الخميس:19. 01. 2006
مـرسي عطـا اللـه
رغم صدور قرار من المحكمة العليا الإسرائيلية بتجميد بناء الجدار العازل حول القدسrlm;,rlm; فإن إسرائيل شرعت في الالتفاف حول قرار المحكمة العليا حيث أعلن شاءول موفاز وزير الدفاع الإسرائيلي قبل أيام عن البدء في بناء جدار أمني في ثلاثة قطاعات حول القدس وبما يعزلها تماما عن الضفة الغربية وهو الأمر الذي يؤكد اصرار إسرائيل علي مواصلة خطتها الأحادية لفرض حل من جانب واحدrlm;.rlm;
وهذا الذي قاله موفاز يمثل استمرارا لخطة محكمة بدأتها إسرائيل منذ سنوات للانفصال عن الفلسطينيين عبر إقامة جدران وخنادق وحواجز الكترونية ومناطق أمنية عازلةrlm;,rlm; علي طول حدود الضفة الغربية في إشارة لاتخطئها العين بأن إسرائيل تتجه نحو حسم صراعها مع الفلسطينيين بالوسائل العسكرية والسياسية في آن واحد وأن هدف هذه الخطة لا يقتصر علي تطويع المجتمع الفلسطيني وفرض الاملاءات السياسية علي قيادته وإنما يشمل أيضا وأساسا التملص من استحقاقات عملية التسوية برمتها ونزع شرعية السلطة الوطنية الفلسطينيةrlm;,rlm; وتقويض أية إمكانية لقيام دولة فلسطينيةrlm;.rlm;
ولعلنا نتذكر أنه منذ أن بدأت محاولات البحث عن سلام بين العرب وإسرائيلrlm;,rlm; ظلت جهود التسوية وعمليات التفاوض تراوح مكانهاrlm;,rlm; وكلما اقتربت المفاوضات من تحقيق أي قدر من التقدم سرعان ما عادت إلي نقطة الصفر ومن ثم فإنه ليس لهذا الفشل المتكرر لمفاوضات التسوية من تفسير سوي استمرار المراوغة والتعنت ومحاولة إسرائيل الدائمة فرض أجندة أولويات للتفاوض والتسوية تتفق وأطماعها التوسعية وهواجسها الأمنية التي جعلت مسألة الأمن أهم القضايا وقمة الأولوياتrlm;..rlm; بل وجعلتها باستمرار هي السبب والمبرر لاجهاض كل محاولات التفاهم أو التقدم في المفاوضاتrlm;.rlm;
ومن العجيب أن إسرائيل تصور نفسها وكأن أمنها في حالة تهديد وخطر دائمrlm;,rlm; رغم أن هناك ضمانة لها من أكبر قوة عسكرية واقتصادية وتكنولوجية في العالم وهي أمريكا ومعها الغربrlm;,rlm; حيث يضمنان وجود إسرائيل وحماية بقائها ومنع سقوطها وهو ما ظهر بوضوح في تأكيدات مستمرة من جانب الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوشrlm;,rlm; وقوله أكثر من مرةrlm;:rlm; إننا لن نسمح بسحق إسرائيلrlm;,rlm; والدول العربية تعرف ذلكrlm;!rlm;
ثم إنه وبحجة حماية أمن إسرائيل فقد سمح الغرب بقيادة أمريكا لإسرائيل بما لم يسمح لأي دولة أخري في منطقة الشرق الأوسطrlm;,rlm; وهو امتلاكها للسلاح النوويrlm;,rlm; ورغم أن اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية تمنع علي أي دولة من خارج النادي الذري الخماسي أي أمريكاrlm;,rlm; وروسياrlm;,rlm; والصينrlm;,rlm; وفرنساrlm;,rlm; وبريطانياrlm;,rlm; امتلاك السلاح النووي ـ وإذا ما استثنينا ظروف امتلاك الهند وباكستان للقنبلة النووية ـ فإن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تملك السلاح النووي ولا توجد مطالبات دولية جادة من القوي الدولية الكبري لها بنزع سلاحها النووي تحت ذريعة عدم إلحاح بحث هذه المسألة قبل احلال السلام وتسوية الصراع بين العرب وإسرائيلrlm;,
rlm; واطمئنان إسرائيل علي أمنها ووجودهاrlm;!rlm;
rlm;***rlm;
وهكذا يبدو واضحا وجليا أننا أمام وضع غريبrlm;,rlm; فإسرائيل التي تملأ العالم ضجيجا وعويلا ودعايات مكذوبة حول أمنها الذي يتعرض للتهديد هي ذات الدولة التي تمارس احتلالا فاشيا بشعا ضد الشعب الفلسطيني ينعدم في ظله أي أمن للإنسان الفلسطينيrlm;,rlm; ورغم ذلك نجد كل هذه الضجة حول ضرورات حماية أمن إسرائيل لتصبح هي أولوية الأولويات في أي مساع سلمية أو اتصالات دبلوماسيةrlm;.rlm;
ولو أن الأمور تسير وفق أحكام العقل والمنطقrlm;,rlm; لأصبح محور أي مفاوضات أو اتصالات دولية خاصة بالتسوية أو السلام في المنطقة هوrlm;:rlm; كيف يمكن تأمين حماية الأطراف العربية خاصة الشعب الفلسطيني من النزعة العدوانية والممارسات الهمجية لإسرائيل التي تحتل أراضي الدول العربية وتصادر حقوق الشعب الفلسطينيrlm;,rlm; ثم تدعي أمام العالم بأن أمنها مهددrlm;!rlm;
ومن المؤسف له أن المجتمع الإسرائيلي لا يستطيع حتي هذه اللحظة الاقتناع بأن قبول العرب والفلسطينيين التعايش مع وجود إسرائيل هو أكبر ضمانة لتحقيق الأمن لإسرائيل ومعني ذلك أنه طالما ظلت عقلية فرض الأمن بالقوة العدوانية العسكرية هي السائدة في المؤسسة العسكرية والسياسية في إسرائيلrlm;,rlm; فإن إمكانات تحقيق السلام ستظل بعيدة المنالrlm;,rlm; لأن الركض وراء تحقيق أمن إسرائيل سيظل بمثابة الركض وراء السرابrlm;!rlm;
وباسم هذه العقدة الأمنية ولدت نتائج خطيرة أعطت مردودات سلبية علي مصير التسوية والسلام فإسرائيل تتخذ مسألة توفير أمنها كذريعة للتغطية علي أطماعها التوسعية في الأراضي العربية ولتبرير الاستيطان وللزعم باستحالة الانسحاب من الجولان وأراضي الضفة الغربية بدعوي أن العودة إلي حدودrlm;1967rlm; تعني انتحار إسرائيلrlm;!rlm;
rlm;***rlm;
ولاشك في أن الدعايات الصهيونية المضللة وتداعيات أحداث سبتمبر والحملة الأمريكية ضد الإرهاب نجحت للأسف الشديد في تشويه كفاح الشعب الفلسطيني من أجل الاستقلالrlm;,rlm; ووصف عمليات المقاومة الفلسطينية بأنها إرهاب وباتت أولوية الأولويات في التحركات السياسية الأمريكية والمطالب الإسرائيلية ضرورة توفير الأمن لإسرائيلrlm;,rlm; مع تجاهل المطالب العادلة للشعب الفلسطيني في الأمن والحرية والحياة والاستقلالrlm;,rlm; فضلا عن أن اختلال موازين القوي الإقليمية والدولية لمصلحة إسرائيل قد ساعد إسرائيل علي استغلال شماعة الأمن لنسف أي محاولات للوصول إلي تسوية متوازنة للصراع الفلسطيني ـ الصهيونيrlm;.rlm;
وهكذا أصبحت سياسة التشديد علي أمن إسرائيل بمثابة وضع للعربة أمام الحصان وقلب للحقائق واستسلام للمنطق المعكوسrlm;..rlm; فالرؤية العقلانية تعني الأقرار بأن توفير الأمن هو نتيجة مباشرة للتوصل إلي اتفاقيات أو تفاهمات سياسية تضع حلولا لجذور الصراع وتنصف الشعب الفلسطيني وهو مالا يتأتي إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية مما يفتح المجال للشعب الفلسطيني للتطلع إلي المستقبل والشعور بالحرية والتخلص من الاحتلالrlm;,rlm; ولكن الجناح المتشدد المهيمن علي المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية مازال يعتقد إمكان فرض الأمن بالقوةrlm;.rlm;
rlm;***rlm;
وإذن ماذا؟
اعتقد أنه إذا ظلت هذه هي النزعة السائدة والمشتركة لدي صناع القرار في تل أبيب وواشنطن فإن كل مساعي التسوية سوف تتحطم علي صخرة ما يسمي أمن إسرائيلrlm;,rlm; ذلك الأمن المراوغ والمفهوم المطاط الذي تستغله إسرائيل للتهرب من التزامات السلام أو الانسحاب من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلةrlm;,rlm; والذي تحاول أمريكا وإسرائيل تحت ستاره القضاء علي فكرة المقاومة ووصمها بتهمة الإرهاب رغم أن جميع الشرائع الدولية تكفل حق مقاومة الاحتلالrlm;.rlm;
والخلاصة أن إسرائيل نجحت في تصوير مسألة أمنها علي أنها أهم المشكلات والقضايا في الصراع في حين أخفق العرب في اظهار خطورة السياسات العدوانية والتوسعية الإسرائيلية علي الأمن العربي وهم المهددون عمليا في أمنهم ووجودهمrlm;,rlm; وطالما أن مساعي التسوية وأولوية المفاوضات تدور في فلك كيفية البحث عن تحقيق أمن إسرائيل فإنه لا يمكن توقع نهاية قريبة للصراع العربي ـ الإسرائيلي أو إمكانية حقيقية لإقامة سلام قابل للحياة بين العرب وإسرائيلrlm;,rlm; لأن أمن إسرائيل المزعوم سيظل الذريعة الجاهزة لتل أبيب لتمزيق أي اتفاقيات أو معاهدات لتظل أجواء الصراع والحروب مخيمة علي المنطقةrlm;.rlm;
ومعني ذلك أن إسرائيل تحاولrlm;,rlm; من جديد وعبر السياج الأمني حول القدس أن تفرض علي الفلسطينيينrlm;,rlm; بالوسائل السياسية وبوسائل الأمر الواقعrlm;,rlm; ما عجزت عن فرضه بالوسائل العسكرية إذ هي لم تنجح في اخضاع المجتمع الفلسطيني ولا في القضاء علي مشروعه الرامي إلي الاستقلال ولا في فرض املاءاتها علي قيادتهrlm;,rlm; ولم تفلح تماما في القضاء علي نضاله ضد الاحتلالrlm;,rlm; كما أنها لم تتمكن من اسباغ شرعية دولية لمحاولتها شطب السلطة الوطنية الفلسطينية والتخلص من تبعات عملية التسوية برغم إيحاءاتها بأن حربها ضد الفلسطينيين إنما تندرج في سياق الحرب الأمريكية ضد الإرهاب بدليل أن كل الأطروحات السياسية الدولية تتمحور حول ضرورة منح الفلسطينيين أفقا سياسيا يتمحور حول حقهم باقامة دولة لهمrlm;.rlm;
وفي هذا الإطار من العجز والتخبط تأتي عملية جدار القدس لتكشف حدود القوة والغطرسة الإسرائيليةrlm;,rlm; ولتكشف بجلاء عدم نضج إسرائيل لعملية التسوية وهو ما يعني ـ في ذات الوقت ـ أن صمود الفلسطينيين واستمرار مقاومتهم للاحتلال بمختلف أشكالهاrlm;,rlm; وتوافر المزيد من المعطيات العربية والدولية المواتية لهمrlm;,rlm; من شأنه دفع الإسرائيليين إلي لحظة الحقيقة لمواجهة ذاتهمrlm;!rlm;
التعليقات