السبت:14. 01. 2006

أبو خلدون

في عام 1729 كتب الأديب البريطاني الساخر جوناثان سويفت، مؤلف كتاب ldquo;رحلات جلفرrdquo; مقالا بعنوان ldquo;اقتراح متواضعrdquo; طرح فيه حلا لمشكلة الجوع وسوء التغذية التي يعاني منها الفقراء في بريطانيا والعالم. وفي المقال، تحدث سويفت عن ldquo;الفقراء الذين يزحمون الطرق والشوارع، يجر الواحد منهم وراءه ثلاثة أطفال أو أربعة، أو ستة، يرتدون الأسمال البالية، ويستجدون المارة والركاب في المحطاتrdquo;، وعن ldquo;الذين يحترفون الجريمة والسرقة من أجل الحصول على القوت، لعدم وجود عمل شريف يوفر لهم ذلكrdquo; ويقول: إن الحل لمشكلة هؤلاء هو: ldquo;أن يأكلوا بعضهم بعضاrdquo;.

ولو كان سويفت أكثر إنصافا وواقعية، لاقترح أن يأكل فقراء بلاده ابناء أغنيائهم، لأنهم أسمن وأطرى لحما، فضلا عن أن الأغنياء، عندما يعلمون أن الفقراء سيأكلون أولادهم فإنهم لن يترددوا في افتدائهم بشيء من فائض الطعام في مطابخهم.

ورغم وفرة المواد الغذائية في العالم، والتقارير التي تقول إن مصادر الأرض المتوفرة حاليا قادرة على توفير الغذاء لما يزيد على 12 مليار نسمة، أي ضعف عدد سكان الكرة الأرضية، فإن ما يزيد على 800 مليون شخص في العالم ينامون يوميا بمعد خالية، والألوف يموتون يوميا من النتائج المباشرة أو غير المباشرة للجوع وسوء التغذية. وتشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن عدد الذين يعانون من سوء التغذية في العالم يكاد يصل إلى المليار (أي واحد من ستة من عدد سكان العالم)، من هؤلاء 717 مليون شخص في الدول النامية، و27 مليونا في الدول التي تعيش حالة انتقالية، و11 مليونا في الدول الصناعية المتقدمة. ويشير التقرير إلى أن 156 مليون طفل تحت سن الخامسة يعانون من نقص البروتين الحيوي، و177 مليونا من تأخر النمو بسبب سوء التغذية، و17% من المواليد الجدد في الدول النامية يعانون من تأخر النمو داخل الرحم نتيجة سوء تغذية الأمهات أثناء فترة الحمل.

وكلفة الجوع الاقتصادية مرهقة للأفراد، كما للدول، فسوء التغذية يؤدي إلى المرض، والمرض يرغم العائلات الفقيرة على إنفاق مواردها الضعيفة على الخدمات الصحية، كما تحد كلفة الجوع من فرص التعلم أمام الأولاد، وتخنق الانتاجية وتمنع الأفراد من استغلال مواهبهم الطبيعية وتكبح النمو الاقتصادي وتحرم الحكومات من وسيلة مهمة لبلوغ المستويات المقبولة في النمو، ولذلك فإن الحرب ضد الجوع ليست ضرورة أخلاقية هدفها توفير الغذاء لمعدة تأكل بعضها فقط، وإنما هي ضرورة اقتصادية تساهم في استقرار المجتمعات وتوفير أمنها، وقد كان الجوع مصدرا للاضطرابات الخطيرة عبر التاريخ، ولا غرو في ذلك، فالجائع دائما على استعداد لارتكاب أية حماقة، من السرقة إلى القتل، لكي يهدئ صراخ معدته.

وحل مشكلة الجوع في العالم لا يكون بأن يأكل الفقراء أولادهم، كما يقول جوناثان سويفت، ولا بأن يأكلوا أولاد الأغنياء كما أقول أنا، وإنما بتضافر كل دول العالم الثالث والضغط على الدول الغنية لجعل القضاء على الجوع جزءا لا يتجزأ من التضامن العالمي والعولمة وحرية التجارة والدمقرطة وغير ذلك من الشعارات التي يطرحها الأغنياء. الحل يكون بموقف حازم بأن الموافقة على كل هذه الأشياء تأتي بعد جعل العالم خاليا من الجوع، والضغط على الدول الصناعية لزيادة تمويلها للقطاع الزراعي في الدول الفقيرة وتخفيف عبء الديون عنها، وأن لا تلقي أمريكا فائض قمحها في البحر لكي لا ينخفض سعره، وإنما ترسل هذا الفائض إلى فقراء العالم. والدول الصناعية تقدم ما يعادل 361 مليار دولار، أي 1،4% من انتاجها لدعم القطاع الزراعي فيها، بينما لا تقدم إلى الدول الفقيرة التي يعمل 60% من فقرائها في القطاع الزراعي إلا 7،4 مليار دولار، والمطلوب قلب هذه النسبة.

[email protected]