خير الله خير الله

ما الذي يدفع ايران الى الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي بسبب برنامجها النووي؟ قد يكمن الجواب في ان النظام في أيران وجد ان لديه من أوراق الضغط ما يسمح له في الذهاب بعيداً في هذه المواجهة, ويقدّر النظام أنه سيخرج منتصراً من أي مواجهة، فيكرس بشكل نهائي الدور الأقليمي لايران بصفة كونها القوة المهيمنة في منطقة الخليج من جهة، وقوة لا بد من أخذها في الحسبان في الجانب الآخر من القارة الآسيوية من جهة أخرى, والجانب الآخر هو شبه الجزيرة الهندية، لان الهند وباكستان هما القوتان اللتان استطاعتا تطوير سلاحهما النووي، بعيداً عن أنظار العالم وفرضتا عليه أمرأً واقعاً لم يكن لديه خيار سوى القبول به.
ما دامت الهند وباكستان استطاعتا امتلاك القنبلة النووية، لماذا لا تفعل ايران ذلك؟ ولماذا يقبل العالم بالهند وباكستان قوتين نوويتين ولا يقبل بالقنبلة الايرانية؟ أكثر من ذلك لماذا يسكت العالم عن أسرائيل التي تمتلك السلاح النووي منذ عقود عدة وترفض ألخضوع لأي عملية تفتيش بموجب القوانين المعمول بها دولياً؟
قبل كل شيء، لا يمكن مقارنة ايران بالهند وباكستان وذلك لسبب في غاية البساطة يعود الى أن الهند امتلكت القنبلة تاريخياً بدعم ما كان يسمّى الاتحاد السوفياتي الذي أراد اقامة توازن بينه وبين الصين في مرحلة ما, أما باكستان، فقد جاء امتلاكها للسلاح النووي بدعم صيني، وذلك كي تقيم بدورها توازناً مع الهند, وفي كل الأحوال، بات العالم يقبل هذه المعادلة من منطلق أن الهند وباكستان تمتلكان سياسة مسالمة ولا أطماع لأي منهما خارج حدوده، والنزاع الوحيد الذي تورط فيه البلدان هو النزاع القائم بينهما بسبب كشمير.


بالنسبة الى اسرائيل، كان السماح لها بامتلاك السلاح النووي قراراً اوروبياً أوّلا، ما لبث أن صار قراراً عالمياً، بعدما قبلت الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الأمر الواقع المتمثل في أن الدولة اليهودية قوة نووية, بالطبع، لا يمكن الدفاع بأي شكل عن امتلاك اسرائيل السلاح النووي، الاّ أنه ما لا بد من ملاحظته هو أن العرب رغم كل الهزائم كلها التي لحقت بهم استطاعوا استيعاب اسرائيل وسياستها التوسعية، ولم يسمحوا لها بان تكون صاحبة تأثير أو نفوذ في أي عاصمة عربية، بما في ذلك في عاصمتي الدولتين اللتين وقعتا معاهدة سلام معها، أي مصر والأردن, بقي التطبيع مع اسرائيل محدوداً جدّاً, ولم يكن هناك يوم كان فيه التطبيع حقيقة تستحق الأخذ والرد، الاّ لدى بعض العقول المريضة التي لا تقبل التعاطي الاّ مع الأوهام, والمؤسف هذه الأيام ان تصريحات تصدر عن مسؤولين ايرانيين توفر غطاء للقنبلة النووية الاسرائيلية.
أن تتحوّل ايران الى قوة نووية، ذلك أمر مختلف، ليس لأن ايران الحالية أكثر خطورة من اسرائيل، بل لأن أيران استطاعت في الاعوام الأخيرة أن تكون المستفيد الأوّل من الحرب الأميركية على الارهاب، وأن تعزز نفوذها في اتجاهات مختلفة، بما يتناسب مع أيديولوجية تصب في المصلحة الايرانية فقط, فايران عززت نفوذها في أفغانستان بعد سقوط نظام laquo;طالبانraquo; الذي كان يناصبها العداء, وبفضل السياسة الأميركية أيضاً، استطاعت الانتقام من النظام العراقي الذي خاض معها حرباً طويلة في الثمانينات من القرن الماضي, لعبت ايران أوراقها في العراق بذكاء كبير، وكانت في الواقع العملي، بعيداً عن الشعارات الرنانة، الحليف الاقليمي الوحيد للادارة الأميركية في حربها على العراق, والدليل على ذلك أنها أيدت الحرب ضمناً، ودعمتها عملياً، ثم أيدّت كل الخطوات التي أقدم عليها الاحتلال الأميركي بهدف التخلّص من المعادلة التي حكمت العراق في الماضي واقامة معادلة جديدة ترتكز على laquo;الأكثرية الشيعيةraquo; في البلد، وعلى نظام فيديرالي يؤدي في نهاية المطاف الى قيام جنوب شيعي تحت الهيمنة الايرانية, ومتى أدركنا أن الجنوب هو المنطقة الغنية بالنفط، يبدو واضحاً كل الوضوح أن ايران لن تتخلى بسهولة عن تلك المنطقة، وستكون على استعداد للضغط في اتجاه سيطرة الأكراد على كمية من نفط كركوك تكون جائزة ترضية لهم على دعمهم قيام كيان شبه مستقل في الجنوب.
بعد حرب العراق، باتت ايران تدرك ان حلمها القديم تحقق, حققه لها من تسميه laquo;الشيطان الأكبرraquo; الذي صار جنوده رهائن لديها، بعدما خلّصوها من نظام سعت دائماً الى التخلص منه, في يوم واحد يستطيع الايرانيون، بفضل ميليشياتهم المنتشرة في العراق بغطاء أحزاب عراقية شيعية أحياناً ومن دون هذا الغطاء في أحيان أخرى، أن يلحقوا بالأميركيين والبريطانيين المنتشرين في الجنوب كل ما يريدونه من أذى، فلماذا لا يكون هناك استغلال لهذا الوضع الذي أوجده الأميركيون والانطلاق في اتجاه تحقيق الطموحات ذات الطابع النووي؟ هل من فرصة أفضل من هذه الفرصة التي قد لا تتوفر مرة أخرى في المدى المنظور؟


تخلّصت ايران بفضل laquo;العدوraquo; الأميركي، الذي تبين أنه يعمل لديها عن قصد أو غير قصد، من نظام laquo;طالبانraquo; وصار العراق منطقة نفوذ تابعة لها حتى لا نقول أكثر من ذلك، وتبين أن اعادة رسم خريطة الشرق الأوسط تصب في مصلحتها أوّلا, ولعلّ أفضل دليل على ذلك الوضع السوري الذي طرأ عليه تحوّل في غاية الأهمية, يتمثل هذا التحول في أن ايران صارت لاعباً أساسياً في سورية ــ بشار الأسد, وبكلام أوضح، لم تعد دمشق تستغل كما كان يحصل في الماضي، أيام الرئيس حافظ الأسد، العلاقة مع طهران، في لعبة شدّ الحبال مع المحيط العربي، بل صارت دمشق بكل بساطة جزءاً من السياسة التي تقرر في طهران وجزءاً من الاستراتيجية الايرانية, انه انقلاب حقيقي في موازين القوى بين العاصمتين في وقت يواجه النظام السوري صعوبات على غير صعيد، وعزلة دولية لا سابق لها تجعله أكثر فأكثر تحت رحمة النظام الايراني, بكل بساطة صارت طهران الان هي التي توّظف دمشق في اللعبة التي تمارسها على الصعيد الاقليمي، في حين أن العكس كان صحيحاً في الماضي في عهد الأسد ــ الأب, وقد انعكس ذلك بوضوح على لبنان، اذ تحولّت أداة ايرانية اسمها laquo;حزب اللهraquo; حليفاً يتعاطى بندية مع النظام السوري، في حين كان الأمر مختلفاً في الماضي حين كان النظام السوري يعمل على ابقاء مسافة معينة بين الجانبين في العلاقة مع laquo;حزب اللهraquo; مع التأكيد باستمرار أنه صاحب الكلمة الأولى والأخيرة التي لا تُرد في لبنان, صارlaquo;حزب اللهraquo; حاجة لسورية في لبنان، حتى في مرحلة ما قبل الانسحاب العسكري السوري من البلد، في حين كان الحزب في أمس الحاجة الى النظام السوري في عهد حافظ الأسد, لقد اختلفت المقاييس في التعامل بين الجانبين وصار الخلل القائم حالياً لمصلحة الحزب في العلاقة بينه وبين دمشق، وهذا الخلل مرشّح لأن يزداد يومياً.


من يمتلك كل هذه الأوراق الاقليمية تضاف اليها ورقة النفط الذي أمنت اسعاره بحبوحة للنظام جعلته قادراً الى حدّ ما على مواجهة الضغوط الداخلية، يبدو قادراً على ضرب الاعتراضات الدولية عرض الحائط على البرنامج النووي الايراني, وفي كل الأحوال، هناك ورقة ايرانية تضاف الى كل هذه الأوراق، تتمثل في القدرة على تعطيل جزء من انتاج النفط في الخليج في حال تعرض الأراضي الايرانية لأي عمل عسكري.
ليس سهلا على العالم القبول بالبرنامج النووي الايراني، كذلك ليس سهلاً عليه اجبار أيران على التخلص منه, الأكيد أن ايران ستحتل العناوين الكبرى للصحف ووسائل الاعلام المختلفة في العام 2006، وستظل السؤال المحيّر الذي يفرض نفسه بالحاح على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين؟ ما العمل مع أيران؟ هل مسموح لدولة تمتلك كل هذه الطموحات دخول النادي النووي؟ الجواب، ان ذلك ليس مسموحا،ً علماً بأن كل شيء سيعود في النهاية الى مدى الاستعداد الأميركي في الذهاب يعيداً في التخلص من البرنامج النووي الإيراني؟ هل يذهب الأميركيون الى الحد الذي ذهبوا اليه في العراق الذي أجبر على التخلي باكراً عن طموحاته النووية، أم يذهبون الى أبعد من ذلك؟ الأمر الوحيد الذي يمكن الجزم به أن الأسابيع، وربما الأشهر القليلة المقبلة، ستكون حبلى بالمفاجآت والمساعي الهادفة الى تطويق ايران بهدف تدجينها! هل تحول الأوراق الكثيرة والخطيرة لدى أيران دون التدجين؟ ربما نعم، وربما لا مع ترجيح اللا على النعم.

كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن