الأحد:15. 01. 2006

د. حسن مدن

ليس بعيداً عن أجواء مقال: ldquo;الضحك.. التهكم.. الألمrdquo; الذي نشر في هذه الزاوية منذ أيام قليلة، ووردت فيه إشارة عابرة إلى معاناة الشاعر الكبير بدر شاكر السياب، طالعت أمس نصوص رسائل السياب إلى أصدقائه من الأدباء والشعراء، التي جمعها في كتاب وقدّم لها ماجد السامرائي. جزء كبير من هذه الرسائل كتبها السياب فترة مرضه، في مدينته البصرة، قبل أن ينتقل للعلاج في المستشفى الأميري في الكويت. لذلك ما من رسالة تخلو من شكواه من سوء حالته الصحية، وهو إن تحدث عن تحسن فيها، فيصفه بالتحسن البطيء أو أحياناً البطيء جداً. الرسائل موجهة إلى عدد من الأسماء المعروفة بينها أدونيس وتوفيق الصايغ وسهيل ادريس وجبرا ابراهيم جبرا ويوسف الخال وعبدالكريم الناعم وأحمد دحبور وآخرين.

وهو في رسالة إلى سيمون جارجي في باريس يطلب منه سؤال طبيبه المعالج عن أمر الآلام التي يعاني منها في عموده الفقري، الذي يعتبره أكبر نقطة ضعف في جسمه، يقول عنه: ldquo;انه لا يعينني على المشي جيدا، بل انه يخذلني مرات عديدة حتى انني أسقط على الأرض بينما أمشي (متوكئاً على العصا طبعاً)، راجياً من صديقه أن يسأل الدكتور عن دواء عله يساعده. وفي رسالة ثانية إلى سيمون أيضاً يقول انه سيؤجل سفرته من البصرة إلى بغداد، لأن الضعف في عموده الفقري لا يمكّنه من ارتقاء السلالم التي لا يخلو منها فندق من فنادق بغداد، التي تقع ضمن إمكاناتي المالية، حسب تعبيره.

لكن من أكثر الرسائل مدعاة للتأثر تلك المكتوبة من البصرة في 11/9/1963 إلى عاصم الجندي، والتي يقول فيها انه يمر بمرحلة خطيرة من مراحل العلاج لم يستطع الطب البريطاني ولا الطب الفرنسي أن يشفي علته، فلجأ آخر الأمر الى الطب الشعبي العربي. يقول السياب بالحرف: ldquo;أخذت بقول نبينا الكريم: ldquo;آخر العلاج الكيrdquo;. نعم، لقد جربت الكي بأسياخ الحديد المحماة على يد طبيب بدوي، إن نتائج هذا العلاج الكاملة لم تظهر بعد، لأن الجراح التي سببها الكي لم تشف، رغم مرور أكثر من عشرين يوماًrdquo;.

تضج الرسالة المحزنة، رغم ذلك، بالآمال والحنين، مما يكشف الروح الشفيفة للشاعر. انه يعبر عن أمله في زيارة قريبة للقاهرة وبيروت: ldquo;أفكر في هذا الشتاء بزيارة القاهرة بعد إلحاح من بعض اصدقائي الأدباء هناك على ذلك. سأمر ببيروت في طريقي إليها وأمكث فيها يومين أو حوالي ذلك. كل شيء يتوقف على صحتي طبعاًrdquo;.

ثم انه يعبر عن استعادة حميمية لذكرياته في بيروت، فيسأل الجندي عن حال ندواتهم الأدبية في مقهى ldquo;الانكل سامrdquo; وهو مقهى شهير في رأس بيروت بجوار الجامعة الامريكية: ldquo;كم أنا مشتاق إلى جلسة فيه وارتشاف فنجان من القهوة (سكرّ زيادة).. قهوة تركية طبعاً، وسماع أغنية من أغاني زنوج أمريكا:

Come back, back no more

ldquo;فهل يسمح الزمن بتحقيق هذه الرغبة من رغباتي؟rdquo;

ثم إن مزاج المرض لم يمنع قلب الشاعر من الخفقان بالحب، انه يتحدث عن قصيدة نثر لشاعرة لبنانية شابة، كان لديه ميل قوي نحوها، للدرجة التي جعلته يكتب عنها ثلاث قصائد، يسأل الجندي عن طريقه لتدبر نشرها في مجلة ldquo;شهرزادrdquo;. ألم نقل ان المتألمين يحبون الحياة أكثر من سواهم؟