الذي حمل لافتة الحرب علي الارهاب وكلف حتي الآن ثلاثمائة مليار دولار هو اول الضحايا، اما الضحية الثانية فهي القوات الامريكية المرابطة حاليا في العراق وافغانستان ويزيد تعدادها عن مئتي الف جندي، فهؤلاء سيتحولون الي صيد سهل للميليشيات الايرانية في البلدين.
جوزيف ستيغلتز الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد قدر تكاليف الحرب الشاملة في العراق بالفي مليار دولار (تريليونين)، وعلينا ان نتوقع كم سيرتفع هذا الرقم اذا ما توجهت القاذفات الامريكية من طراز بي 52 لقصف المنشآت الايرانية، وردت السلطات الايرانية باطلاق صواريخها لقصف التجمعات الامريكية في افغانستان والعراق ومنطقة الخليج، علاوة علي الدولة العبرية.
اننا لا نبالغ اذا قلنا ان منطقة الشرق الاوسط تقف حاليا علي ابواب حرب ربما تستخدم فيها الاسلحة النووية التكتيكية، وعلينا ان نتذكر ان الولايات المتحدة هي الوحيدة في تاريخ البشرية التي استخدمت هذا النوع من اسلحة الدمار الشامل قبل ستين عاما في هيروشيما وناغازاكي، ودون اي مبرر، وبعد ان انتصرت في الحرب العالمية الثانية ورفعت اليابان راية الاستسلام.
العالم لم يعد اكثر امانا بعد الحرب الامريكية علي الارهاب، والعراق لم يصبح دولة ديمقراطية نموذجية تصدر خيراتها الديمقراطية الي دول الجوار، وثبت بالدليل القاطع ان ادارة بوش كانت تملك خططا للغزو والاحتلال، ولكنها لم تملك اي خطط لما بعد الانتصار العسكري. وهذا من اسباب فشلها في العراق. ونراهن بانها ستقع في الخطأ نفسه، وربما ما هو اخطر منه اذا ما تحرشت بايران حصارا او حربا.
الحربان الامريكيتان في العراق وافغانستان فشلتا في تحقيق اهدافهما، فالقاعدة اصبحت اقوي مما كانت عليه بعشرة اضعاف، والشيخان اسامة بن لادن والملا عمر هدفا هذه الحرب ما زالا طليقين يخططان للمزيد من الهجمات وافرزت الحرب الامريكية الفاشلة في العراق ابو مصعب الزرقاوي وهو لا يقل خطورة عن الاثنين، وعلينا ان نتصور اذا انضم الي هذه الكوكبة احمدي نجاد والآيات الكبار ابتداء من الامام علي خامنئي وانتهاء بعلي السيستاني!!
الايرانيون معروفون بانهم الاكثر تعصبا وطنيا وقوميا في المنطقة، وهذا ما يفسر الالتفاف الشعبي حول القيادة الحالية المحافظة بسبب العداء الامريكي المتصاعد لها، فعندما يأتي من يتحداهم في قضايا تتعلق بالسيادة والكرامة الوطنية يتوحد الجميع في مواجهته.
الادارة الامريكية مقدمة، وبسرعة مخيفة نحو التحدي الاكبر في منطقة الشرق الاوسط، ومن السهل علي اي مراقب ان يتوقع اي شيء آخر غير كارثة جديدة تتواضع امامها كوارث اخري مثل كارثة التدخل في العراق.
اين العرب من كل هذا؟
انهم غارقون في النوم اللذيذ، مشغولون بمن قتل الحريري، واسعار الاسهم في بورصات الخليج المتنامية، ومشاهدة احدث فيديو كليب لنانسي عجرم. ولن يستيقظوا من سباتهم هذا الا بعد ان تحرق نار الحرب القادمة اطراف ثوبهم، وما جمعوه من فوائض مالية جراء ارتفاع اسعار النفط.