السبت:14. 01. 2006

د. حسن مدن


لا يمكن قراءة التصعيد الخطير الذي بلغه الملف النووي الإيراني بعيداً عن تحليل ldquo;ظاهرةrdquo; الرئيس الايراني الجديد محمود أحمدي نجاد. صحيح أن القرارات الاستراتيجية الكبرى في المنظومة السياسية الايرانية الراهنة لا تتخذ من قبل رئيس الجمهورية، او على الاقل ليس من قبله وحده، إنما بالتفاهم مع المؤسسة الدينية وعلى رأسها المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، الذي إليه تعود الكلمة الفصل في الأمور الجوهرية.

لكن بالمقارنة بين أداء رئيس الجمهورية الذي انتهت ولايته قريبا محمد خاتمي وبين أداء نجاد يمكن أن نلاحظ أن طريقة أداء الرئيس تلعب دوراً مهماً وتفرض إيقاعها الخاص على السياسة الايرانية، داخلياً وخارجياً.

ورغم ان خاتمي كان معمماً، يعتمر العمامة السوداء تحديدا، في إشارة الى ما يحسبه الشيعة تحدرا من سلالة الرسول الكريم، إلا ان هذه العمامة لم تعن أبدا ان خاتمي القادم من قلب المؤسسة الدينية كان على توافق تام معها في كل الامور، فلقد أظهر طوال فترتي ولايته التي انتخب فيها في المرتين بأغلبية شعبية كاسحة انه على قدر من الاستقلالية أضفت بدورها طابعا خاصا على أداء السياسة الخارجية الايرانية طوال ثماني سنوات هي مدة رئاسة خاتمي، اتسم بالمرونة وبالميل للتعاطي الايجابي مع الوسائل الدبلوماسية، والنأي قدر الإمكان عن المجابهة والتصعيد مع المجتمع الدولي، وفق قراءة خاصة ترى أن إيران في غنى عن هذه المجابهة التي لا يمكن أن تكون متكافئة على كل حال. وقد أعطت شعبية خاتمي داخل ايران انطباعا بأن الشرائح الجديدة من الناخبين خاصة من الشبيبة والنساء قد ملت من النهج المتشدد للملالي ورجال الدين وباتت تتطلع الى مناخ أكثر تفتحاً وليبرالية، لكن مشكلة التيار الذي يمثله خاتمي والذي عرف بrdquo;التيار الإصلاحيrdquo; تكمن في أنه لم يقدم خلفاً لخاتمي يتمتع بذات الكاريزما وقوة الجاذبية والتأثير، فخسر المرشح الإصلاحي الانتخابات من الجولة الأولى، ليتنافس في الجولة الثانية على منصب الرئاسة هاشمي رفسنجاني الرئيس الأسبق وأحد أبرز رجال الدين المعروفين بالبراجماتية والدهاء السياسي ومحمود أحمدي نجاد أستاذ الجامعة المعروف بمباشرته وبساطة عيشه وبخطابه الثوري المتشدد. ورغم أنه لا يعتمر العمامة مثل خاتمي أو رفسنجاني، إلا أنه بطريقة تفكيره أقرب إلى مزاج المرشد الأعلى وغلاة المتشددين في المؤسسة الدينية الحاكمة، فكان أن حسم الرهان الانتخابي لمصلحته مستفيداً من ذلك أولاً. وثانياً: من الصدقية التي أشاعها لدى مواطنيه لأنهم رأوا فيه رجلاً محصناً ضد ملذات وغنائم السلطة. وقد أظهرت التصريحات النارية التي أطلقها الرجل منذ أن غدا رئيساً خلال الأشهر القليلة الماضية، التي كان الكثير منها غير محسوب من وجهة النظر الدبلوماسية انه شخصية نقيضة تماماً، في الأداء السياسي، لسلفه السيد محمد خاتمي، مما يجعل توقع تصرفاته أمراً صعباً، وبدا أن الأمور بين طهران وواشنطن آيلة إلى المزيد من التصعيد، ليس تماماً لأن ذهنية من يحكم في طهران قد تغيرت، وإنما لأن طريقة أداء الرئيس هي التي اختلفت، وهو في هذا الأداء يأتي محمولاً على موجة من التعاطف الداخلي الذي تؤججه المشاعر القومية النابعة من الاعتقاد بأن على الوطن أن يمتلك أسباب قوته وعزته، وأن يتصدى لتلك الدوائر الغربية التي تريد حرمانه من هذا الحق، ونجاد بذلك يدفع نحو حال من الإجماع الوطني الذي لا يملك أحد أن يكون خارجه، وإلا بدا متواطئاً مع الخارج ضد مصلحة الوطن. ومن حيث يريد أو لا يريد فإن نجاد قد دفع بإيران نحو حافة مواجهة دقيقة، ستكون حتى في صورتها الدبلوماسية منطوية على عنف مبطن.