إذا ما قدر لك أن تزور العاصمة التايلاندية بانكوك هذه الأيام، لاسيما مدارسها الابتدائية ورياض أطفالها، فإن أول ما يلفت انتباهك هو اهتمام هذه المدارس والرياض بتدريس اللغة الوطنية التايلندية، فضلاً عن تدريس اللغتين الإنجليزية والصينية أيضاًmiddot; وعلى الرغم من أن لغة ''الماندرين'' أو اللغة الصينية الشمالية، تعد من أقدم وأعرق اللغات الآسيوية التي انحسر تداولها لبعض الوقت في أنحاء القارة، إلا أنها عادت إلى الحضور مجدداً وبقوة لتصبح أداة الدبلوماسية والتداول التجاري في منطقة جنوب شرق آسيا خلال السنوات الأخيرة الماضيةmiddot;
وقـد هـز الصعـود الاقتصـادي الكبير الذي حققتــه الصين خــلال العقود الأخيرة الماضية أرجاء المعمورة بأسرها، مبهراً عيون المستثمرين ومثيراً إعجاب صناع السياسات والقرارات بما أنجزته بكين! ومثلما فعلت الولايات المتحدة الأميركية باستغلال وضعيتها ومكانتها كدولة عظمى في الترويج لثقافتها ولغتها، فاليوم تفعل بكين بانهماكها في تصدير لغتها إلى خارج حدودها الجغرافية والسياسيةmiddot; وعلى الرغم من حقيقة أنه لا مجال لأن تبلغ اللغة الصينية من الانتشار والذيوع ما حققته اللغة الإنجليزية كلغة عالمية اليوم، فإن ذلك لا يقلل من بريقها وجاذبيتها بأي حال من الأحوال، ولا من سعة انتشارها على نطاق القارة الآسيوية بصفــة خاصــةmiddot; لا يعني هذا أن تايلاند ستبدأ بإدارة ظهرها للغة الإنجليزية، حيث لا تزال الإنجليزية لغة إلزامية في المدارس الحكومية، والأرجح أن تستمر وضعيتها على ما هي عليهmiddot; لكن اعتباراً من العام الحالي، سوف تبدأ آلاف المدارس هناك بإدخال اللغة الصينية رسمياً كلغة أجنبية، على أمل إلحاق نحو 30 في المئة من طلاب وطالبات المدارس الثانوية في البلاد في برامج تعليم لغوي أجنبي خلال مدة الخمس سنوات المقبلةmiddot; وعلى حد تصريح خونيانج كاساما السكرتيرة الدائمة بوزارة التربية التايلاندية ''فإن هناك إقبالاً كبيراً من جانب الآباء والتلاميذ على حد سواء لتعلم اللغة الصينية''middot; وأضافت قائلة إن أملنا أن ننشئ مدرسة ثانوية واحدة على الأقل في كل واحدة من محافظات البلاد، توفر برامج تدريس اللغة الصينية للطلاب والطالباتmiddot;
وتعول تايلاند في هذه الطموحات على الوعود التي قطعتها لها بكين بتوفير الدعم اللازم لهذه البرامج من ناحية تدريب معلمي اللغة الصينية التايلانديين، إلى جانب إرسال مدرسي لغة صينيين إلى تايلاند، وتوفير وسائل التدريس المجانيةmiddot; هذا وتهتم الصين سلفاً بدعم المراكز المعنية بتدريس لغتها في ما يزيد على عشر دول من شتى أنحاء العالمmiddot; كما تفيد الأخبار والتقارير الصحفية عن أن الصين تنوي رفع عدد الطلاب الأجانب الذين يدرسون اللغة الصينية إلى نحو 100 مليون طالب وطالبة بحلول عام middot;2010 وبحسب وكالة ''شينخوا'' الصينية للأخبار، فإن عدد الطلاب الأجانب الذين يدرسون هذه اللغة يقدر بنحو 30 مليونا في مختلف أنحاء العالمmiddot; ومنذ العام قبل الماضي ،2004 شرعت وزارة التربية الصينية بافتتاح مراكز لتدريس اللغة الصينية تحت اسم ''معاهد كونفوشيوس'' في ما يزيد على عشرين دولة، بما فيها كوريا الجنوبية، أستراليا، سنغافورة، السويد، وكينياmiddot; وفي عام 2004 نفسه، كان عدد الطلاب الأجانب الذين يدرسون اللغة الصينية في المعاهد والكليات والجامعات الصينية قد بلغ 110 آلاف و178 طالباً وطالبة يمثلون 187 دولة من شتى أنحاء المعمورةmiddot; وقالت وكالة ''شينخوا'' إن ذلك العدد حقق زيادة نسبتها 43 في المئة مقارنة بعدد الدارسين الأجانب للغة الصينية في عام middot;2003 وبالمثل فقد ارتفعت نسبة تسجيل الطلاب والطالبات الأجانب لفصول تعليم اللغة الصينية بالمعاهد والمراكز اللغوية الخاصة بمنطقة جنوب شرقي آسيا، ارتفاعاً ملحوظاً، خاصة في ماليزيا وإندونيسياmiddot;
أما في الوقت الحالي في تايلاند، فإن معظم دارسي اللغة الصينية من التايلانديين يلتحقون بالفصول والمدارس الخاصةmiddot; وفي أحد أكبر مراكز تعلم اللغات الأجنبية في العاصمة بانكوك، تقول مديرة المعهد الآنسة ''ليو شياو ينج'' إنه يمكن ملاحظة ارتفاع منتظم في عدد رجال الأعمال وشتى أنواع المهنيين الراغبين في إجادة تعلم اللغة الصينيةmiddot; ولاحظت أن الكثيرين من هؤلاء يعملون في شركات التصدير والاستيراد الطامحة إلى زيادة وتوسيع استثماراتها في هذا المجال مع الصينmiddot; ومن رأي الآنسة ''ليو'' الصينية الأصل المقيمة في تايلاند منذ طفولتها، فإنه في وسع أي كان، تعلم وإجادة اللغة الصينية بقدر من الطاقة والجهد والمثابرةmiddot; غير أنها تشارك الكثيرين من العاملين في القطاع الخاص بمراكز ومدارس تعليم اللغات شكوكهم في أن تكون الدولة بكل ذاك القدر من الجدية والعزم على تعليم الأجيال القادمة من التايلانديين اللغة الصينيةmiddot; وتأكيداً منها لذلك الشك قالت متسائلة: إن نصيب كل تلميذة وتلميذ اليوم من حصص اللغة الإنجليزية في المدارس الحكومية هو خمس ساعات أسبوعياًmiddot;
وقد ظل التلاميذ يدرسون اللغة الإنجليزية لعدة سنوات طوال مدة دراستهم بالمدارس الحكوميةmiddot; ولكن كم منهم يستطيع التعبير عن نفسه حقاً باللغة الإنجليزية؟ وكم منهم يستطيع القيام بالعمل الاستثماري بالإنجليزية؟ وبما أن السؤال نفسه يغني عن الإجابة، فلا غرو أن تفضل الأسر الموسرة من التايلانديين تسجيل أبنائها وبناتها في المدارس العالمية التي يتولى فيها تدريس اللغة الإنجليزية متحدثوها الأصليونmiddot; وذلك هو الطريق إلى التنافس الثنائي اللغوي في البلاد، فضلاً عن كونه السبيل إلى الكليات والجامعات الأجنبية، سواء كانت في أستراليا أم الولايات المتحدة الأميركيةmiddot; ولعل من أشهر هذه المدارس على الإطلاق مدرسة ''كونكورديان العالمية'' التي بدأت نشاطها منذ نحو خمس سنوات كمدرسة تجريبية في تعليم اللغات الأجنبيةmiddot; لكنها ربما تكون اليوم، المدرسة الابتدائية العالمية الوحيدة التي يمكن للأطفال أن يدرسوا فيها ثلاث لغات معاً، هي الصينية والتايلاندية والهنديةmiddot;


مراسل صحيفة ''كريستيان ساينس مونيتور'' في تايلاند.