السبت:14. 01. 2006

غازي العريضي


تسنى لي أن ألتقي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية مرافقاً الزعيم الوطني وليد جنبلاط أو موفداً من قبلهmiddot; ويمكنني القول، إننا في كل اللقاءات، وفي أدق الظروف، وبعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، كنا نسمع منه كلاماً صريحاً وواضحاً ودقيقاً يمثل حرصه وحرص المملكة على سلامة أمن واستقرار ووحدة لبنان، وعلى علاقاته الطيبة مع سوريا، وعلى أمن واستقرار سورياmiddot; كان يوصي كل من يلتقيهم بضرورة الانتباه والتحلي بالصبر والحكمة والعقلانية في مقاربة العلاقات العربية- العربيةmiddot; ويقول، إن كل عربي ومسلم مؤمن وشريف يجب أن يحمل هذه الأمانةmiddot; لأن أي انتكاسة في أي دولة عربية سوف تنعكس علينا جميعاً، وأي توتر في العلاقات العربية- العربية سوف ينعكس على الجميعmiddot;


أذكـّر بهذه المواقف لخادم الحرمين الشريفين ليس لتجديد شكر أو تأكيد اهتمام المملكة بلبنان وحرصها عليه، بل لأشير إلى أن ما أشيع عن اتفاقات في جدة بعد زيارة الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد إليها مؤخراً وما كتب وصدر من تحليلات تشير من قبل البعض وكأن المملكة أقرت اتفاقاً وستكون محاولة لتمريره أو ''تبليعه'' للبنانيين ليس صحيحاً على الإطلاقmiddot; إذا الموضوع ليس هناmiddot; والمملكة عندما كان يقول راعيها وقائدها الملك عبدالله ما ذكرته، كان يدرك تمام الإدراك ماذا يجري في لبنانmiddot; وما هي مواقف كل الأطراف في الداخل وأين أخطأت سوريا وما هي مسؤولياتها، وكان ولا يزال يحرص ويؤكد في كل لقاء ومناسبة ومع كل مسؤول ألا تهاون ولا تساهل في التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريريmiddot; وبالتالي فإن السعي لرأب الصدع بين لبنان وسوريا هو لمعالجة المشكلة أو المشاكل التي وقعت بين البلدين منذ القرار السوري بالتمديد لرئيس الجمهورية اللبنانية إميل لحود وبدء مسلسل الاغتيالات التي استهدفت الرموز السياسية والإعلامية التي عارضت التمديد ومفاعيلهmiddot; هذا الجهد مشكور من أي جهة أتى فكيف إذا كان من الدولة الشقيقة الكبرى التي رعت أيام المغفور له الملك فهد بن عبدالعزيز وبمتابعة ومواكبة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، كل جولات الحوار طيلة عقود من الزمن للوصول إلى حل وفاق بين اللبنانيينmiddot; وعلى هذا الأساس ينطلق اللبنانيون في نظرتهم إلى المملكة التي ترحب بأي طرح أو فكرة أو مبادرة يمكن أن تساهم في لملمة الصفوف ولكنها لا تتدخل في الشأن الداخلي وبالتالي لا تحاول فرض إرادة أو مشروع على أحدmiddot; هذا ما اعتدنا عليه طيلة السنوات السابقة وهذا ما هو مستمر حتى الآنmiddot;
وانطلاقاً من ذلك، فإن المشكلة ليست في المملكة العربية السعودية ولا منهاmiddot; المشكلة بدأت بالتمديدmiddot; واستمرت مع مفاعيله السلبية ومع الاغتيالات التي كانت قمتها في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وصدور قرارات دولية بالإجماع عن مجلس الأمن ليس بالإمكان تجاوزها كحقيقة قائمةmiddot;


اللبنانيون منقسمون حيال هذه القضايا وإن كانوا مجمعين على الوصول إلى الحقيقةmiddot; لكنهم وبفعل تأثيرات سورية اختلفوا في التعامل مع هذا الأمرmiddot; فالمحكمة الدولية سببت اعتكاف وزراء ''حزب الله'' وحركة ''أمل'' ، علماً بأن نقاشاً كان يدور حولها وفي أكثر من مرة وفي أكثر من جلسة، أن ثمة تفاهماً أو موافقة مبدئية عليهاmiddot; لكن في النهاية كان رفضا يتلاقى مع الرفض السوري لهاmiddot; ولسوريا حسابات في هذا المجال وهي التي اعتمدت سياسة خاطئة في التعامل مع لجنة التحقيق الدولية ومع التحقيق نفسه مما أحرجها في أكثر من محطة أمام المجتمع الدولي وهذا ما أدى إلى صدور قرارات دولية وبالإجماع ولم يكن ثمة أحد قادرا على الدفاع عن المواقف السوريةmiddot; كذلك ثمة خلافات بين اللبنانيين حول أمور كثيرة وأبرزها الدور السوريmiddot; لأن ثمة من لا يزال يرتبط ارتباطاً كاملاً بالسياسة السورية التي لم تتغير رغم كل المتغيرات حيالها والقرارات الدولية والمواقف الداخلية والإقليمية المعلنة في هذا الصددmiddot;


أشير إلى هذه النقطة لأن الأساس في كل الموضوع هو التحقيق وبالتالي الحقيقةmiddot; وعند كل محطة من محطات البحث عنها، ومع حصول أي تقدم سوف نواجه تحدياً في لبنانmiddot; ولا أرى منطقاً فيما يقدم المسؤولون السوريون من مبررات حول رفضهم التعاون مع لجنة التحقيق الدولية، كما لا أرى مبرراً في رفض بعض اللبنانيين فكرة المحكمة الدولية في وقت لم يقبل المسؤولون السوريون استجواب مواطن سوري شاهد أو مسؤول سوري مشتبه به أمام لجنة التحقيق في لبنان فكيف يمكن لمحكمة لبنانية إذاً أن تحاكم سوريا على أرض لبنان؟


أعتقد أن الجهة الواثقة من نفسها والشخص المحصن بصدقيته وبراءته يجب ألا يخاف من شيءmiddot; بل يجب أن يقدم نفسه مباشرة إلى أي تحقيق وأمام أي لجنة لتقديم معلومات وإفادات وإثبات البراءة دون الحاجة إلى وساطات ومواقف ومناورات وبالتالي إلى مشاكل وتوترات وخلافات وانقسامات هنا وهناكmiddot; وكان يمكن لو أن الأمور أخذت هذا المنحى من قبل المسؤولين السوريين وبعض اللبنانيين أن يأخذ التحقيق مجراه وأن تستمر الحياة في لبنان وسوريا طبيعية وأن تستمر المساعي لمعالجة كل المشاكل ولحماية العلاقات اللبنانية السورية وتطويرهاmiddot;


لقد شهد العام الماضي زلزالاً سياسياً كبيراً باغتيال الرئيس الحريري، ومن أبرز مفاعيله خروج القوات العربية السورية من لبنانmiddot; هل هذا هو الثمن كما يقول البعض؟ إن مجرد القول بذلك يعني الاعتراف بمسؤولية سوريا من جهة، والقبول بعدم التوسع في التحقيق والاكتفاء بتحقيق الانسحاب العسكري السوري من جهة ثانيةmiddot; فهل في ذلك خدمة لسوريا وتبرئة لها ودفاع عنها؟ بالتأكيد لاmiddot; ولذلك ينبغي في مسيرة البحث عن حل أي مشكلة، الانطلاق من تشخيص صحيح للحالة للوصول إلى تشخيص صحيح للحلmiddot; وعلى هذا الأساس يمكن التعاطي مع الأفكار والمبادرات التي تطرحmiddot; ومن هذا المنطلق يمكن القول إن الأفكار التي تقدم بها المسؤولون السوريون مؤخراً في جدة لا تنطلق من تشخيص صحيح للحالة القائمة اليوم في لبنان والتي تعيشها أيضاً العلاقات اللبنانية- السورية ولذلك ولدت ميتة ولا يمكن أن تكتب لها الحياةmiddot; هل في ذلك مسؤولية سعودية كما أوحى البعض وكما حاول أن يقول؟ بالتأكيد لاmiddot; هل يعني ذلك أن ترفض المملكة الاستماع إلى الأفكار وألا تحاول طرحها أمام اللبنانيين؟ بالتأكيد لاmiddot; وهل يعني ذلك أن تتوقف المملكة عن الاهتمام بلبنان والاستمرار في محاولة حمايته أمنياً وسياسياً وحماية استقراره المالي؟ أيضاً، بالتأكيد لاmiddot;


سيبقى دور المملكة العربية السعودية أساسياً في لبنان خصوصاً والمنطقة عموماًmiddot; وسيبقى الجميع بحاجة إلى خبرة وحكمة ومعرفة وعقل خادم الحرمين الشريفين وجهود إخوانه وأبنائه المسؤولين في المملكة لإنقاذ لبنان، وحماية مسيرة التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري والوصول إلى الحقيقة التي يجب أن توحد اللبنانيين، ويعاقب على أساسها المجرمون ويوضع حد لمسلسل الإرهاب والاغتيال المستمرmiddot;