د. أنس بن فيصل الحجي
تشير التوقعات إلى زيادة كبيرة في استهلاك النفط في كل من الهند والصين خلال العقدين المقبلين. ستجعل هذه الزيادة كلتا الدولتين تركزان على الدور الاستراتيجي لدول الخليج في مستقبل كل منهما. وبما أن السعودية تحتوي على أكبر احتياطيات للنفط في العالم، وتمثل أكبر اقتصاد في العالم العربي، وقوة سياسية في المنطقة، فإن دورها في مستقبل كل من الصين والهند سيتعاظم مع الزمن.
إن هذه النتيجة تحتم على كل من الصين والهند أن تطورا علاقاتهما مع دول الخليج من نفط - عمالة رخيصة في حالة الهند ونفط - بضائع رخيصة في حالة الصين إلى علاقة استراتيجية تعكس التطورات المستقبلية. من هنا تنبع أهمية زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى كلا البلدين. فهذه الزيارة ليست للبحث عن سوق للنفط، لأن هذا الأمر محسوم من البداية، وإنما لتطوير العلاقات إلى مستوى استراتيجي بحيث تنظر هاتان الدولتان إلى السعودية على أنها حليف استراتيجي، وليس مجرد بائع للنفط فقط. إن زيارة الملك عبد الله لهاتين الدولتين تعكس تغيراً جذريا في نظرة المملكة إلى هاتين الدولتين، ولكن هل تغير هاتان الدولتان نظرتهما للمملكة؟
أورد الخبراء آراء كثيرة حول مستقبل الصين والهند. لكن الواقع أن لدول الخليج بشكل عام والسعودية بشكل خاص دورا كبيرا في رسم مستقبل هذين البلدين لأنها ستكون المصدر الأساس للطاقة بعد عقدين من الزمن. لذلك فإن سياساتها الخارجية وعلاقتها الثنائية ستلعب دوراً كبيراً في نمو أي من هاتين الدولتين أو كلتيهما معاً. ويدرك كل من الدولتين هذا الأمر لذلك سيتسابق كل منهما مع الأخرى لإغراء السعودية بتعزيز العلاقات الثنائية في كافة المجالات. الدولة التي ستكسب في النهاية هي الدولة التي ستفتح كل أبوابها لاستقبال الاستثمارات السعودية في مجال المصافي والبتروكيماويات، وليست الدولة التي ستقدم وعوداً سياسية أو تأييداً معنوياً للقضايا العربية.
إن المشكلة الأساسية التي قد تقوض من نتائج الزيارة الحالية لخادم الحرمين الشريفين إلى الصين والهند هي التفاؤل المفرط لدى المسؤولين في كلتا الدولتين لما قد تنتج عنه الزيارة. فنهم كلا البلدين للطاقة والقلق المتزايد بشأن إمدادات النفط المستقبلية قد يجعلهما يركزان على النفط بشكل أكبر مما يريده الزوار السعوديون، الأمر الذي قد يضيع فرص تطوير العلاقات الثنائية من مجرد بيع وشراء للنفط إلى شراكة استراتيجية. لذلك فإن على المسؤولين في كل من الهند والصين أن يكونوا واقعيين في تفاؤلهم ويركزوا على ما يريده السعوديون أيضاً، بنفس درجة اهتمامهم بإمدادات النفط. إن ما يطمح إليه الهنود والصينيون في حقيقة الأمر لن يتحقق. فهم يطمحون إلى أن يتم السماح لشركات النفط الهندية والصينية بالاستكشاف والتنقيب عن النفط في السعودية، ولكن السعودية لن تسمح بذلك في الوقت الحالي. إن كل ما يمكن أن تقدمه السعودية في هذا المجال هو السماح لهذه الشركات للاستثمار في قطاع الغاز فقط. لكن هناك مجالات أخرى للتعاون خاصة في مجالات تقنية المعلومات، كما يمكن الاستفادة من الهند والصين في مجالات الطاقة المتجددة, والاستفادة من تجربة الهند في تخفيف التلوث في المدن الخليجية.
لا يمكن تجاهل دور النفط في المحادثات، خاصة أنه مصدر الوضع الاستراتيجي للمملكة في الوقت الحالي. فالتعاون في مجال النفط يتناسق مع فكرة المملكة المتعلقة بزيادة التعاون بين منتجي النفط ومستهلكيه، ومع الأفكار التي يدعو لها وزير النفط الهندي ماني شنكار المتعلقة بزيادة التعاون بين الهند والدول المنتجة للنفط. فزيادة التعاون بين المملكة والهند والصين واستثمار المملكة في المصافي الهندية والصينية يضمن أمن الإمدادات من وجهة نظر الصين والهند، ويضمن أمن الطلب من وجهة نظر المملكة. لكن الحقيقة أنه رغم رغبة الهند والصين في زيادة التعاون في مجال النفط مع المملكة، إلا أن سياسات كلاهما تهدف إلى تنويع مصادر واردات النفط وعدم الاعتماد على دولة واحدة بشكل كبير. لذلك فإنه ينبغي إدراك حقيقة مهمة وهي أنه رغم حاجة الصين والهند إلى نفط المملكة، إلا أنه مازالت هناك خيارات أخرى أمام هاتين الدولتين، لكنها خيارات صعبة.
ذهب بعض المحللين إلى أبعد من ذلك حيث ذكروا أن المملكة تحاول تعزيز وجودها في أسواق الطاقة الهندية والصينية في محاولة لاستباق الخطوات الروسية والإيرانية الرامية إلى منافسة السعودية في الصين والهند. هذه الأفكار, رغم بعدها عن الواقع في الوقت الحالي، إلا أنها تعكس البعد الاستراتيجي لزيارة الملك عبد الله وكيف يمكن أن تفسر هذه الزيارة في بعض العواصم العالمية. إن السعودية شاءت أم أبت، سيظل ينظر إليها من خلال منظار النفط، وسيظل النفط يحكم جزءاً كبيراً من علاقاتها الدولية.
إن التفاؤل المفرط للصينيين والهنود بنتائج هذه الزيارة قد يعطي انطباعاً بعدم تحقيق الزيارة لنتائجها، كما أن اقتناع السعوديين بأنه لا مفر للصين والهند من الاعتماد على النفط السعودي قد يخفف من إيجابيات هذه الزيارة. الواقع أن لهذه الزيارة انعكاسات عديدة أقلها تعزيز العلاقات الثنائية مع هذين البلدين. إلا أن الأمل هو أن ينتج عنها تطور في العلاقات الثنائية وزيادة التبادل الثقافي والعلمي بحيث تتطور إلى علاقة استراتيجية تقوم على أعمدة متعددة، وليس على النفط فقط.
التعليقات