تركي بن عبد الله السديري

لو ارتضت المملكة أن تكون مجرد جزء من منظومة عربية أو قوة دفاع فقط عن القضية الفلسطينية أو انفراد برعاية الأماكن الإسلامية المقدسة واستضافة الحجاج بكل كرم لكان ذلك جيداً في حد ذاته لكنه لن يعني أن المملكة قد مارست كل أدوارها الإيجابية التي تؤهلها لها إمكانياتها..
في مثل هذا التصور تكون المملكة قد أهدرت ما يعطيها مضاعفات لقوة حضورها في تلك المشاركات بقدرات حضورها في مشاركات دولية..

نعم نستطيع أن نكون داعمين للحق الفلسطيني لكن يجب ألا يعني ذلك أن تقتصر رؤيتنا للعالم من نافذة فلسطينية فقط.. يجب أن نهتم بأمن لبنان وسلامة سوريا وعودة الاستقرار للعراق لكن ليس من خلال تقاسم الخصومات مع الضد لهذه الدول..

العالم العربي عاش هذا الانعزال الذي كان يتصور ذاته فيه يمارس حضوراً وطنياً فاعلاً وعندما تلاشت إمكانيات معظم أقطاره لم يكن ذلك مؤلماً بشكل ملحوظ لأنها أساساً لم تكن هناك إمكانيات قادرة على الاستمرارية..

صحيح أن الادعاء الثوري قد قوّض أساسات المؤسسات المدنية مثلما قوّض أساسات الاقتصاد لكن تبقى حقيقة أنه لم تكن توجد هناك ثروة مميزة..

في المملكة هناك ثروة مميزة.. هناك فرص تاريخية تأسيسية لو أهدرت لضاع العمر الحضاري الذي يفترض أن تعيشه الأجيال القادمة.. نحن الآن في عصر رخاء إيرادات النفط أما الأجيال القادمة فهي بانتظار نتائج توظيف تلك الإيرادات والتنوع الصناعي من الإنتاج..

إنني لا أستشرف مجهولاً..!

لكنني أتأمل خطوات حضور نحو هذا الواقع.. مشاوير انتشار تزامل مع قوى العالم المؤثرة.. مثلما أنه لم يعد يجوز أن نكون مجرد جزء من قضية عربية ولا أن نكتفي باستقبال وفود حجاج سنويين أيضاً لم يعد الغرب وحده مصدر قوة الانطلاق الاقتصادي.. أمريكا بدلاً من أن تتفرغ لممارسة سيادة اقتصادية وصناعية تورطت بمشاكل عسكرية وسياسية ربما أصبحت تحتاجنا في قسوة ظروفها أكثر مما نحتاجها في مرونة ظروفنا..

نحن الآن.. (المملكة) في موكب الملك عبدالله.. نتجه نحو الشرق.. الشرق.. هذه المجاميع الهائلة من البشر التي قررت أن تخرج من مساحات الفقر إلى فضاءات الثروة وعجز عن ذلك العالم العربي الذي هو الأقل سكاناً والأكثر مصادر ثروة.. بكين.. دلهي.. كوالالمبور.. عواصم تقود مجاميع الشرق الكبير نحو السيادات الاقتصادية حيث لم يعد تعبير النمور كافياً ذلك الذي كان في حجم نمو تايلند واندونيسيا وماليزيا.. فالقادمون الكبار أصبحوا يمثلون قلقاً واضحاً بالنسبة للجار القوي المشبع بالثروة (اليابان) وانتشار البضاعة الرخيصة من بكين أصبح ذا انزلاق مغر فلت من رقابة الاحتكار الغربي والأمريكي..

أما إسلام أباد فهي حليف قديم يبحث مثلنا أيضاً عن وسائل توسع فرص التقدم والتوهج الحضاري في زمن باتت تتباعد فيه المسافات بشكل مخيف بين من يصنف غنياً بمصادر تطوير الاقتصاد وبين من هو فقير بمسببات ندرتها..

نحن نملك هذه المصادر.. وقد ورد في تقرير لمجلة النفط والغاز الأمريكية مؤخراً أن المملكة ستتحول إلى عاصمة عالمية لصناعة البتروكيماويات وأن حصتها العالمية سوف تتصاعد إلى الضعف وفي زمن وجيز..

هذا رائع.. فعجلوا أيضاً بثقافة التقنية وجامعاتها كما وعدتنا خطة التنمية الثامنة..