السبت:21. 01. 2006
توماس فريدمان
أفترض أنكم لا تزالون تذكرون ''سبوتنيك'' ذلك القمر الاصطناعي الصغير، الذي أطلقه السوفييت في الفضاء عام middot;1957 وكم كان ذلك مدهشاً ومحرجاً لإدارة الرئيس الأسبق إيزنهاور، إلى درجة أنها خصصت للتو وقتئذ، برنامجاً مكثفاً لتدريب المزيد من العلماء والمهندسين الأميركيين، حتى تستطيع الولايات المتحدة اللحاق بخصومها الروس في السباق الفضائيmiddot; وعلى أية حال، فقد بدا لعيون كل مراقب ومتابع، أن ''سبوتنيك'' الجديد الخاص بهذا الجيل، قد أطل برأسه في معرض ديترويت الأخير للسيارات، الذي جرى تنظيمه الأسبوع الماضيmiddot; ولكن ما يلفت النظر أن الذي ظهر لم يكن قمراً اصطناعياً كما يشير الاسم، بل سيارة من طراز 1517 yleeGmiddot; ومن مزايا هذه السيارة أنها تتسع لعائلة مكونة من خمسة أشخاص، وأنها اقتصادية في استهلاكها للوقود، إذ تقطع عدداً معقولاً من الأميال بجالون الوقود الواحد، فضلاً عن معقولية سعرها، حيث يتوقع لها أن تباع بقيمة 10 آلاف دولار عندما يبدأ تسويقها اعتباراً من العام بعد المقبل middot;2008 والأكثر لفتاً للنظر أن هذه السيارة ليست أميركية وإنما هي صينية الصنع!
ألا يعني لكم ذلك شيئاً؟ حسناًmiddot;middot;middot; فهناك ''سبوتنيك'' جديد آخر، يحلق في سماء إيران الآنmiddot; والذي نعلمه علم اليقين أن إيران ماضية قدماً في تطوير وصنع قنبلتها النووية، بصرف النظر عما تقوله الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة معاً وتطلقانه من وعيد وتهديداتmiddot; وبفضل ارتفاع سعر برميل النفط الواحد إلى 60 دولاراً، فقد اكتنزت جيوب قادة إيران إلى درجة أنهم أصبحوا قادرين الآن إما على شراء أصوات دول العالم الأخرى، أو على زجرها وإخراسهاmiddot; ثم هناك ''سبوتنيك'' التغير المناخي، وهو أكثر هدوءاً وتحليقاً في مداره، وأكثر بطئاً في تذويبه للطبقات والأغطية الجليدية وإثارته لعواصف ''كاترينا'' وما إليهاmiddot;
فما الذي أود قوله هنا على وجه التحديد؟ ليتني أستطيع القول إن حقبتنا هذه تخلو ولو من ''سبوتنيك'' واحد قادر على إثارة الاهتمام والنظر ولفت الانتباه إلى المخاطر الجمة التي تحدق بأمننا القومي وطريقة حياتنا، على النحو الذي حظي به آباؤنا في عصرهمmiddot; وإن كنا نفتقر اليوم إلى ظاهرة مهمة مثل ظاهرة ''سبوتنيك'' التي شهدها عقد الخمسينيات، فإن ذلك لا يعني البتة خلو عصرنا من المهددات والمخاطرmiddot; والشاهد أن هذه المخاطر موجودة بكثرة، وأن ثمة قاسماً مشتركاً أعظم يربط بينها جميعاً، هو طريقة استهلاكنا للطاقة، لاسيما وقود النفطmiddot; دعوني أقل لكم أصدقائي، إننا في قلب أزمة طاقة مستفحلة ومتفاقمة، وهي يقيناً ليست أزمة يعيشها آباؤنا وأجدادنا، وإنما نعيشها نحنmiddot;middot;middot; وهي ليست بالأزمة السهلة ولا البسيطة لأربعة أسباب رئيسيةmiddot;
أولها أننا نخوض حرباً ضارية وشرسة ضد الإرهاب الإسلامي الراديكالي المتشدد، الذي مولناه نحن بعائدات شرائنا للطاقةmiddot; واليوم فها نحن نمول كلا طرفي النزاع في هذه الحرب، أي الجيش الأميركي بما نسدده من رسوم ضريبية من جهة، ثم المدارس الإسلامية والمنظمات الخيرية التي تمول الإرهاب، علاوة على تمويلنا للمنظمات الإرهابية نفسها، عن طريق مشترياتنا من النفط من الجهة الأخرىmiddot; أما ثاني الأسباب، فيتلخص في أننا بتنا نعيش الآن في عالم مسطح، دخلت إلى حلبة التنافس الاقتصادي فيه ثلاث دول كبرى رئيسية هي الصين والهند وروسيا، وهي تحمل نسختها الخاصة بها من ''الحلم الأميركي'' المتمثل في اقتناء البيت والسيارة ومحمصة الخبز والثلاجةmiddot; وما لم نحث الخطى سريعاً باتجاه تبني موارد الطاقة البديلة القابلة للتجديد، فإنه من المرجح أن نزيد سخونة الكرة الأرضية، وأن نلوثها بالدخان ونسبب لها اختناقاً بأسرع مما شهده التلوث المناخي في أي عصر مضى من تاريخ الحياة على كوكب الأرض!
أما ثالث الأسباب، فمن المتوقع أن تهيمن التكنولوجيا الخضراء على هندسة تصنيع السيارات والطائرات وتصميم المنازل والمعدات والأجهزة ومباني المكاتب وغيرها، وأن يسود هذا التيار الجزء الغالب من كبريات صناعات وتقنيات القرن الحادي والعشرينmiddot; ونتيجة لذلك، فقد مضت الصين شوطاً بعيداً في هذا الطريق، لأنه لم يعد لها سوى أحد خيارين، إما أن تختنق بالتلوث أو تقلل من اعتمادها على طاقة النفطmiddot; وعليه فإن السؤال المطروح هو: هل ستكون لأميركا اليد العليا والطولى في التكنولوجيا والهندسة الخضراء، أم أننا سنكتفي بكوننا مجرد مستهلكين للسيارات والأجهزة المصنعة في كل من الصين واليابان وأوروبا؟
رابعاً وأخيراً، لنعلم أن في استمرار اعتمادنا على طاقة النفط، ما يقوض ذلك المنحى الديمقراطي العام الذي انطلق منذ لحظة انهيار حائط برلينmiddot; كيف ذلك؟ هل نسيتم أن سعر برميل النفط الخام قد ارتفع إلى 60 دولاراً وأنه سيحافظ على هذا المعدل، مما يعني قدرة أسوأ حكومات العالم على الإطلاق -كما هو حال حكومة طهران- أن تفعل الأفاعيل بالعالم بأسره؟! وإن في طفرة أسعار النفط هذه، ما يعضد هذه الأنظمة والحكومات ويجعل منها أكبر مهدد للنظم الديمقراطية، بما لم يسبقه إليها أي مهدد آخر طوال سنوات الحرب الباردة أو بعدهاmiddot; وعندها سوف يبدأ موسم الانحسار والجزر الديمقراطي على نطاق العالم كله، بما في ذلك ما تحقق مؤخراً في العراقmiddot; وما من سبيل لوقف هذا التيار والتصدي للمشكلات الأربع التي لخصناها آنفاً، سوى تثبيت سعر الجالون في محطات التزويد بما لا يتجاوز 3,50 دولار، بصرف النظر عن الأسعار التي تفرضها منظمة ''أوبك''middot;
التعليقات