الأحد:15. 01. 2006

مسعود ضاهر

يعيش الشباب اللبناني ازدواجية الانتماء السياسي والطائفي في مرحلة بالغة الخطورة حيث تشهد منطقة الشرق الأوسط تبدلات جذرية غير واضحة المعالم. وقد حذر عميد الصحافة اللبنانية، غسان تويني، في مقالة صدرت بتاريخ 9 ديسمبر/ كانون الأول 2006 في جريدة ldquo;النهارrdquo; تحت عنوان ldquo;حذارِrdquo; ldquo;حرب آخرينrdquo; ldquo;لا يبقى بعدها لنا تاريخ ولا من يؤرخون!rdquo; من خطورة هذه المرحلة لأن أطرافا عدة، لبنانية وغير لبنانية، صديقة وعدوة، تتهيأ للانقضاض على لبنان، أي على اللبنانيين جميعا في وقت لا يظهر فيه زعماء لبنان الحد الأدنى من العقلانية في ممارسة العمل السياسي، ولم يتعلموا شيئا من تاريخ الدماء والدمار في لبنان. ورأى بحق أن المطلوب من كل مواطن ان يكون خفيراً لهذا ldquo;السلم الأهليrdquo;. وأن يرفض كل مواطن السلاح الذي يوزع عليه. فالسلاح يستدرج سلاحاً مقابلاً. ولا بد من حركة تمرد عظمى على محاولة إشعال أي حرب في لبنان، أياً كان الذي يشعلها وكيفما كانت الصورة التي تزين بها.فمن الرصاصة الأولى ستنطلق بقية الرصاصات، وكلها قاتلة، مجرمة، ومشبوهة.

المسألة إذن في غاية الخطورة لأن الشباب اللبناني يعيش ازدواجية خطرة ناجمة عن مأزق المجتمع اللبناني المنقسم طائفيا. ويجبر الشاب اللبناني على أن ldquo;يولد ويعيش ويتزوج طائفياrdquo; على حد تعبير الحقوقي الكبير أدمون رباط. فجميع أشكال الوعي لديه هي انتماءات موروثة، وتبرز من خلال مؤسسات المجتمع الأهلي. فالعائلية والطائفية شكلان موروثان من الوعي، وليست لدى الشاب اللبناني القدرة على التخلص منهما. وشرط التخلص منهما وجود دولة عصرية ترتقي بالانتماء الطائفي الموروث إلى الانتماء إلى الوطن. والدولة العصرية هي التي تحمي الإنسان كمواطن حر، في بلد يتمتع بالاستقلال والسيادة وقادر على حل مشكلاته من دون تدخلات خارجية.

لكن شباب لبنان اليوم يعيش في ظل دولة مفككة تفتقر إلى الطابع الوطني. وهو عاجز عن تجاوز الانتماءات السابقة وصولا للانتماء إلى الوطن. فلا يمكن تصور المواطنة السليمة في دولة لا يستطيع قادتها أن يتفاهموا على مقومات بناء الدولة العصرية وابرزها: روح المواطنة، والمساواة أمام القانون، وتعزيز دولة القانون والمؤسسات، وبناء الجيش الوطني الذي يلعب دور الحامي لهذه المؤسسات. لا بد إذن من حماية لبنان من مخاطر حرب جديدة. ومشكلة الشباب اللبناني أنه يتربى في مؤسسات طائفية هي أكثر تأثيرا من مؤسسات دولة عجزت عن بناء مؤسساتها بنفسها على أسس عصرية سليمة، وما زالت أسيرة انتماءات طائفية سابقة على الدولة.

لقد عاد اللبنانيون بعد الحرب الأهلية الى مرحلة ما قبل قيام الدولة العصرية. وانتقلوا من مجتمع الحرب الى مجتمع السلم بقيادة زعماء الحرب أنفسهم. فهيمنت الذهنية الميليشياوية على الدولة اللبنانية، وأعاقت بناء جميع مؤسساتها على أسس وطنية سليمة. فكيف يستطيع الشباب اللبناني تشكيل وعي ديمقراطي في ظل ممارسات غير ديمقراطية؟ وكيف يكون بمقدوره العيش في وطن حر وليست لديه أحزاب ومؤسسات ترفع وعيه إلى المستوى الوطني؟ وكيف تولد مواطنة جامعة دون احترام مبادئ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات؟

لذلك يجد شباب لبنان أن الأبواب مغلقة بالكامل أو شبه مغلقة أمامه من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فيختار طريق الهجرة إلى الخارج من دون رغبة بالعودة إلى وطن لم يؤمن له مقومات الحياة الكريمة لبناء عائلة مستقرة. فهناك مشكلة بناء دولة عصرية ليس في لبنان فحسب بل في جميع المنطقه العربية.

على جانب آخر، لا يمكن إلغاء الطائفية السياسية إلا في سياق مشروع إصلاح تدريجي لتجاوز معوقات بناء الدولة العصرية. فيأتي إلغاؤها في سياق تطبيق الديمقراطية والعلمانية والليبرالية. فكيف يمكن إلغاء الطائفية السياسية في مجتمع يولّد أجيالا طائفية؟ لذلك على قادة لبنان أن يبنوا دولة قابلة للحياة، وتحمي السلم الأهلي، والاستقرار، والأمن. وقد شهد لبنان صراعا عنيفا داخل الطوائف ذهب ضحيتها آلاف الشباب في تصفيات متبادلة. فالخسائرالبشرية غالبا ما تكون أكثر في الصراع على زعامة الطائفة وليس مع الطوائف الأخرى.

أخيرا، ليس من شك في أن المستفيد من النظام الطائفي هم الحريصون على استمراره بالدرجة الأولى، أي الطاقم السياسي الحاكم. فاللبناني الذي لا يتمتع بالكفاءة ولديه دعم زعيم الطائفة هو من يصل إلى أعلى المراكز في أجهزة الدولة اللبنانية بحكم طبيعة النظام الطائفي نفسه. في حين أن أصحاب الكفاءة من الذين يحاولون الاعتماد على أنفسهم وليس على دعم زعماء طوائفهم، فغالبا ما يدفعون الثمن. ولا يمكن أن تتطور الدولة من دون إصلاح بناها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فالنظام الطائفي في لبنان يهدد بقاء لبنان، دولة ومجتمعا، لأن العوائق الطائفية تمنع قيام الدولة الوطنية العادلة القادرة على حماية التنمية البشرية المستدامة.

إن مشاركة الشباب اللبناني في النزاعات السياسية الراهنة لن تكون فاشلة فحسب في حال اقتصرت على الشعارات الطائفية، بل ستكون مدمرة للمجتمع اللبناني بجميع طوائفه وفئاته الاجتماعية. والمواجهة الحقيقية التي يتوجب عليه خوضها هي مع فساد السلطة السياسية الحالية والعمل على بناء دولة عصرية تتجاوز الأطر الطائفية، وتشجع المواطنية الصحيحة من خلال ديمقراطية سليمة، ودولة عادلة تعزز الرفاه الاقتصادي والتنمية البشرية.

يعيش شباب لبنان اليوم مرحلة الطائفية المتفجرة التي تتجلى يوميا في خلاف زعماء الطوائف على اقتسام مغانم الدولة. وقد تتحول في أي لحظة إلى طائفية مدمرة بعدما كثرت اتهامات زعماء الطوائف، بعضهم للبعض الآخر، بالتسلح، وتدريب الشباب على السلاح مما ينذر بنزولهم مجددا الى الشارع بكثافة، فينزلق الجميع إلى حرب أهلية، يتبعها تهجير قسري. وتنهار الدولة ومؤسساتها، ومعها السلم الأهلي. ومن واجب حكماء لبنان اليوم، على قلتهم، منع الطائفية من التحول إلى حرب مدمرة، وعلى الجميع أن يعملوا بسرعة لإعادة لبنان إلى مرحلة الاستقرار والتهدئة بعدما تم شحن شباب الطوائف لدرجة تهدد بانفجار حرب أهلية جديدة.