عيون واذان
جهاد الخازن
سواء مات آرييل شارون غداً او عاش سنوات اخرى، فهو يبقى ذلك القاتل الجماعي وعدو السلام.
لو كان الرجل انساناً عادياً آخر لربما كان واجباً ان يعامل بأسلوب laquo;اذكروا حسنات موتاكمraquo;، الا انه من دون حسنات، وهو شخصية عامة تقوّم على اساس ما حققت او لم تحقق.
ما كنت لأعود الى شارون لولا انني أقرأ عنه في نزعه الأخير كلاماً لا يمتّ الى الحقيقة بصلة، أخشى ان يصبح غداً جزءاً من تاريخ الرجل والمنطقة. وفي حين ان بعض الكلام متوقع بسبب مصدره، كرأي المهاجر الروسي المتطرف ناتان شارانسكي، فإن هناك آراء اخرى من مصادر ذات صدقية واحترام، ومجلة laquo;تايمraquo; التي أقرأها منذ وعيت القراءة جعلته موضوع غلافها الأخير وهي تسأل laquo;ماذا بعد شارونraquo; وترد على نفسها من دون ان تقول ان الوضع بعده لا يمكن ان يصبح أسوأ مما كان معه، فقد مارس القتل منذ اول يوم له في الجندية، وحتى آخر يوم عمل له في رئاسة الوزارة، وقام بينهما بكل خطوة ممكنة لتدمير السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين.
هذا هو شارون، وكل كلام غيره في كذب شعب الله المختار والارض الموعودة. من قال ان الله اختار هذا الشعب؟ الشعب قال هذا لا الله، ومن قال انه وعدهم بالأرض؟ مرة اخرى، الشعب قال هذا لا الله.
لا أريد أن أدخل في متاهة دينية، فما سبق مثل ان اقول ان الله وعدني بولاية كاليفورنيا، ولكن أبقى مع شارون، وليزا باير تسأل في مجلة laquo;تايمraquo; كيف ان شارون الذي قضى عمره وهو يثير غضب اعداء اسرائيل اصبح افضل أمل للسلام عند هؤلاء الأعداء.
الكاتبة تقول هذا ولكن لا يقوله أحد من laquo;أعدائهraquo;، وقد سمعت كلامهم عنه مباشرة، وبعضه كان صريحاً للغاية على اساس انه ليس للنشر، فلم اسمع من قادة مصر وسورية والمملكة العربية السعودية والخليج ولبنان والاردن وتونس والمغرب (كلهم حدثني ونشرت اكثر ما سمعت) ان آرييل شارون رجل سلام او ان السلام ممكن معه.
مرة أخرى أنا لا اتحدث عن جار توفي فيذكر بالخير مهما كانت صفاته، وانما عن الإرث الشخصي والسياسي لمجرم حرب من مستوى نازي.
أول ما سجل من تاريخ شارون الأسود قتل امرأتين من قرية قطنة، وآخر ما سجل قتل ايمان الهمص وبنات مدارس صغيرات مثلها في قطاع غزة. بين هذين الحادثين هاجم مخيم البرج في قطاع غزة فقتل 15 شخصاً بينهم نساء وأطفال، وقاد الغارة على قبية حيث قتل 69 شخصاً معظمهم من النساء والاطفال، وغارتين من دون استفزاز على قاعدة مصرية في سيناء قتل فيها 38 جندياً مصرياً في شباط (فبراير) 1955، وعلى خمسة مواقع سورية قتل فيها 56 جندياً في كانون الاول (ديسمبر) من السنة نفسها، وعلى قلقيلية حيث قتل 88 شخصاً معظمهم من المدنيين. وعندما عيَّن شارون مسؤولاً عن قطاع غزة، وكان مساعده مجرم الحرب الآخر مائير داغان الذي اختاره بعد ذلك لرئاسة الموساد، قتل 742 فلسطينياً بين تموز (يوليو) ونهاية 1971 فقط. وعندما عاد رئيساً للوزراء من 2001، وحتى مرضه الحالي قتل اكثر من 3300 مدني فلسطيني، بينهم 660 ولداً دون الخامسة عشرة. اما اجتياح لبنان فأدى الى قتل ألوف المدنيين من الحدود وحتى بيروت حيث وقعت مجزرة صبرا وشاتيلا بتحريض منه.
كل ما سبق، بما فيه كلمة laquo;تحريضraquo; التي اخترتها، موجود في مراجع اسرائيلية خالصة، فأنا لا أخترع شيئاً وانما اغترف من تاريخه المكتوب، ثم اسمع انه رجل سلام، او انه كان سيحقق السلام لو طال عمره النجس.
هذا كذب على التاريخ الذي لم أدون منه هنا ما ارتكب من اخطاء في حروبه، ومن جرائم ومخالفات، وما اتهم به من فساد، في اسرائيل وضد اسرائيليين.
التاريخ الحقيقي لشارون هو انه دنّس الحرم الشريف بزيارته وأطلق انتفاضة الأقصى فدمر سلاماً كان في متناول اليد، وأريد قبل أن أكمل أن ادين الجانب الفلسطيني وتلكؤه وتردده وتأخيره، مما مكن شارون من تحقيق هدفه في قتل السلام.
التاريخ الحقيقي هو ان الفلسطينيين والاسرائيليين توصلوا الى اتفاق نهائي على السلام قرب نهاية كانون الثاني (يناير) 2001، وقد رأيت خرائط الاتفاق التي حملها الدكتور صائب عريقات في جناح الرئيس ياسر عرفات، في فندق نزل فيه خلال اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس تلك السنة. هذا تاريخ سجلته في حينه في هذه الزاوية، وهناك شهود عليه أحياء وعدول.
الاسرائيليون اختاروا آرييل شارون بعد ذلك بأسابيع لقيادتهم، وكان ما كان من تدمير عملية السلام نهائياً، فلو عاش مجرم الحرب هذا عشر سنوات اخرى او عشرين لبقي السلام مستحيلاً معه، والانسحاب من قطاع غزة كان ضمن مخطط قتل السلام لا خطوة على سبيله، فشارون فر من القنبلة السكانية الفلسطينية، وليستطيع الاحتفاظ بأجزاء كبيرة من الضفة الغربية.
أدين شارون من دون ان أبرئ الفلسطينيين، فأبو عمار لم يخط الخطوة الاخيرة، ولا أزال احاول ان افهم اسبابه، وهو سهّل مهمة شارون، وجاءت الانتفاضة الثانية، مع ما فيها من سلاح، لتخيف الاسرائيليين وتنقلهم من اليسار الى اليمين من دون ان يتوقفوا في الوسط.
كل حديث غير هذا كذب وتزوير، مع وقاحة متناهية، فأنا أفهم أن يزور تاريخ لم يشهده احد عن ارض موعودة او لم توعد، ولكن ان يزور التاريخ وشهوده احياء فأمر يحتاج الى laquo;خوتزباهraquo; من نوع لا يقدر عليه الا شارون ورجال عصاباته.
لعل ايهود أولمرت يفاجئنا جميعاً بعمل حقيقي من اجل السلام، وقد وجدته دائماً افضل من في ليكود، الذي تحول اكثره الى كديما. ولعل الفلسطينيين لا يضيعون فرصة اخرى.
التعليقات