السبت:21. 01. 2006

عيون واذان
جهاد الخازن

كيف يقوّم laquo;حزب اللهraquo; تجربة سبعة أشهر أو نحوها في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة؟ أقدم اليوم خلفية قد تفيد في فهم الخلاف السياسي القائم، خصوصاً للقارئ العربي غير اللبناني.

فكرة التحالف الرباعي طرحت قبل الانتخابات على أساس ان laquo;تيار المستقبلraquo; و laquo;الحزب التقدمي الاشتراكيraquo; و laquo;أملraquo; و laquo;حزب اللهraquo;، مع الحلفاء المسيحيين لكل فريق، هم ضمانة الاستقلال والاستقرار. وناقش التحالف المقاومة، بما في ذلك القرار 1559، والعلاقة مع سورية، والطائف، والرعاية العربية، والسلم الأهلي، ودولة المؤسسات، ومحاربة الفساد.

الحاج حسين خليل، المعاون السياسي للسيد حسن نصر الله، الأمين العام لـ laquo;حزب اللهraquo;، يقول انه كان يفترض أن المسائل الوطنية الكبرى لا تخطو خطوة الا بتفاهم الحلفاء الأربعة بعضهم مع بعض، غير ان تجربة laquo;حزب اللهraquo; في الحكم كشفت أموراً غامضة غريبة وكانت مملوءة بالثغرات.

شعر laquo;حزب اللهraquo; أثناء العمل في الحكومة بنوع من التفرد في الحكم، فهناك بنود كانت تنزل على جدول الأعمال في شكل مفاجئ وقبل 24 ساعة من عقد الجلسة، ووصل الأمر الى قرارات سياسية أساسية.

طلبت من الحاج حسين مثلاً فحكى عن طرح السيد سعد الحريري السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وقال laquo;حزب اللهraquo; ان الحل بالحوار والتفاهم، مع أنه لم يسمع بقواعد عسكرية فلسطينية خارج المخيمات على رغم أكثر من 20 سنة له في المقاومة. واتصل السيد حسن نصرالله بالرئيس بشار الأسد، وجاء وفد فلسطيني كبير قابل سماحة السيد وعرض أن يخلي الفلسطينيون مواقعهم، وان يتسلم رجال laquo;حزب اللهraquo; في مكانهم. الا ان السيد حسن رفض العرض لأنه ليس في تجربة laquo;حزب اللهraquo; وجود قواعد ثابتة له ولحاجة الحزب الى مشاورة حلفائه.

قال الحاج حسين ان الحوار قطع شوطاً كبيراً، الا ان الرئيس السنيورة فاجأهم بعقد اجتماع لمجلس الأمن المركزي برئاسته، واتخذ قراراً بتحريك ألوية من الجيش لتطويق القواعد الفلسطينية قرب بيروت، وفي الناعمة وشرق لبنان، ما أحدث صدمة كبيرة وتوتراً. وبعد حادث قتل فيه مسّاح (طوبوغرافيا) قرب هذه المواقع، بذل الحزب جهداً هائلاً حتى فك الطوق وسحب الجيش. والسؤال كان بأمر من أُخِذ هذا الاجراء الذي كاد يودي بالبلد وبالاتفاق مع من. هنا بدأت الثقة تُزعزع.

ومثل ثانٍ هو ما سمع laquo;حزب اللهraquo; عن التزامات قدمتها الحكومة الى تيري رود لارسن، المبعوث الدولي، لوضع آلية لتنفيذ بقية بنود القرار 1559، وهذا يعني السلاح الفلسطيني وسلاح المقاومة اللبنانية، أو laquo;حزب اللهraquo;. واعتقد الحزب ان الكلام مجرد اشاعة الى ان صرح لارسن بأن الحكومة اللبنانية أكدت له التزامها تطبيق ما تبقى من بنود 1559، مع انها كانت تقول ان ذلك شأن لبناني يتحاور اللبنانيون في شأنه ولا علاقة للأمم المتحدة به. وقد تزامن هذا الأمر بعد إدراج الرئيس السنيورة نقطة في جدول أعمال مجلس الوزراء من خارج الجدول تطلب معالجة السلاح الفلسطيني داخل المخيمات.

المحكمة الدولية مثل آخر على الاختلاف في المواقف، فقد أيدتها الغالبية وعارضها laquo;حزب اللهraquo;، وكان رأيه ان مجلس الأمن يخضع للسيطرة الأميركية، وقد تبدأ الأمور باتجاه وتنتهي في اتجاه آخر، فالقرار 1559 بدأ لأن الفرنسيين عارضوا التمديد للرئيس لحود، وانتهى سيفاً مسلطاً على اللبنانيين بمطالبته بسلاح المقاومة والفلسطينيين.

يقول الحاج حسين ان السيد سعد الحريري وافق على مناقشة فكرة المحكمة الدولية، وكلف السيد بهيج طبارة تمثيله في الحوار، وعقدت جلسة فعلاً في منزل صديق مشترك هو السيد مصطفى ناصر. ولكن جبران تويني اغتيل وفوجئ laquo;حزب اللهraquo; بجلسة استثنائية لمجلس الوزراء عنوانها الوحيد المحكمة الدولية وتوسيع عمل لجنة التحقيق أو تشكيل لجنة أخرى.

الحاج حسين والنائب علي حسن خليل، من laquo;أملraquo; ذهبا الى الرياض وأمضيا 48 ساعة في حوار متواصل مع السيد سعد الحريري حول ورقة عمل غيّر فيها وعدّل بالتشاور مع حلفائه على الهاتف.

وكان طلب laquo;أملraquo; و laquo;حزب اللهraquo; الأصلي أن ترسل الحكومة اللبنانية رسالة الى مجلس الأمن تقول فيها ان سلاح المقاومة شأن داخلي لبناني والمقاومة ليست ميليشيا وانما مهمتها الدفاع عن لبنان وتحرير ما تبقى من أرضه وإطلاق الأسرى والمعتقلين. غير ان السيد الحريري طلب ترك الموضوع له، والاكتفاء بقرار لمجلس الوزراء يقرأه وزير الاعلام، وهو ما لم يحصل.

قال الحاج حسين ان الثنائية الشيعية طلبت عبارة laquo;ان سلاح المقاومة للدفاع عن لبنانraquo;، غير ان الأخ سعد طلب الاكتفاء بما ورد في بيان الحكومة اللبنانية، أي ان سلاح المقاومة اللبنانية لاستكمال تحرير ما تبقى من أرضه. غير ان السيد سعد الحريري طلب بعد ذلك حذف هذه العبارة على أن يوضع مكانها laquo;تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوباraquo;. والزميل فيصل سلمان، في مقابلة مع السيد سعد الحريري نشرتها laquo;السفيرraquo; سجل هذه العبارة من النص الثاني للتفاهم وهي laquo;ان المقاومة ليست ميليشيا وأن سلاحها موجه حصراً لاستكمال تحرير مزارع شبعا واطلاق الأسرىraquo;. وكلمة السرّ هنا هي laquo;حصراًraquo;.

وكانت هناك عبارة أخرى عن أن الحكومة اللبنانية ستعمل على متابعة الحوار الوطني داخل الحكومة ومع القوى السياسية غير الممثلة فيها. ووافق السيد سعد الحريري، وعاد الحاج حسين خليل والنائب علي حسن خليل الى لبنان، وذهبا الى السراي لعرض الاتفاق عليه، الا ان السيد سعد الحريري اتصل بهما قبل اجتماعهما مع رئيس الوزراء وطلب حذف عبارة laquo;القوى السياسية غير الممثلة فيهاraquo;. ووافقا.

غير ان الرئيس السنيورة رفض الاتفاق وقال انه رجل مؤسسات وفي حاجة الى مشاورة أعضاء حكومته.

laquo;حزب اللهraquo; يلوم رئيس الوزراء لإحباط اتفاق وافق عليه رئيس الغالبية البرلمانية، الا انه يلوم السيد وليد جنبلاط أكثر من الرئيس السنيورة، فهو على ما يبدو قرر السير بمواجهته مع النظام السوري حتى النهاية، ودعوته الأخيرة الى قلب النظام تقطع طريق الحوار، غير ان لا خيار عملياً سوى الحوار، فكما ان التقدم في السن أفضل من الخيار الآخر، فإن الحوار اللبناني ndash; اللبناني أفضل من الخيار الآخر.