الأحد:15. 01. 2006
درويش زاهدي و أوميد ميماريان
بإقدامها على تحدي المراقبين الدوليين وإزالة الأختام عن المنشآت النووية يبدو أن إيران تغازل المواجهة وتبحث عن الصدامmiddot; لذا يحسن بالقادة الغربيين في هذه اللحظة أن يلتفتوا إلى الخطاب الناري للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ويأخذوا بعين الاعتبار الدور الخطر الذي يمكن أن تلعبه إيران في المنطقة، حيث سيترتب على سياسة التصعيد تكلفة استراتيجية باهظة سواء بالنسبة للمصالح الأميركية في المنطقة، أو بالنسبة للوحدة الترابية لإيرانmiddot; ولا شك أن ما يحرك أحمدي نجاد ليس فقط المبادئ الأيديولوجية، بل هناك أيضا الرغبة في تعزيز قوة الجناح الأمني في طهرانmiddot; لكن يبدو أن الرئيس الإيراني يتصرف أيضا بناء على تصور راسخ لديه بأن الولايات المتحدة تمر بمرحلة ضعف غير مسبوقة في المنطقةmiddot; فمن ناحية ينتشر الجيش الأميركي على رقعة جغرافية شاسعة تمتد من العراق إلى أفغانستان، ومن ناحية أخرى أضاعت الولايات المتحدة الكثير من الوقت والجهد في التركيز على البرنامج النووي لكوريا الشمالية على حساب الملف النووي الإيرانيmiddot;
وإذا ما واصل الغرب عموما والولايات المتحدة تحديدا توجيه التهديدات للنظام الإيراني واستشعر هذا الأخير اقتراب عملية عسكرية ضده، فإن إيران ستحرك أوراقها في أفغانستان والعراق ولبنان وإسرائيل وستعمل على قلب الطاولة في وجه المصالح الأميركية في تلك البلدانmiddot; بيد أن القراءة المتفائلة لقوة إيران يمكن أن تقود أحمدي نجاد إلى تقييم مبالغ فيه للقدرات الإيرانيةmiddot; فالواقع يشير إلى أن إيران تعرف العديد من المشاكل الداخلية التي تجعلها أكثر ضعفاً مما يتصور البعض، حيث الاقتصاد في أسوأ حالته ومعدل البطالة وصل إلى عنان السماء، فضلاً عن النقمة الشعبية، والمعدلات المرتفعة للإدمان على المخدرات وهجرة الأدمغةmiddot; ويعتمد أحمدي نجاد أيضاً على نقاط القوة التي يمتلكها بدءا من الأحزاب الشيعية الموالية لإيران في العراق والتي أضحت القوة السياسية الضاربة هناك، وانتهاء بقناعة الرئيس الإيراني بعدم استعداد الشعب الأميركي الترخيص لحرب أخرى في منطقة الشرق الأوسطmiddot;
والأكثر من ذلك يدرك الرئيس الإيراني جيداً أنه حتى لو تمت إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي، فإنه من غير المرجح أن يتم التصويت بالإجماع على فرض عقوبات دولية على الجمهورية الإسلامية، لأن ذلك سيواجه بالرفض من قبل الصين وروسياmiddot; فإيران التي استفادت مؤخرا من العائدات النفطية أصبحت المقتني الأول للتكنولوجيا العسكرية الروسية، حيث اشترت ما قيمته مليار دولار من الأسلحة المتطورة من موسكو بعدما وافقت هذه الأخيرة على عقد صفقة مع طهرانmiddot; أما الصين التي أصبحت من كبار مستهلكي الطاقة في العالم، فقد بدأت تنظر إلى إيران كمزود رئيسي للنفط بصرف النظر عن التحفظات الأميركيةmiddot; وفي ظل هذه الصورة الاستراتيجية المواتية لإيران ليس مستبعدا أن يرحب أحمدي نجاد بهجوم أميركي أو إسرائيلي ويعتبره فرصته السانحة كي يرد بقسوة ضد المصالح الأميركية في المنطقة عبر تعبئة الحلفاء الشيعة في العراق ضد الولايات المتحدة، وتحريك الحركات الشيعية في البلدان الخليجية ولبنانmiddot; ولربما تحالفت طهران مع بعض خصومها السُنة الذين قد يلتفون حولها من أجل محاربة العدو المشتركmiddot; وفي غضون ذلك سيستخدم الجناح المتشدد في النظام الإيراني تداعيات الحرب وضروراتها كي يهمش الخصوم السياسيين في الداخل ويسحق ما تبقى من المجتمع المدني الإيرانيmiddot;
بيد أن النظام الإيراني لا يخلو من نقاط ضعف، وواشنطن تعرف ذلك جيداًmiddot; فكما أن إيران تستطيع اللعب بورقة الشيعة لإثارة الاضطرابات في المنطقة، يمكن أيضا للولايات المتحدة أن تستغل التوترات الإثنية والطائفية في إيران التي تتواجد بها أقلية سنية واسعة، خصوصاً في المناطق الحدوديةmiddot; فإيران تعج بالأقليات الإثنية والدينية التي تعتبر نفسها ضحية التمييز وعدم الاندماج في الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية للمجتمع الإيرانيmiddot; وفي هذا السياق يعيش حوالي مليوني عربي ناقمين على الوضع في محافظة خوزستان الغنية بالنفط والغاز، حيث يمكن للولايات المتحدة أن تخلق متاعب جمة لإيران عبر دعمها وتمويلها للانفصاليين العربmiddot; وبالإضافة إلى الأقلية العربية في إيران هناك مجموعات أخرى يمكن استخدامها من قبل واشنطن لزعزعة الاستقرار في طهران مثل الأكراد والبلوش، ثم الآذاريينmiddot; وبالطبع ستسوء الأوضاع الاقتصادية في إيران أكثر إذا ما أحيل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن بصرف النظر عن إقرار العقوبات أم لا، حيث من المتوقع أن تهرب الاستثمارات الأجنبية، كما أن سوقي الأسهم والعقارات ستتعرضان إلى هزة قوية، وستتأثر سلبا الطبقة الوسطى الإيرانية، فضلا عن ارتفاع معدل التضخم وتضرر الفئات الفقيرة التي يدعي أحمدي نجاد أنه جاء ليمثلهاmiddot;
وفي ضوء هذه الاحتمالات المعقدة والمتشابكة يحسن بالرئيسين بوش وأحمدي نجاد أن يتعلما من آية الله الخميني ليس في صورته الأيديولوجية، بل من سياسته البراغماتيةmiddot; فرغم أن الخميني نادى هو الآخر بالقضاء على الصهيونية، فإنه عندما تعلق الأمر ببقاء النظام آثر إنهاء الحرب الإيرانية- العراقية، بل وقام بشراء السلاح من إسرائيلmiddot; لذا فإن على إيران أن تسترجع ثقة المجتمع الدولي عن طريق تقديم تنازلات، كما على الولايات المتحدة أن تضمن تمرير تلك التنازلات بصورة تحفظ ماء وجه الطبقة الحاكمة في طهرانmiddot; ولكي تثبت طهران حسن نيتها عليها أن تقبل بعرض موسكو الذي يقضي بتخصيب اليورانيوم في روسيا بدلا من إيرانmiddot; وفي المقابل يتعين على الولايات المتحدة أن ترفع العقوبات الأحادية على طهران لأن ذلك لا يؤثر في شيء على النظام الحاكم بقدر ما يؤذي المدنيين الإيرانيينmiddot;
درويش زاهدي
أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا
أوميد ميماريان
صحفي إيراني
ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''نيويورك تايمز''
التعليقات