الأحد:15. 01. 2006


خيرالله خيرالله

لم تحل الأنتخابات العراقية الأخيرة أي مشكلة، كلّ ما في الأمر ان أصواتاً في واشنطن تدعم الأدارة التي تعاني من مأزق، باتت قادرة على القول ان العراق يسير في الطريق الصحيح وأن ألأوضاع فيه تتحسن أستناداً الى الخطة الأميركية المرسومة سلفاً. والحقيقة أنه لم تكن هناك خطة لما بعد أحتلال العراق ولم يكن هناك من يخططون لشيء بأستثناء الفوضى وتقسيم البلد كما تبيّن لاحقاً. وفي حال عدنا سنوات قليلة الى خلف، يظهر أن قرار أجتياح العراق وأسقاط النظام فيه أتخذ في ظروف لا تزال الى الآن غامضة خصوصاً بعدما تأكّد أن كل المبررات التي أستندت اليها أدارة بوش الأبن لا أساس لها.
يمكن بالطبع تبرير قرار أسقاط النظام العراقي بالقمع الذي مارسه طوال ما يزيد على ثلاثة عقود. لم يكن هناك في بغداد نظام له علاقة بالعراق والعراقيين، بمقدار ما أنه كانت هناك زمرة أستولت على السلطة وقررت الأحتفاظ بها بغض النظر عن الطريقة التي يمكن اللجوء اليها لتحقيق هذا الهدف وبغض النظر عن عدد العراقيين الذين يقتلون أو يزجّ بهم في السجن. كان هناك شيء أسمه quot;نظام المقابر الجماعيةquot;. وكان هذا النظام على أستعداد للتضحية بالعراق والعراقيين من أجل السلطة ولا شيء غير السلطة. من يتذكر كيف أن صدّام حسين، وكان لا يزال نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة، وقع أتفاق الجزائر مع شاه أيران في آذار- مارس من العام 1975 متخلياً عن الكثير من الحقوق العراقية من أجل ضمان بقاء النظام في السلطة. نسي صدّام فجأة كل الكلام الذي كان يقوله عن أيران- الشاه ومطامعها ودعمها للتمرد الكردي في الشمال. نسي كل شيء من أجل السلطة وضحى بحقوق العراق والعراقيين كي يضمن أنهيار التمرد الكردي. وفجأة صار الشاه، عدو الأمس، حليفاً للبعث العراقي بعدما كان يعتبر الى ما قبل أيام حليفاً لأسرائيل تطلق عليه كل الصفات والنعوت التي تليق بمثل هذا الحليف.
نعم، كان هناك مبرر لأسقاط النظام العراقي الذي لم يشكل خطراً على العراق والعراقيين فحسب، بل صار بعبعاً أقليمياً يهدد جيرانه أيضاً. يكفي ما فعله النظام العراقي في الكويت وشعبها الآمن المسالم كي يكون هناك سبب كاف لأسقاطه ورميه في مزبلة التاريخ، يضاف الى ذلك بالطبع ما فعله بالعراقيين الذين حرمهم من التمتع بثروات وطنهم والعيش عيشة كريمة الى حدّ ما لها علاقة بالأنسان العادي الذي خلقه ربه حرّاً وليس عبداً للبعث وصدّام.
على الرغم من الأسباب الكثيرة التي يبرر كل منها أسقاط صدّام ونظام العائلة الذي يستخدم البعث غطاء للبطش والسرقة والفساد ، أختارت الأدارة الأميركية كل الأسباب الواهية لشن حرب وأحتلال العراق بدءاً بما أدعته عن امتلاك صدّام اسلحة للدمار الشامل وأنتهاء بالتشديد على علاقته بتنظيم quot;القاعدةquot;، علماً بأن الرئيس العراقي المخلوع المعروف بجبنه مثله مثل أي رئيس قاتل آخر، تخلى بسرعة عن كل ما لديه من أسلحة محظورة فور أكتشافه أن هناك اصراراً دولياً حقيقياً على تجريده منها. أن صدّام البعثي الجبان في طبيعته لا يفهم سوى لغة القوة والدليل أنه لم يقاوم يوماً الأميركيين عندما هاجموه عسكرياً اكان ذلك في الكويت أو خارج الكويت وفضّل الهرب على الأنتحار كما يفعل القادة السياسيون والعسكريون الكبار عندما يخسرون المعركة! والمقصود هنا القادة الذين على أستعداد لتحمّل مسؤوليات القرارات التي يتخذونها!
في كل الأحوال لا يزال السبب الذي دفع بالأميركيين الى اجتياح العراق لغزاً. دولة عظمى، بل القوة العظمى الوحيدة في العالم تقرر أحتلال بلد مهم مثل العراق وهي تعرف جيداً أن كا المبررات التي أستندت اليها لا علاقة لها بالحقيقة والواقع. ربما كانت الحال التي وصل اليها العراق بعد سنتين وتسعة أشهر على سقوط بغداد توفر تفسيراً لحرب العراق التي جاءت في سياق الحرب على الأرهاب. كل ما يمكن قوله الآن عن الوضع العراقي، أن البلد خلافاً لما يدعيه الأميركيون في خضم حرب أهلية تخاض على اساس مذهبي. لم يكن كافياً أن يشارك أهل السنة من العرب بكثافة كبيرة في الأنتخابات الأخيرة كي تتوقف الحرب الأهلية ويتوقف الأرهاب الذي يصفه الموتورون بأنه مقاومة. اكثر من ذلك أن الأمور تتجه الى قيام كيانين في العراق الأول شيعي في الجنوب يسيطر على معظم الثروة النفطية والآخر كردي في الشمال يتمتع بقسم من النفط الذي تختزنه أرض المنطقة خصوصاً في محيط كركوك. أما الكيان الثالث الذي يبقى للسنة العرب فيكون خالياً من النفط تقريباً ولا يجد أهله ما يفعلونه سوى السعي الى تدبر أمورهم بأنفسهم من دون أن يكون هناك مانع في أستمرار الفوضى الى ما لانهاية داخل هذا الكيان. هذا ما وصل اليه العراق حالياً، أو على الأصح هذا ما هو في صدد الوصول اليه. هل هذا تخطيط أميركي أم تخطيط الذين دفعوا الأدارة الأميركية الى الحرب للوصول الى الوضع الراهن؟ ثمة من يقول أن المهم كان أعادة رسم خريطة الشرق الأوسط أنطلاقاً من العراق. هذا ما حصل بالفعل. هناك حالياً خريطة جديدة للمنطقة فرضها أنفلات الغرائز المذهبية والقومية في العراق وفقدان القدرة على السيطرة عليها. والسؤال الذي يحضر بقوة هذه الأيام ما تأثير ما يحصل في العراق على دول الجوار؟ وما الذي ستفعله أيران التي تمتلك نفوذاً كبيراً في البلد بعد دخولها في مواجهة مع المجتمع الدولي بسبب أصرارها على برنامجها النووي؟ أنه السؤال الأهم على الصعيد الأقليمي في بداية السنة الجديدة.