الخميس:19. 01. 2006

د. علي محمد فخرو


من بين أهم أحداث العام المنصرم ذلك الارتفاع الكبير السريع في أسعار البترول مما ولّد دخلاً لدول الخليج خلال عام 2005 قدّر بحوالى نصف تريليون دولارmiddot;

هذه ثروة هائلة تشير إلى أن منطقة الخليج من الوطن العربي ستدخل مرحلة جديدة من توفر الفائض المالي الضخم الذي يذكر بحقبة السّبعينات من القرن الماضي عندما ارتفعت أسعار البترول ووفّرت فائضاً مالياً مماثلاًmiddot;
آنذاك أضاع العرب فرصة تاريخية لاستعمال تلك الثروة لإحداث تنمية مستدامة واقتصاد إنتاجي في الوطن العربي وللخروج من أزمات بنيوية اقتصادية واجتماعية من جهة أخرىmiddot; وبدلاً من ذلك تجمّع القسم الأعظم من تلك الثروة في أياد قليلة ليستثمر في تنمية اقتصاد أميركا وأوروبا، ثمّ ليبذر في ترف حسّي فاضح أو في مغامرات عسكرية حمقاء أو في صرف ريعي لشراء الولاء لشرعيات غير ديمقراطيةmiddot; وفيما عدا بناء بنية تحتيّة معقولة في دول الخليج العربية ظل باقي الوطن العربي يرزح تحت الفقر والجهل والتخلف المتراكمmiddot;
اليوم تطلُّ فرصة جديدة، لعلّها ستكون الأخيرة، لاستعمال منطقي عادل لثروة البترول الجديدة على المستويات الوطنية والقومية والإسلاميةmiddot; وفي اعتقادي أننا سنحتاج لإعطاء الجوانب التالية أهمية قصوى:
أولا: أخلاقياً ودينياً وأمنياً هناك ضرورة قصوى لاستثمار جزء من هذه الفوائض الهائلة في الأقطار العربية الأخرى بدلاً من تركها تستجدي استثمارات الآخرين لتقع في الديون والاستغلال وتخضع لإملاءات مؤسسات دولية خاضعة لدول استعمارية معروفةmiddot; ليست الصدقة هي المطلوبة وإنما المنفعة المتبادلةmiddot; وفي جميع الأحوال فإن كثيراً من أموال العرب المودعة في بنوك أجنبية هي التي تستعمل لقروض استثمارية لدول عربية محتاجةmiddot; فأين المنطق في هذا العبث العربي الذي طال أمده؟ ومن قال إن الغنيّ الساكن في محيط من الفقر والعوز يستطيع أن يأمن على نفسه؟ وبالطبع فليس الحديث موجّها للفوائض الحكومية فقط وإنما هو موجه أيضاً للرأسمال الخليجي الخاص كذلكmiddot;
ثانيا: على المستوى الوطني الخليجي آن الأوان لأن يوضع جهد علمي وبحثي وإنتاجي لبناء اقتصاد في الحقول الجديدةmiddot; فهل يعقل أن ينجح بلد مثل الهند في أن يكون أحد البلدان المنتجة للمعرفة في حقول برامج الكمبيوتر والتواصل الأخرى وتكتفي دول الخليج ببناء مجمعات لتأجيرها للشركات العالمية المنتجة لتلك البرامج؟ وهل سننتظر حتى ينفجر حقل البيوتكنولوجي بإمكانياته الهائلة في وجوهنا قبل أن نوليه جهداً مكثفاً للاستفادة من إنجازاته الاقتصادية والبشرية في حياة العرب؟ وفي الأسبوع الماضي كتبت عن أهمية إبلاء اهتمام لأبحاث الطاقة البديلة لأستمع بعد بضعة أيام للرئيس الفرنسي وهو يدشن برنامج بلده الطموح للتوسع في الطاقة الذريّة استعداداً لانتهاء حقبة البترول العالميةmiddot; فماذا نحن فاعلون في اقتصاد الطاقة البديلة في العقود القليلة القادمة؟ هذه مجرد أمثلة وغيرها كثيرmiddot;
الآن لدينا المال الكافي لعمل شيء ما في مثل تلك الحقول الجديدة بدلاً من استعمال ذلك المال في بناء مجمعات ستنعق الغربان فيها بعد نضوب البترولmiddot;
ثالثا: وبالطبع هناك حاجة لإيجاد مؤسسات عالية الجودة والكفاءة لإعداد القوى البشرية المحلية والعربية اللازمة لمثل ذلك الاقتصادmiddot; وهذا سيحتاج لمال كثيرmiddot;
وبعد، ففي الماضي كان الخليج لا يستثمر في بلاد العرب خوفاً من مصادرات ''الاشتراكيين''، ولا يبني اقتصاداً حديثاً إنتاجياً لأنه مشغول ببناء البنيات التحتيّة الأساسية، فأية أعذار ستكون عندنا في هذه المرة؟ إذا ضاعت هذه الفرصة فإن ذلك سيكون مقدّمة لتهميش بلاد وأمة العرب لقرون طويلة قادمةmiddot;