إطلاق النار على موظفي البلدية في الناعمة أعاد فتح الملف بقوة
الحوار أولاً... وإذا لم يحقق نتيجة فعلى السلطة إتخاذ القرار المناسب


يشكّل اطلاق النار على موظفي البلدية في الناعمة من مسلحين فلسطينيين الحادث الأمني الثالث بعد قتل المسّاح المتعاقد مع الجيش اللبناني في البقاع وبعد اطلاق الصواريخ quot;المجهولةquot; على شمال اسرائيل. فهل تحاول الفصائل الفلسطينية اعادة عقارب الساعة الى الوراء في لبنان؟ وهل يمكن أن تتغاضى الدولة اللبنانية وحكومة الرئيس فؤاد السنيورة عما يحصل؟!

لا شك في أن الأجواء الداخلية التي كانت سائدة لبنان منذ ما بعد هزيمة 1967 وحتى اندلاع الحرب اللبنانية تختلف جذريا عما هو سائد اليوم. فالانقسام الحاد في الشارع اللبناني عشية عام 1975 تقابله اليوم وحدة وطنية متعاظمة تدفع في اتجاه اعطاء الأولوية المطلقة للمصالح اللبنانية ولقيام دولة لبنانية قوية وقادرة قبل التعاطف مع أي قضية اقليمية.

فازاء الانقسامات الحادة التي عرفها المجتمع اللبناني في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، كان التوحد حول القضايا الأساسية مفقودا مما أدى الى شلل الدولة اللبنانية وعدم قدرتها على اتخاذ أي قرار حاسم فعمت الفوضى. ونتيجة الانقسام الحاد ولد اتفاق القاهرة الذي quot;شرّعquot; الدويلة الفلسطينية ضمن الدولة اللبنانية. وحتى عندما تجاوز الفلسطينيون هذا الاتفاق وخرقوا بنوده بانتشارهم المسلح على كل الأرض اللبنانية وتجاوزاتهم غير المقبولة، وعندما حاول الجيش اللبناني التصدي لهم عام 1973، كاد الانقسام الحاد حول هذه القضية يطيح بالجيش والوطن. وهذا ما تأخر عامين حتى 1975.

والواضح أن اللبنانيين باتوا اليوم واعين وناضجين وتعلموا من تجاربهم السابقة. وأبلغ دليل على هذا التطور النوعي في الموقف اللبناني رد الفعل الشعبي اللافت اثر حادثة الناعمة واطلاق النار على موظفي البلدية. فكان اجماع من أهالي الناعمة وحارة الناعمة بكل تلاوينهم الطائفية على رفض ما حصل فنزلوا الى الشارع وقطعوا طريق بيروت - صيدا مجمعين على ضرورة وضع حد نهائي لمسألة السلاح الفلسطيني ومطالبين بألا يكون هناك سلاح خارج سلاح الشرعية اللبنانية.

وبناء عليه لم يعد في امكان الحكومة اللبنانية والسلطات المعنية تجاهل هذه الصورة ذات الدلالات الواضحة والمطالب المحددة للبنانيين، انطلاقا من مطالب أهالي الناعمة وحارة الناعمة بالانتهاء من كل المظاهر الفلسطينية في المنطقة وعدم القبول ببقاء quot;محميةquot; أنفاق الناعمة ومسلحيها في المنطقة.

رسائل خطرة

والواقع أن نواب المنطقة الذين تحركوا بشكل فوري في أعقاب الحادث ثبتوا مطالب الأهالي ودعوا الحكومة الى تحمل مسؤولياتها كاملة في الملف الفلسطيني عبر نزع السلاح فورا من خارج المخيمات كمرحلة أولى، على أن تليها مباشرة معالجة سلاح المخيمات على قاعدة بسط سلطة الدولة على كل أراضيها وتأمين الحماية اللازمة للفلسطينيين اضافة الى تحسين ظروفهم المعيشية والانسانية.

نائب رئيس الهيئة التنفيذية في quot;القوات اللبنانيةquot; النائب جورج عدوان يرى أن quot;العامل الفلسطيني الذي كان اختفى عن الساحة اللبنانية لأكثر من 15 عاما عاد فجأة ليبرز من خلال بعض الفصائل وليس من خلال الوضع الفلسطيني العام. وترافق ذلك مع حوادث أمنية مقلقة من حادثة قتل المساح، الى اطلاق الصواريخ من الجنوب، وصولا الى حادثة الناعمة. وفي هذه المرحلة الحساسة من تاريخ لبنان تتخذ هذه الحوادث صفة الرسائل الخطرة وليست حوادث فردية، في ظل حكومة لبنانية طرحت مسألة السلاح الفلسطيني وتنظيم وجود الفلسطينيين في لبنان على قاعدة حوار لم ينطلق لأن عقدة التمثل الفلسطيني لم تحلّ الى اليوم. لذلك فان قراءتنا للحوادث تنطلق من هذه الجغرافيا السياسية. وما حصل ويحصل، أيا تكن ظروفه، لا يمكن اللبنانيين أن يتحملوه لأننا في مرحلة ندعو فيها الى قيام دولة قادرة تفرض سيطرتها على كل أراضيها، فيأتي هذا الحادث ليطرح مسألة قيام الدولة من أساسها. فاما أن تقوم هذه الدولة فعليا وتبسط سيطرتها، واما أن تبقى دويلات ومناطق خارجة عن السيطرة الشرعية، وهذا ما لن نقبل بهquot;.

المحاسبة السياسية

ويؤكد عضو quot;اللقاء الديموقراطيquot; النائب أكرم شهيب أن quot;ما حصل يخرج عن اطار العقل والمنطق. وهذا السلاح الفلسطيني موجود في المكان الخطأ والتوقيت الخطأ. ويجب الانتهاء من هذا الفلتان في أسرع وقت. والموضوع المطروح اليوم لا يقتصر على تسليم مطلق النار في الناعمة. قتل المساح في البقاع قبلا. المطلوب محاكمة سياسية لمن أعطى الأمر باطلاق النار وخلق البلبلة. ولا بد من اقفال كل المواقع في المناطق الآهلة وتنفيذ اتفاق الطائف الذي ينص صراحة على نزع السلاح خارج المخيمات وتنظيمه داخلها تحت سلطة الدولة اللبنانية. والقوى التي اجتمعت في بلدية الناعمة في أعقاب الحادث اتخذت التوصيات المناسبة وهي تمثل واقع المنطقة ليس فقط في الشوف بل أيضا في كل الوطنquot;.

عضو تكتل quot;التغيير والاصلاحquot; النائب نعمة الله أبي نصر يؤكد أن quot;التكتل كان أول من طالب بنزع السلاح الفلسطيني من خارج المخيمات وداخلها. وقد حذرت شخصيا من وجود السلاح الثقيل ومن وجود القواعد العسكرية الفلسطينية المسلحة سواء في الناعمة أو في قوسايا. والنتيجة أن الفلتان يعم اليوم في المخيمات وفي هذه القواعد ونحن نحصد تراكم الاهمال. وها هم اليوم يتصرفون بحرية لأنهم محميون من سوريا ومن quot;حزب اللهquot;. وأنا آمل ألا يستمر quot;حزب اللهquot; بحماية الفلسطينيين لأن ما يحصل ليس في مصلحة اللبنانيين ولا الفلسطينيينquot;.

عدوان يصر على quot;ضرورة أن تبادر الحكومة الى معالجة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات أولا ومن ثم داخلها والا ستبقى صورة الحكومة مهزوزة. فالظرف الموجود اليوم في ظل المطالبة اللبنانية العارمة بألا يبقى سلاح خارج اطار المؤسسات اللبنانية الشرعية يفرض تحركا سريعا من الحكومة. اضافة الى الاجماع القائم حول ضرورة معالجة المشاكل الانسانية للاجئين الفلسطينيين. لكن ما يجري من تصرفات وممارسات شاذة تقوم بها بعض الفصائل يهدد الاجماع حول القضية الفلسطينية. واتفاق الطائف واضح وهو ينص على أن الدولة اللبنانية تحمي الفلسطينيين ومن غير المقبول أن تصبح المخيمات جزرا أمنية. لذلك نحن نفضل الحوار لتنفيذ الطائف ضمن جدول زمني ضيق جدا: خارج المخيمات المطلوب نزع السلاح في أقرب فرصة ممكنة على ألا تتجاوز الشهرين. على أن نتابع الحوار حول كيفية امساك الدولة اللبنانية بالأمن داخل المخيمات. واذا لم ينجح الحوار لنزع السلاح خارج المخيمات تكون الفصائل الفلسطينية وضعتنا أمام خيارين لا ثالث لهما: فاما قيام الدولة واما انهيارها. ونحن لن نتراجع عن أي خطوات حاسمة لقيام الدولة. والواضح أن ثمة اجماعا لبنانياً لحسم الموضوع، وكل الاتصالات التي نقوم بها تؤكد هذا التوجه. وربما كان quot;التيار الوطني الحرquot; من أكثر الأطراف حماسة للأمر وهو يحمّل الحكومة مسؤولية عدم الحسمquot;.

لا مفر من الحسم

شهيب يلفت الى أن quot;الانتهاء من السلاح الفلسطيني ملف أبعد من الحكومة. دستور الطائف ينص على ذلك والقرارات الدولية كذلك. لذلك نحن معنيون باستمرار الحوار للتوصل الى النتيجة المرجوة. ونفضل أن تتم الأمور بالوفاق لأن الحكومة تمثل في النتيجة قوى 14 آذار. والمطلوب منها مواقف صلبة عبر تطوير الأمن والقوى العسكرية والأمنية بكل القدرات والموازنات المطلوبة. فنحن نتخذ القرارات كقوى سياسية والأجهزة العسكرية والأمنية تنفذ.

ونحن نصر على وقف الفلتان بالحوار لأن سوريا تريد أن تستدرجنا لتستعمل الورقة الفلسطينية لاشاعة الفوضى. أما اذا لم يوصل الحوار الى نتيجة، عندها يترتب على القوى السياسية أن تتخذ القرار المناسب الذي يحمي أمن اللبنانيين وهيبة الدولةquot;.

شهيب يرى أن quot;الملف الفلسطيني مرتبط بملف سلاح quot;حزب اللهquot; وبملف العلاقة مع سوريا لأنهما ملف واحد يتعلق بتطبيق اتفاق الطائف. المطلوب الوصول مع quot;حزب اللهquot; الى ورقة واضحة عبر ترسيم حدود مزارع شبعا وتأكيد على حصرية السلاح لتحرير المزارع اللبنانية. والملف الفلسطيني يشكل جزءا من التدخل السوري في لبنان. والمطلوب من سوريا أن تنفذ كل المطلوب منها في القرارات الدولية. أما ترسيم الحدود فليس منّةً من أحد. عليها أن تبدأ بترسيم الحدود معنا كما فعلت مع تركيا حين تنازلت عن لواء الاسكندرون ولم تعترض على الترسيم. نحن نطالبها بترسيم حدودنا فقط، على أن يبدأ الترسيم من مزارع شبعاquot;.

أبي نصر يتخوف من عملية نزع السلاح بغير حوار quot;نحن ضد ارتكاب مجازر لأنه يلحق ضررا بالفريقين. هذه المسألة يجب أن تحل بالحوار وبمفاوضات جدية وبقرارات دولية على صعيد الأمم المتحدة أو حتى بقرارات عربية حاسمة. أما اذا لم يتوصل الحوار الى نتيجة وأجمع اللبنانيون على الأمر فيمكن الحسم عند ذلك. المطلوب عدم التأخر في معالجة الملف لأن التكلفة تصبح باهظة جداquot;.

ويشير عدوان الى أن quot;النجاح في معالجة الموضوع الفلسطيني يقرر مستقبل الحكومة وجديتها في معالجة الملفات الأساسية وفي ارادتها بناء دولة قوية. واذا لم تستطع المعالجة فهذا يعني أنها عاجزة. لذا نجد أن الحكومة اللبنانية أمام تحد كبير. فاذا نجحت ستنال تأييد جميع اللبنانيين والمجتمع الدولي لبسط سلطتها كاملة. والا فانها ستخسر تأييد الجميعquot;.

أخيراً، ان الأيام والأسابيع المقبلة ستحدد مستقبل لبنان لناحية قيام دولة قوية وقادرة. والاجماع اللبناني القائم اليوم يلزم الحكومة بأن تكون على قدر المستويات وبألا تقبل بالتنازل عن دورها وسيادتها. وفي الانتظار تكمل الفصائل الفلسطينية في رهانها على عجز الحكومة اللبنانية عن ترجمة أحلام اللبنانيين وتطلعاتهم. فمن يربح الرهان؟

تحقيق طوني أبي نجم