د. أحمد عبد الملك
حاول الأخ الدكتور عبدالحميد الأنصاري -المعروف بأطروحاته الجريئة والمحبوبة صحافياً- أن يصحح تصوراً سائداً عند كثيرين، يعتقدون أن المجلس مجرد تجمع أو تحالف دفاعي وأمنيmiddot; وهم يشككون في أهداف قيام المجلس ويرون أن ''الهاجس الأمني هو المنطلق الأساس لتأسيس المجلسmiddot;middot;middot;''middot; ويستشهد الدكتور الأنصاري بما كتبه الأمين العام الأسبق للمجلس عبدالله بشارةmiddot; ثم يتساءل الأنصاري: ''إذن لماذا غلب الطابع الأمني والدفاعي على أعمال وأجندة المجلس وقممه؟''، ويتساءل مرة أخرى: ''حسناً؛ إذا كان التعاون الاقتصادي هدفاً واضحاً ومنذ النشأة الأولى المبكرة؛ الآن وبعد 25 عاماً على مسيرة العمل المشترك، فما الذي تحقق على الصعيد الاقتصادي؟''middot; في الحقيقة، إن الدكتور عبدالحميد الأنصاري قد أجاب على تصحيحه غير الدقيق على الأسباب الحقيقية لقيام المجلس دون أن يفصح عن ذلك! كما أن التصحيح الذي أورده -استناداً إلى مقولات السيد عبد الله بشارة- لم يكن ليمر على من تابعوا نشأة المجلس، ودخلوا أضيق دهاليزه!
وليسمح لي الأخ الدكتور الأنصاري أن أختلف معه في تصوره أو تصحيحه للأسباب الحقيقية لقيام المجلسmiddot; ولاشك سيتقبل الحقائق التالية:
أولا- جاءت محاولات إنشاء المجلس بعد وجود (فراغ أمني) في الخليج بعد إعلان بريطانيا الانسحاب من المنطقة في أوائل السبعينياتmiddot; وكانت هنالك محاولات الاتحاد التساعي التي لم يكتب لها النجاحmiddot; وفي مايو 1981 تم الإعلان عن قيام مجلس التعاونmiddot; ورغم أن النظام الأساسي لم يهمل الهاجس الأمني من حيث وضع أنظمة وقوانين متشابهة في دول المجلس؛ أسوة بالمجالات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية وغيرها، إلا أنه لمس الموضوع الأمني لمساً رقيقاَmiddot; لكننا عندما نتصفح بيانات القمم الخليجية منذ قمة أبوظبي الأولى عام 1981 وحتى قمة أبوظبي الأخيرة عام ،2006 نجد أن الهاجس الأمني والدفاعي موجود في كل بياناتها، وإن جاء في صياغات فرضها الواقع الأمني والعسكريmiddot; فنجد مثلا في قمة أبوظبي الأولى (1981) ما يلي: ''وإن هذا المجلس إنما يعبر عن إرادة هذه الدول وحقها في الدفاع عن أمنها وصيانة استقلالها؛ كما أكدوا رفضهم المطلق لأي تدخل أجنبي في المنطقة''middot; كما أن إعلان أبوظبي شمل الآتي:
''إن الحديث عن فراغ القوة في المنطقة والثروة التي ليس لها أصحاب يمكن أن ينتهي إلى الأبد إذا قام أصحاب البيت بعزم ثابت وأكيد بدورهم الجماعي''، وهي إشارة إلى أهمية الدفاع جماعياً عن المنطقةmiddot;
ثانيا- في الدورة الثانية للمجلس الأعلى في الرياض (نوفمبر1981) جاء الآتي: ''وأكد مجدداً على أن أمن الخليج واستقراره هما من مسؤولية دوله''، ''كما استعرض المجلس موضوع التعاون العسكري بين دوله وقرر دعوة وزراء الدفاع للاجتماع من أجل تحديد الأولويات التي تحتاجها دول مجلس التعاون من أجل تأمين استقلالها وسيادتها''middot;
ثالثا- في الدورة الثالثة التي عقدت بالبحرين (1982) جاء الآتي في البيان: ''فقد أقر المجلس توصيات وزراء الدفاع في دول المجلس، الهادفة إلى بناء القوة الذاتية للدول الأعضاء والتنسيق بينها بما يحقق اعتماد دول المنطقة على نفسها في حماية أمنها والحفاظ على استقرارها''middot; وجاء في البيان ذاته: ''وقد اطلع المجلس على قرار وزراء الداخلية خلال اجتماعهم في مدينة الرياضmiddot;middot;middot; حول الاتفاقية الأمنية الشاملة وقرر الموافقة على طلب وزراء الداخلية باستكمال الدراسات المطلوب بحثها''middot; وهذا أكثر من كافٍ لتحديد هدف مجلس التعاونmiddot; كما أن اجتماعات وزراء الدفاع والداخلية أكثر الاجتماعات انتظاماً بين اللجان الوزارية الأخرى!
رابعا- جاء في الدورة السابعة (قمة أبوظبي) عام 1986 الآتي: ''وأعرب المجلس عن ارتياحه لما وصل إليه التعاون والتنسيق في المجال الأمني وبارك الاتصالات المكثفة بين الأجهزة الأمنية في الدول الأعضاء من أجل تعزيز وضمان الأمن والاستقرار في دول المجلس''middot; والموضوع لا يحتاج إلى تفسيرmiddot; إذ أن الأجهزة الأمنية في المجلس تتعاون بشكل أكثر كفاءة وتقنية وفعالية من أجهزة الإعلام أو الثقافة أو التعليم!
وهكذا نجد أن الموضوع الأمني يحتل اهتماماً كبيراً في العمل المشترك، وحتى قمة أبوظبي الأخيرة، نجده حاضراً: ''وفي مجال التنسيق الأمني اطلع المجلس الأعلى على نتائج أعمال وقرارات الاجتماع الرابع والعشرين لأصحاب السمو والمعالي وزراء الداخليةmiddot;middot;middot; وعبر المجلس عن ارتياحه لمسار التنسيق والتعاون الأمني بين الدول الأعضاء وما تحقق في هذا المجال من خطوات إيجابية وهادفة إلى حماية مجتمعات دول المجلس من الظواهر الأمنية الخطيرةmiddot;middot;middot;''middot; كل ذلك يثبت لنا أن مجلس التعاون قد ركز على الجانب الأمني والعسكري، وأن التجهيزات الفنية الأمنية مثل حزام الاتصالات وغيرها -التي كلفت الملايين- إنما هو لحفظ الأمن وتأكيد التحالف العسكريmiddot;
أما الجانب الاقتصادي، وهو ما كان يراهن عليه الخبراء -حيث يقولون دائماً- لو ركز المجلس على هذا الجانب وتجنب الحساسيات السياسية والمجالات التي تجلب الصداع وتعكر المزاج السياسي للمسؤولين -لكان خيراً له من الاتجاه الذي سلكهmiddot; وهنا نتفق مع تساؤل الدكتور عبدالحميد الأنصاري: ''فما الذي تحقق على الصعيد الاقتصادي؟''middot;
خمسة وعشرون عاماً بُذلت في محاولات تحقيق الاتحاد الجمركي الذي أعلن عن قيامه قبل عامين، ولا نعرف إذا كان تطبيق الاتحاد قد نفّذ أم لا؟ حيث إن هنالك بعض المسائل عالقة بين بعض الدول! خمسة وعشرون عاماً لم يتمكن المجلس من تصنيف السلع؟ أما العملة الخليجية -وهي أمر مهم للشعوب التي تتضرر من التحويل غير المقنن في المنافذ وعلى الخطوط السريعة- فلن تتحقق إلا عام 2010 كما تم الإعلان عن ذلك! أي بعد 29 عاماً من إنشاء المجلسmiddot; وهذه الحقيقة تناقض التصحيح الذي أشار إليه الدكتور الأنصاري في مقالهmiddot; لن أتحدث عن الإجراءات الرسمية على المنافذ، وشكاوى التجار الصغار من فساد بضائعهم نتيجة الروتين وأمزجة القائمين على ذلك الشأنmiddot; كما لن أتحدث عن المواطنة الاقتصادية، ذلك أن هناك أنظمة وقوانين في بعض دول المجلس لا تسمح للمواطن الخليجي بفتح صيدلية أو مكتبة في بعض العواصم! فما بالكم بالاستثمار الاقتصادي الضخمmiddot; أتفق مع الدكتور عبدالحميد الأنصاري في (تناقضه) مع تصحيحه الاقتصادي لقيام المجلس! حيث ورد في آخر عبارة من مقاله ما يلي: ''ربع قرن في حياة مجلس التعاون، ومن توافر كل عوامل النجاح، لا يزال تحقيق مفهوم المواطنة الاقتصادية خليجياً حلماً بعيد المنال''! إذن فهدف قيام المجلس ليس اقتصادياً -كما صححه لنا الدكتور عبدالحميد الأنصاري- وهو يقر بعدم تحقيق المواطنة الاقتصادية! لذلك فإن ما قرأه من كتاب السيد عبدالله بشارة يحتاج إلى إعادة نظر! لأن الوقائع تثبت لنا بأن المجلس فعلا قام إثر ضرورات أمنية وعسكرية وليس لإقامة تحالف اقتصادي، وإن نص النظام الأساسي على ذلكmiddot;
أرجو من صديقي الدكتور عبدالحميد أن يتقبل هذا التحليل المتواضع، فوجودي قريباً من القرار السياسي في مجلس التعاون لست سنوات متواصلة يجعلني أقول أشياء، وأخفي أشياء أكثرmiddot;
التعليقات