الإثنين:16. 01. 2006


rlm;دrlm;.rlm; علي جمعـة
مفتي جمهورية مصر




نقطع تسلسل ما بدأناه بالكلام عن النسبي والمطلق حيث بقيت لنا حلقة واحدة فيهrlm;,rlm; وذلك لهذا الحدث المروع الذي يجب ألا يمر مرور الكرامrlm;,rlm; وأن نقف عنده لنقرأ حال الأمة من خلالهrlm;,rlm; ولنضع أيدينا علي الخلل في التفكير الفقهي الذي أدي إلي الحادث المأسويrlm;,rlm; فمات نحو ثلاثمائة وأربعة وستين من الرجال والنساءrlm;,rlm; ومن جنسيات كثيرةrlm;,rlm; وأصيب آخرون بإصابات مختلفة وهم يؤدون منسكا من المناسك التي لها دلالة نفسية يمنع من تحصيلها والتمتع بأثرها هذه الأزمة الفكريةrlm;,rlm; وهذه الحالة بالعقلية الفقهية التي يصر عليها الكثيرrlm;.rlm;

rlm;1rlm; ـ لقد من الله علي بالحج هذا العامrlm;,rlm; واتصل بي في مكة رئيس بعثة الحج المصرية معالي الوزير سامح فهمي بغرض الاجتماع ببعض أعضاء البعثةrlm;,rlm; حيث فهموا من كلام بعض العلماء في مكة أنه لا يجوز الرمي إلا من الزوال إلي المغربrlm;,rlm; وأن من يفعل غير ذلكrlm;,rlm; فقد ارتكب حراما وتحمل إثماrlm;,rlm; وأن المسلم جاء هنا ليغسل الذنوب لا ليرتكبهاrlm;,rlm; وفهموا أن الحج بهذه الصفةrlm;(rlm; أعني أنهم يرمون في أي ساعة من الليل أو النهارrlm;)rlm; يكون منقوصاrlm;,rlm; بل فهم بعضهم أنه يكون باطلاrlm;.rlm;

هذا في حين أن السلطات السعودية قد حددت أوقاتا لكل بعثة ولكل دولةrlm;,rlm; فكان نصيب مصر من الساعة الثانية عشرة والنصف مساء الساعة إلي السابعة صباحاrlm;,rlm; وهو ما يعني أن سلطات تنظيم الحج قد أخذت بالفتوي الصادرة من جهات عديدة في السنين الماضية بأنه يجوز للمسلم أن يرمي الجمرات في أي ساعة شاء من ليل أو نهارrlm;.rlm;

وهو نص البيان الذي أصدره مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريفrlm;(rlm; هيئة كبار العلماءrlm;)rlm; وأصدرت دار الإفتاء المصرية هذا المعني مراراrlm;,rlm; وهو أمر قد صدرت فيه فتاوي من العلماء منذ أكثر من ثلاثين سنةrlm;,rlm; بل إنه في الفقه الإسلامي الموروث ذهب إليه اثنان من كبار المجتهدينrlm;,rlm; وهما طاوس بن كيسان اليمانيrlm;,rlm; ومجاهد وكان من تلامذة حبر الأمةrlm;,rlm; وابن عم النبي صلي الله عليه وسلم عبدالله بن عباس رضي الله تعالي عنهماrlm;,rlm; وكثير من المحدثين منهم العلامة عبدالله آل محمود وألف فيها كتاباrlm;,rlm; والعلامة الشيح يوسف القرضاويrlm;,rlm; وغيرهم كثيرrlm;.rlm;

ولقد أيدت وزارة الحج السعودية هذه الفتوي واعتمدتها في العمل من السنة الماضيةrlm;,rlm; ولذلك رأينا أن البنود لا تمنع الناس لأداء هذا المنسكrlm;,rlm; في أي وقت كانrlm;,rlm; كما كان يحدث في سنين ماضيةrlm;,rlm; حيث لم يكن عدد الحجاج قد زاد إلي هذا الرقم الكبيرrlm;,rlm; فقد وصل إلي ثلاثة ملايين في هذا العامrlm;.rlm;

rlm;2rlm; ـ الأزمة تبدأ في الفكر الفقهي الذي يأبي الاجتهاد ويجهلهrlm;,rlm; والاجتهاد هو بذل الوسع في فهم النصوص الشرعية لاستنباط الأحكام منهاrlm;,rlm; ولقد ركد الفكر الفقهيrlm;,rlm; وركن إلي التقليد وإلي الاكتفاء بفقه الأوراقrlm;,rlm; دون رغبة في دراسة الواقعrlm;,rlm; وهو أمر جد خطير ليس فقط في حدوث مثل هذه الحوادثrlm;,rlm; بل إنه خطير أيضا من الناحية الدينية التي تري في هذا التصرف نوعا من الضلال والإثم أن ينظر أحدهم إلي ما سطر في الكتب فيوقعه في فتاويه من غير نظر إلي الواقع الذي يفتي فيهrlm;.rlm;

ويقول القرافي في كتابه الفروقrlm;:(rlm; والجمود علي المنقولات أبدا ضلال في الدينrlm;,rlm; وجهل بمقاصد علماء المسلمينrlm;,rlm; والسلف الماضينrlm;)[rlm; الفروق للقرافيrlm;178,177/1],rlm; وهو يؤيد ما سطره ابن تيمية في كيفية الفتوي من وجوب إدراك الواقعrlm;,rlm; وأن الفتوي مبنيةrlm;(rlm; علي أصلينrlm;:rlm; أحدهماrlm;:rlm; المعرفة بحالهمrlm;,rlm; والثانيrlm;:rlm; معرفة حكم الله في مثلهمrlm;[rlm; مجموع الفتاويrlm;510/28]rlm; فالمعرفة بالحال جزء لا يتجزأ من الفتويrlm;.rlm;

rlm;3rlm; ـ فظهر لنا إذن أن قصر الرمي علي ما بعد الزوال ليس محل اتفاق أو اجماع بين العلماءrlm;,rlm; وعلي ذلك فهو من المسائل المجتهد فيها التي يجوز لنا أن نفهم النص لتحقيق مصلحة الواقعrlm;,rlm; وليس في هذه المسألة نص بذاتهاrlm;,rlm; بل إنه مأخوذ من عموم قوله صلي الله عليه وسلمrlm;:(rlm; خذوا عني مناسككمrlm;)[rlm; رواه البيهقيrlm;]rlm; مع أنه صلي الله عليه وسلم قد رمي الجمرة عند الزوال قبل الصلاةrlm;.rlm;

وهذا العموم مع ذلك الفعل لا يدل علي الوجوب الذي ذهب إليه كثير من العلماء عبر التاريخrlm;,rlm; فالمناسك منها ما هو ركن كالوقوف بعرفةrlm;,rlm; وطواف الإفاضة والسعيrlm;,rlm; ومنها ما هو ركن وفيه خلاف في ركنيته كالحلق والتقصير لشعر الرأسrlm;,rlm; ومنها ما هو واجب لو فاته الحاج بعذر فلا إثم عليه ويجب عليه أن يذبح ذبيحة للهrlm;,rlm; ولو تركه بغير عذر فهم آثمrlm;,rlm; ويذبح نفس الذبيحة أيضاrlm;,rlm; ومنها ما هو سنة أو هيئة من سنن أو هيئات الحج تاركها لا إثم عليه ولا ذنبrlm;,rlm; فالقول بالوجوب استدلالا بعموم ذلك الحديث محل نظر واجتهاد منذ القدمrlm;,rlm;

والتمسك بهذا الفهم مع هذه الحالة الموجودة نوع من أنواع الضلالة كما يقول القرافي رحمه الله تعاليrlm;.rlm;

ويؤكد ذلك المعني قوله صلي الله عليه وسلمrlm;:(rlm; صلوا كما رأيتموني أصليrlm;)[rlm; رواه البخاريrlm;]rlm; فالصلاة هدفها الخشوعrlm;:(rlm; قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعونrlm;)[rlm; المؤمنونrlm;:2,1]rlm; وذلك حتي يتذكر المؤمن ربهrlm;,rlm; فيقلع عن الفحشاء والمنكرrlm;(rlm; وأقم الصلاة إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكرrlm;)[rlm; العنكبوتrlm;:45],rlm; والصلاة تشتمل علي أركان وسنن وهيئات فلا تصح إلا باستيفاء أركانهاrlm;,rlm; ولكن وضع اليمني علي اليسريrlm;,rlm; ورفع اليدين عند التكبيرrlm;,rlm; وقولنا سمع الله لمن حمده هيئاتrlm;,rlm; لا تبطل الصلاة بتركهاrlm;.rlm;

وليس معني قوله صلي الله عليه وسلمrlm;:(rlm; صلوا كما رأيتموني أصليrlm;)rlm; أن كل هذه الهيئات من أركان الصلاةrlm;,rlm; بل ولا أن تركها يستوجب إثماrlm;,rlm; ولكن الإثم الصحيح هو أن يشتغل بهذه الهيئات حتي يذهب خشوعهrlm;,rlm; وحتي تصير الصلاة مجرد شعيرة ظاهرية لا علاقة لها بأن يترك الفحشاء أو المنكر التي يمارسها خارج الصلاةrlm;,rlm; فتفقد الصلاة بهذا الاهتمام الزائد هدفها ومراد الله فيهاrlm;.rlm;

وكذلك واجب الرميrlm;,rlm; له هيئة في الزمان لا تجعلنا نهلك أنفسناrlm;,rlm; ولم يأمرنا الله بذلكrlm;,rlm; بل أمرنا بخلافه فقال تعاليrlm;:(rlm; ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكةrlm;)[rlm; البقرةrlm;:195]rlm; وقالrlm;:(rlm; ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماrlm;)[rlm; النساءrlm;:29]rlm; وقالrlm;:(rlm; ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلونrlm;)[rlm; الأنعامrlm;:151]rlm;

فإذا انضم إلي ذلك أن الحج بني علي التيسيرrlm;,rlm; فلم يسأل فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم عن شئ قدم أو آخر إلا قالrlm;:(rlm; افعل ولا حرجrlm;),rlm; ولم يسأل عن شئ فيه عذر من تأخير في الزمان أو ضيق في المكانrlm;,rlm; أو حال اعترت من حج معه إلا وقد أباح له ذلكrlm;,rlm; فأين هذا من عقلية قد أغلقت نفسها علي الأوراق فضاع من ضاع بسببهاrlm;.rlm;