السبت:14. 01. 2006
رستم محمود
منذ أحداث 11 أيلول (سبتمبر) يبدو بعض الأنظمة العربية في حيرة من أمره ازاء سياسة واشنطن. فالحدث الذي فتح باب الحرب الأميركية على التيار الإسلامي laquo;البنلادنيraquo; على مصراعيه شكل مناسبة لهذه الأنظمة للتوافق مع واشنطن، من منطق محاربة العدو المشترك. لكن ما عكر صفو هذا التوافق الإصرار الأميركي على إدخال laquo;الكابوس الديموقراطيraquo; إلى المنطقة. وهو كابوس قد يخول الإسلاميين السيطرة على المؤسسات التشريعية حيثما بات تيارهم السياسي اكثر شعبية.
ودفعت هذه الحيرة بالنظام العربي إلى الشك في وجود تباين بين القراءات السياسية الإسلامية المتنوعة، والتشكيك في صدقية الذين يدعون إلى تيار إسلامي ليبرالي مدني. فراج أن laquo;الاخوان المسلمينraquo; لا يختلفون عن الجماعات الجهادية، وأن الاسلاميين كلهم لا يختلفون عن جزاري العراق إلا بواقع الظروف. وهدفت محاولة اظهار التيارات الإسلامية على اختلافها بالشكل الإرهابي نفسه الى خلق laquo;فزاعة اسلاميةraquo; تدفع بالمؤسسة الغربية إلى التنازل عن إصرارها على المطلب الديموقراطي. ومن هنا يبدو باطلا الكلام عن أي سعي للنظام العربي إلى إبعاد شبهة الإرهاب والعنصرية عن العرب والمسلمين في الوعي والإعلام الغربيين، لأن هذا لا يخدم المصالح الإستراتيجية لهذا النظام. والا كيف يمكن تفسير محاولة المرحوم مصطفى العقاد البحث طوال عقود عن ممول لفيلمه laquo;صلاح الدينraquo; الذي يهدف الى إبعاد شبهة الإرهاب عن المسلمين؟
لكن الكثير من هذا الغبن سببته التيارات الإسلامية المدنية نفسها، اذ لم تسع إلى صناعة تمايزها عن الحركات الجهادية والتكفيرية على المستوى الإعلامي والبرنامجي. فالبيانات المنددة بالإرهاب، مثلاً، لا يشارك فيها الإسلاميون إلا بمستوى خجول، وفي كثير من الأحيان يساهمون في خلق فزاعتهم لأمور لا طعم سياسياً لها، مثل الاعتراض على حفلة غنائية أو على برنامج ترفيهي .
وبغض النظر عما تبطنه التيارات الإسلامية السياسية ذات المظهر المدني، ومن دون الالتفات إلى ما ترسمه الأنظمة العربية لها، هل يستطيع الإسلاميون المدنيون هؤلاء اكتساح المجال العام، السياسي والثقافي والاجتماعي، وتحويل الديموقراطية إلى عملية انتخابية واحدة توصلهم الى الحكم، وأسلمة أفق الدولة في حال سيطرتهم على المؤسسات السياسية والتشريعية؟
الجواب الصريح هو: لا، ولأسباب شتى:
أولا: لأن الوضع الدولي لا يسمح بمثل هذا الانقلاب. اذ ان السياسة في العالم العربي تكاد تنقلب على قوانين الفيزياء. فالاقتصاد ونسب النمو والرأي العام، مثلاً، غير ذات أهمية في حسابات السياسة العربية التي لا داخل فيها البتة، بل ترتبط معاييرها ومعادلات سياستها بقيم ومقاييس خارجية. فالشرق الأوسط من أكثر مناطق العالم تدويلاً، حيث أضيفت تراكمات الحرب الباردة إلى الثروة النفطية والايديولوجيا الدينية، ومن هنا فالعنصر الذي يحاول اللعب في المنطقة من دون حسابات دقيقة تتساقط كل السقوف على رأسه. وانقلاب التيارات الإسلامية على الحياة العامة سيكون بمثابة قلب الطاولة على كل التوازنات الحساسة، وهو ما تدركه الحركات الإسلامية بعمق، فلم تستطع لعقود، على رغم غلبتها الداخلية، السيطرة على الحكم لأن العسكر العربي مدعوما من الخارج كان يشكل الفيصل في تقرير اسم الحاكم وبرنامجه. والمفارقة الدالة على ذلك تكمن في المقالات التي كتبها laquo;الاخوانraquo; المصريون في صحف غربية تهدئ من الروع اثر فوزهم الكبير في الانتخابات التشريعية الأخيرة، فيما لم يكتبوا مثل تلك المقالات في الداخل المصري، ما يشير الى ادراكهم لأسبقية المعادلات والمعطيات الخارجية على ما يساويها داخليا .
ثانياً: لأن تجربة الحكم العربي بخاصة والاشتراكي الشيوعي عموماً وما آلت إليها من نهايات غير سعيدة بعد نصف قرن من الحكم المطلق، رسخت في ضمير كل التيارات المعارضة، ومنها الإسلامية، خطورة الانفراد بالسلطة وما يترتب عليه من بطش للشارع والمساومة مع العدو، ولكل ذلك ضرائب يجب أن تدفع. كما شكلت تجربة السجن الطويل لنخبة هذه التيارات وتضامن العلمانيين معهم والهزائم المتتالية للتيارات الالغائية قيماً متراكمة في وعي الإسلاميين المدنيين باستحالة الانفراد بالحكم من دون اعتبار للشريك الداخلي .
ثالثاً: ليست الحركات الإسلامية ذات نزعة توتاليتارية بالمعنى الاصطلاحي، أي انها قائمة على مجموعة مبادئ وقيم تقيس من خلالها مواقفها، كما كانت الحال مع الأنظمة الشيوعية. بل هي في هذا الموضع اقرب إلى الأنظمة العربية، اذ ان خطابها غير متماه مع تصرفاتها أحيانا الى درجة المفارقة، ولها هامش واسع من المناورة والمساومة، كما لها عين ثاقبة لقياس المعادلات والتواطؤات الايجابية.
الخوف من الإسلاميين لا يخدم أحدا في الوطن العربي لأنه يخالف الديموقراطية عندما يلغي شريحة بحجمهم، كما ان هذا الخوف لا يخدمهم. لذلك تبقى مهمة تبديده، في قسمها الأكبر، مهمتهم.
كاتب سوري
التعليقات