عبد الرحمن الراشد

ليس صعبا ان نفهم لماذا أحب الكويتيون أميرهم الشيخ جابر الأحمد الصباح، ويكفي ان نقول انهم يعلمون حق العلم انه بصولجانه وعمره المديد في الحكم لم يسئ لأحد قط مهما اشتدت عليه الأزمات. ان تحب زعيما صفة نادرة، حيث اعتدنا ان يهاب الناس حكامهم، او يخافون سلطانهم، او يتقون شرهم. أمير الكويت الذي رحل بالأمس مر باعظم ابتلاء يمكن ان يتعرض له أي زعيم في العالم، فقد اسقطت دولته ونفيت حكومته، وشرد شعبه في فجر الثاني من اغسطس من عام 1990. الكويتيون التفوا حوله في اضعف ايامه في المنفى وهتفوا له كحاكم بعد عودتهم.

لم يكن الكويتيون مضطرين للقبول بنفس النظام، ولم يكن الأمير العائد يستطيع ان يكون حاكما بلا قبول الناس به وبنفس النظام الذي سبق أن اسقطه المحتل العراقي. وهنا برز شخص الأمير وظهرت محبة الناس له وكان ذلك وراء التفافهم حوله في المنفى وخلفه بعد تحرير البلاد. الحقيقة الأكيدة ان الكويتيين لم يسيروا وراء الأمير كقطيع هائم على وجهه بل جاء موقفهم جماعيا آخذين في الاعتبار مسألة مهمة سبقت الامتحان الكبير. فقد كان المجتمع السياسي الكويتي يمور بجدل وخلافات ومطالب بين فئات المجتمع حول الكيفية السياسية لادارة الدولة، ورغم اختلافاتها اجمعت بعد الغزو على النظام واعادت تأكيدها على ولائها للأمير وامارته. كانت تلك أكبر لطمة لصدام حسين الذي ظن انه باحتلاله الكويت يستطيع ان يستثمر الخلافات المحلية ويعتمد مشروعية حكم بديلة تتبع له ابتلاع الكويت بدعوة من الكويتيين.

والشيخ جابر كما عرفه اهل الكويت عاش حياة بسيطة وكان يمضي وقت استراحته في حديقة بيته يعتنى بالنباتات والزهور ويحتفي بصغار أحفاده. وفي ذروة زمن نشاطه كان ملتزما بالمنهج السياسي الكويتي. فهو على رأس السلطة لكن تبقى السلطات التنفيذية لرئيس الوزراء والحكومة ولم يعرف عنه انه تدخل في ما منحه لغيره من صلاحيات. مثل هذا الانضباط امر نادر في دهاليز السلطة في اي مكان في العالم.

حتى لم نعرف عن الأمير الراحل أي رغبة في الظهور بل كان معتزلا الدعاية ويتجنب مقابلة الصحافيين الا في لقاءات او رحلات رسمية، وكم كان نادرا ان نقرأ له تصريحا. وذات مرة ظهرت احدى المجلات العربية بحديث مطول مع الشيخ جابر يعلق فيه على أحداث العالم وسط دهشتنا جميعا، فالأمير عرفناه لا يتحدث. وبعد تقصي الحقيقة وجدنا ان الزميل حضر مجلسا مفتوحا جلس في صدره الأمير الراحل ولم يكن هناك حديث بل جملة تعليقات من الجالسين وتطوع الصحافي الى ترجمتها كحديث لم يكن أصلا ولم يصدقه أحد لأن الرجل عرف بعزوفه عن الاحاديث والظهور الاعلامي.

[email protected]