عـــابـــر
سوسن دهنيم
يقول الدكتور ياكاشينا استاذ اللغات القديمة بجامعة اوزاكا اليابانية '' إن اللغة العربية الفصحى باتت تعيش أواخر حياتها إذ أنها الآن تحتضر ولن يمضي وقت طويل حتى يتم إعلان وفاتها رسمياً، ومن رفاتها تحيا (لغات) أخرى هي اللهجات العامية المحلية السائدة في كل بلد عربي .. تماماً مثلما حدث مع اللغة اللاتينية التي كانت اللغة الأم لكل بلدان أوروبا ثم تلاشت وانزوت على أرفف المكتبات العامة وفي مخطوطات الأديرة والكنائس لتحل محلها كل لغات ـ لهجات أوروبا المعاصرة ''. وإذا ما فكرنا في الأسباب نرى أن الأسباب عديدة لموت لغتنا أو احتضارها وما يهمني منها في هذا السياق هو دور الفضائيات العربية التي لا زالت تحاول جاهدة أن تكتم ما تبقى من أنفاس للغة العربية لترديها ذبيحة على سطورها المشبوهة والتي باتت لا تمت إليها بصلة، وحينما تموت لغتنا لن يصلي أحد عليها الجنازة ولا الوحشة إذ الصلاة لا تجوز إلا باللغة العربية !!
تجد اليوم مذيعاً بإحدى الفضائيات العربية يقدم برنامجاً عربياً متخصصاً في اللغة وهو يرفع المنصوب ويجر أذيال المرفوع ليهبط به إلى القاع ولا ينتشله إلا صوت الدعاء عليه بالرحمة - هذا إن تكرم أحد عليه به - بالإضافة إلى الأخطاء الأسلوبية والتركيبية. منذ أن تعددت الإذاعات والفضائيات العربية ونحن لم نسمع بإعلان واحد فيها يشترط على المراسل أن يكون على دراية باللغة العربية، متملكاً لأسرارها، مستوعباً تاريخ وطنه وجغرافيته، وإن لم يلتزم باللغة فإنه لن يدوم معها. وهنا نتساءل هل (المجزرة الإعلامية للغة العربية) واقعة عن جهل بقواعدها أم عن علم وتراخٍ، أم هي من جرّاء حملة من الآخر- المجهول - لإلغاء العروبة ؟
هل وصلت بنا اللامبالاة وتمجيد صناعة الآخر الغربي إلى الحد الذي نستورد فيه حتى لغاته ونصنعها في حناجرنا، لتتلفظ بها ألستنا؟ ونرفض اللغة المحلية حتى في فضائياتنا العربية وبرامجنا الإذاعية ؟
هل لا بد أن نوصل اللغة العربية إلى حالة من العُجمة والحُبسة اللغوية التي لا مثيل لها من أجل التلاقح الذي يُكسبه ملامحه ذلك التلاحق والتتالي والتوازي الدائم في مشتل الديمومة التي تخضر بها الحضارات، إن شاء لنا الادعاء أن نُسمي ما حدث ويحدث تلاقحاً حضارياً، لأن الظاهرة أعقد من ذلك بكثير، وأكثر مدعاة لتأمُلٍ نقدي والتفات سوسيولوجي، في الخيمة العربية، يُعيدان الشّدة والضمة والكسرة إلي نِصابها غير المنصوب في محله.
هل سنسمع يوماً بمحاولات جادة لإنقاذ حياة اللغة العربية وإخراجها من العناية المركزة بعد أن تعاد دماؤها من خلال القائمين عليها ممن قتلوها قبل غيرهم ؟ وهل سيعود الزمان الذي نعيد للغة أمجادها وحضورها الذي يرهّب الآخرين؟ أم يظل سيبويه متحسراً على ما أنجزه للغة، يتبعه ابن هشام في الجهة الأخرى من الخوف الذي لو شهد واقعه لصرخ واحتضر وهو واقف على مبراة حرفه يقطر غضباً.
التعليقات