سركيس نعوم

تحاول جهات معينة في لبنان وسوريا الايحاء أن الغالبية النيابية quot;الحاكمةquot; حالياً عبر حكومة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة ترفض quot;التعريبquot; اي ترفض المساعي التي تبذلها الدول العربية وفي مقدمها مصر والمملكة العربية السعودية اولاً لحل خلافات الداخل اللبناني وتحديدا بين جماعة quot;8 آذارquot; وجماعة quot;14 آذارquot;. وثانيا لحل الخلافات التي بدأت تستعصي بين لبنان وسوريا او بالاحرى بين الاخيرة ونصف السلطة اللبنانية ومن يوالي سياستها الداخلية والاقليمية من الشعوب او القبائل اللبنانية. وتحاول ايضا اقناع اللبنانيين ومعهم المجتمع العربي بأن رافضي التعريب انما يفعلون ذلك لاعتمادهم على دعم المجتمع الدولي بزعامة اميركا وعند هذا المجتمع quot;اجندةquot; او روزنامة لبنانية وعربية واسلامية معادية للعرب ومصالحهم وحقوقهم القومية سواء في فلسطين او في غيرها ومنحازة الى عدوهم التاريخي اسرائيل ورافضة للقيم العربية والاسلامية وتعمل على تغييرها. وكل ذلك بغية تحقيق هدف واحد هو السيطرة على المنطقة وثرواتها والتحكم بمجريات الامور فيها.

هل المحاولة الايحائية المذكورة صحيحة او في محلها؟

اولاً لا بد من الاشارة الى ان المتهمين برفض quot;التعريبquot; وتحديدا quot;المبادرةquot; المصرية التي حاول القيام بها الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ثم quot;المبادرةquot; السعودية التي اثبت وجودها وزير خارجية المملكة الامير سعود الفيصل في حديثه الى quot;الفايننشال تايمزquot; اللندنية قبل ايام لم يرفضوا المبادرتين المشار اليهما ولم يرفضوا اي مساع مصرية او سعودية لاخراج لبنان من الاشتباك الحاد القائم اولاً بين شعوبه والقبائل وثانيا مع سوريا وتاليا لمنع جر هذا الاشتباك بلا دعم الى اتون الفوضى والفتن وربما الحروب الاهلية. ما رفضه هؤلاء كان مضمون المبادرتين او بعض مضمونهما الذي اعتبروا انه يهدد باعادة لبنان الى الوضع الذي كان عليه في الـ15 سنة الماضية والذي هو في رأيهم وتقويمهم وفي معلوماتهم ذو مصدر سوري. ولم يكن ابدا رفضا للمساعي السعودية المصرية، لهذا السبب حاولوا quot;تضليلquot; اللبنانيين عن نية حسنة طبعا بالقول لهم ان الورقة التي لا quot;تلبي طموحاتهمquot; هي ورقة سعودية وليست مصرية. الا ان كلام سعود الفيصل المشار اليه اعلاه لم يمكّنهم من الاستمرار في quot;التضليلquot; المذكور، الامر الذي اوقعهم في حرج كبير امام quot;الشعوبquot; المؤيدة لهم، كذلك امام اصحاب المبادرات العربية الذين هم اشقاء لهم وquot;حلفاءquot; في الوقت ذاته. طبعا قد يعتقد لبنانيون كثيرون ان وراء الاختلافات المذكورة نوعا من توزيع الادوار بين السعودية او مصر وبين quot;الحلفاءquot; اللبنانيين او بالاحرى الجهات اللبنانية المعتمدة عليهما او على احدهما لانجاز استعادة لبنان البلد المستقل والحر التي لم تزل في منتصفها. وقد يعتقد لبنانيون آخرون ان هناك نوعا من توزيع الادوار بين مكونات الاكثرية الحاكمة بغية رفض كل حل او تسوية او بند في حل او تسوية او مبادرة لا تتناسب مع مشروعاتهم للبنان الجديد، وليس هناك من يدعم هذا النوع من الاعتقادات او ما ينفيه. لكن كل هذه التحركات العربية والمواقف المتناقضة منها من كل اطراف الصراع في لبنان ومع سوريا تثير اسئلة كثيرة او تساؤلات عن دوافع المواقف المذكورة. وفي غياب اي معلومات دقيقة عن كل ما يتعلق بهذه الدوافع فان متتبعي الاوضاع في لبنان منذ بداية حروبه عام 1975 حتى الآن يقدمون ما يعتقدون انه اجوبة محتملة عنها. واول جواب هو ان تجربة لبنان مع quot;التعريبquot; سواء اثناء حروبه المتنوعة على مدى 15 عاما او بعد انتهائها لم تكن مشجعة رغم النيات الطيبة لكل الدول العربية التي اشتركت في البحث عن حلول لمشكلة الحروب وفي مقدمها مصر والسعودية والكويت ولاحقا المغرب والجزائر، فأثناء الحروب وقع العرب quot;بين شاقوفينquot;: منظمة التحرير الفلسطينية وسوريا، الامر الذي ابعدهم عن النجاح في ايجاد حل لمشكلات اللبنانيين، او في مساعدتهم على ايجاد حل لها. وقد ساعدت ذلك حال الخلاف بين سوريا والمنظمة حينا وحال التوافق بينهما حينا آخر وحال الخلاف المستمرة بين اللبنانيين. وثاني جواب هو ان عرب quot;التعريبquot; كانت حساباتهم ومصالحهم الاقليمية هي التي تفرض عليهم المواقف سواء من لبنان او من سوريا او من الفلسطينيين. واللبنانيون يعرفون ان رغبة هؤلاء في مساعدة لبنان كانت صادقة، لكنهم كانوا يعجزون عن ترجمتها عمليا كلما تأكد لهم ان مصالحهم الاقليمية واحيانا الداخلية قد تتعرض للخطر او للتهديد من جراء ذلك. طبعا يعتبر اللبنانيون ان quot;اتفاق الطائفquot; انجاز عربي بمباركة دولية الى كونه لبنانياً. لكنهم يتذكرون ان عرب quot;التعريبquot; عدلوا فيه بعد اعتراض سوريا وكان ذلك احد ابرز اسباب استمرار حال الحرب اللبنانية في لبنان في المرحلة التي سماها الجميع مرحلة السلم الاهلي. ويتذكرون ايضا ان عرب quot;التعريبquot; لم يصمدوا في لبنان ايام الحرب بفعل نشاطات معروفة اذ سحبوا اشتراكهم في قوة الردع العربية وتركوا الساحة للفلسطينيين وسوريا (واسرائيل). ولم يصمدوا ايضا ايام quot;السلم الاهليquot; اذ تركوا لبنان مسرحا سوريا شاملا لا يستطيع اي منهم ان يتحرك عليه. طبعا ليس منطقيا ان يطلب اللبنانيون من اشقائهم ان يضحوا من اجلهم لكن التجربة مع عرب quot;التعريبquot; دلت على انه كلما اقتربت النار من اصابعهم اثناء محاولتهم مساعدة لبنان، ينكفئون ويعودون الى حال الحذر والتحفظ ومباركة ما يجري فيه. اما ثالث جواب فهو ان عرب quot;التعريبquot; كانوا يغطون مواقفهم دائما بالعامل الدولي. فعام 1989 كانت اميركا مع اتفاق الطائف ومع تفسير سوريا له وإن على نحو غير مباشر ومع تفويض سوريا تهدئة لبنان تلافيا لانعكاس حروبه سلبا على المنطقة ومصالحها فيها وأهم هذه المصالح على الاطلاق أمن اسرائيل والنفط. واستمرت اميركا على هذا الموقف مع بعض التذبذب، وفي حال كهذه ما كان في امكان عرب quot;التعريبquot; ان يضغطوا على سوريا من اجل لبنان. اما الآن فان المجتمع الدولي مع لبنان ولذلك قد لا يعتبر المتوجسون من quot;التعريبquot; انه من الحكمة التخلي عن دعمه من اجل مساع عربية رغم ان القائمين بها حلفاء لزعيمة هذا المجتمع اي اميركا ومنطلقهم في ذلك هو انه اذا كان عرب quot;التعريبquot; يراعون سوريا على حساب لبنان وفي ظل هذا الدعم الدولي فماذا سيفعلون في حال انقطع هذا الدعم او توقف؟

الى ماذا يرمي هذا الكلام؟

لا يرمي ابدا الى رفض اي مسعى او مبادرة عربيين. ولا يرمي الى نكران جميل العرب وفي مقدمهم مصر والسعودية والكويت وغيرهم الذين حاولوا المساعدة السياسية مشكورين رغم فشلهم والذين قدموا مساعدات اقتصادية مكّنت لبنان من اجتياز ايام بالغة الصعوبة، ولا يرمي الى الدعوة الى الارتماء في احضان quot;التدويلquot; الذي يمكن ان يبيع لبنان اذا قضت مصالحه بذلك كما فعل في السابق. بل يرمي الى اقناع عرب quot;التعريبquot; قبل ان يبدأوا مبادراتهم بالسعي الى التأكد اذا كانت سوريا التي للبنان مشكلة معها اليوم قبلت الحقيقة المرّة وهي ان لبنان دولة مستقلة لا تابعة لها ولا تدور في فلكها. واذا تأكدوا فان اقناع اللبنانيين بأي مبادرة يصبح سهلا لأنهم لا يريدون الحاق الاذى بسوريا لأنهم يدركون ان مصلحتهم معها وان استقرارهم مرتبط باستقرارها. ويرمي الى اقناع هؤلاء العرب انفسهم بأن استمرار الخوف مقيما عندهم وهم ممسكون بشعوبهم ودولهم وهم متمتعون بدعم دولي كبير والتصرف انطلاقا من ذلك سواء في بلدانهم او في لبنان لن ينجيهم ولن ينقذ لبنان.

في النهاية لا بد ان يعي اللبنانيون ان خلاصهم لن يتم على ايدي اشقائهم العرب او على يد المجتمع الدولي رغم ان مساهماتهم مطلوبة وبالحاح لبلوغ هذا الخلاص، بل يتم على ايديهم اولا. ويقتضي ذلك منهم الوحدة والعمل المشترك والايمان بوطن واحد والتخلي عن الايمان بأوطان طائفية ومذهبية، كما يقتضي عدم استمرار كل شعب من شعوبهم في الرهان على جهة اقليمية او جهة دولية لتغليب منطقه ومصالحه على منطق الآخرين ومصالحهم. واذا لم يتحقق ذلك فان اي مسعى عربي او دولي لن ينفع.