الجزائر- مصطفي فتحي :

فجّر مدني مزراق قائد الجيش الإسلامي للإنقاذ سابقا قنبلة في تصريحات صحفية أدلي بها لأسبوعيةlaquo;لوجون أفريك انتيليجونraquo; في عددها الاخير، حول سنوات الإرهاب التي عصفت بالجزائر، والحرب التي قادها ضد القوات النظامية في جبال جيجل (350 كلم شرق العاصمة)، حينا اقرّ واعترف بأنه قتل بيديه العديد من العسكريين وبطريقة بشعة بل وأكد انه ليس نادما علي جرائمه تلك محاولا ان يجد لأفعاله الشنيعة مبررات لكنها واهية من مثل ان منطق الحرب فرض عليه وعلي جيشه الإسلاميlaquo; ان يخالف تعاليم الإسلام وآدابه في الحرب علي فرض ان تمرده ضد بلاده هو في عين الشريعة جهاد مقدس كالذي خاضه الجزائريون ضد فرنسا ومن ورائها حلف الناتو.

و يرفض ابن مدينة جيجل وصف التائب عن الإرهاب، ويؤكد انه قاد حربا عادلة، ودخل في مفاوضات توجت باتفاق حول الهدنة مع قيادة أركان الجيش وسلاحه بيده،وهو الاتفاق الذي يعتبره المتتبعون بأنه أنقذ الجيش الإسلامي من المأزق الذي كان يتخبط فيه في الفترة ما بين 1994 و ،1997 بسبب الضربات المتتالية لقوات الجيش من جهة في جبال جيجل، القل والشلف (200 كلم غرب العاصمة)، وبين عنف الجماعة الإسلامية المسلحة التي شنت عليهم حربا ضروسا في الجبال، مما اضطره في الأخير إلي التوقيع علي وثيقة رسمية يعترف من خلالها بوجود جيش واحد في الجزائر هو الجيش الوطني الشعبي.

باعترافاته هذه أعاد مزراق فتح جراح الجزائريين التي لم تلتئم بعد في الوقت الذي يبذل فيه الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة جهودا جبارة وصراعات مريرة مع الزمر والعصب النافذة في أعلي هرم السلطة من اجل تجسيد المصالحة الوطنية الحقّة ولم شمل الجزائريين وطي صفحة الإرهاب نهائيا.

فقد صرح مزراق للمجلة انه قتل عسكريا في 1993 في منطقة جيجل حينما نصب مع رجاله كمينا لدورية للجيش الجزائري، وقتل جنديا في ريعان شبابه، واحتفظ بسلاحه لسنوات (كلاشينكوف)، لكنه يقول إنه يكره هذه البندقية لأنها تذكره بمنظر ذلك العسكري الشاب وهو يسلم الروح إلي بارئها.

وليست هذه هي المرة الأولي التي أزهق فيها مزراق الأرواح، فقد اعترف احد الضباط السامين في الجيش الجزائري بان رصيد مزراق في القتل يضم العديد من الجرائم، فقد قتل احد الجنود بسيف قبل ان يمزقه إلي قطع. كما انه لم يتهرّب من مسؤولية قتل العسكريين ضحايا حربه ضد الجيش النظامي، فقد تحمل مسؤوليتهم جميعا، لكنه يصّر بان ما يميّز جيشه عن الجماعة الإسلامية المسلحة أكثر التنظيمات الإرهابية دموية في الجزائر، بأنه لم يستهدف قط وطوال سنوات الأزمة أيا من المدنيين عكس الجماعة الإسلامية المسؤولة عن المجاز الجماعية، بل كان هدفه الأول كل من يحمل قبعة و زيا رسميا يرمز إلي الدولة الجزائرية.

لكن وبمجرد اندلاع الحرب فان كل الوسائل متاحة ومسموح بها في معركته ضد السلطة، من خطف واغتيال وحواجز مزيفة، شن هجمات ضد وحدات الجيش، بالإضافة إلي تصفية كل من يشتبه في أنهم عملاء للمخابرات و الشرطة، السرقات، السطو علي الممتلكات.

وأضاف بان شراسة الحرب التي خاضها ضد القوات الجزائرية انعكست علي تعامل رجاله مع الأسري والمساجين من القوات النظامية حيث كان يتم قتلهم مباشرة وهو ما كان يثير مشاعره، لكنها الحرب تفرض عليه سلوك ذلك النهج،

فإما ان تقتل أو ان تقتل علي حد قوله.

وعلي العكس والنقيض من سوء معاملته ورجاله للأسري والسجناء من القوات النظامية، اعترف مزراق ان الجيش الجزائري، عدوه بالأمس، كان يتحلي بأخلاق الإسلام في الحرب وهو ما تثبته هذه الواقعة في احدي عمليات التمشيط التي شنتها القوات الجزائرية في جبال جيجل، استطاع مزراق رفقة رجاله الفرار من قبضة الجيش سنة ،1996 لكن زوجته وأطفاله القي عليهم القبض في احد المخابئ، فما كان من العسكر إلا ان أعادوهم إلي بيت عائلة مزراق في مدينة قاوس بولاية جيجل.

وفي الأول من أكتوبر 1997 ، أي خمس سنوات بعد حمله للسلاح، أعلن مدني مزراق هدنة أحادية الجانب، ومع مجيء الرئيس بوتفليقة إلي الرئاسة في ،1999 أعلن انه سيجعل من استعادة السلم إحدي أولوياته الرئيسية، وتم تنظيم استفتاء شعبي حول الوئام المدني في سبتمبر ،1999 وأطلق سراح الآلاف من الإسلاميين من عناصر الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة. وفي يناير 2000 يستفيد مدني مزراق و5000 من رجاله يستفيدون من عفو شامل ويصبحون في منأي عن أية متابعات قضائية.

وعن أموال الجيش الإسلامي للإنقاذ وفي ما إذا كان مزراق قد اغتني من الحرب التي قادها ضد القوات الحكومية، قال مزراق إن الجيش الإسلامي ليس له أي خزينة، واليوم بعد الحل الذاتي للتنظيم يري أنه مجبر علي متابعة الأحوال الاجتماعية ومستقبل رفاقه القدامي في السلاح، مشيرا إلي انه يقوم بما اسماه خدمة ما بعد البيعlaquo;. وأضاف مزراق بان هذه الأموال موجودة في مكان ما، لكن الأكيد أنها ليست في أي بنك من البنوك الجزائرية، نافيا ان يكون صاحب مصنع للمياه المعدنية بالاشتراك مع احد الجنرالات النافذين في الجيش الجزائري كما أشيع عنه.

وأوضح مزراق انه لا يخشي عائلات ضحايا الإرهاب ان هي أرادت متابعته قضائيا بسبب الجرائم التي ارتكبها إبان سنوات الإرهاب، مؤكدا انه لا يخشي أي شيء ولا من أي احد.

وبرأي المحللين فان مزراق قائد الجيش الإسلامي للإنقاذ سابقا يجسد كل متناقضات لجزائر ،2006 فمن جهة هو يجسد نهاية الإرهاب المسلح منذ ان قرر وضع السلاح جانبا، ومن جهة أخري يعيد إلي الواجهة قضية الظلم المسلط

علي ضحايا المأساة الجزائرية ما دام قد تم تبييض كل جرائمه التي ارتكبها حينما كان علي رأس التنظيم.

مزراق الذي كان بالأمس إرهابيا وزعيما لتنظيم إرهابي يسمي الجيش الإسلامي للإنقاذ، تحول اليوم وبقدرة قادر إلي واحد من الأعيان، ولا يحدث هذا إلا في الجزائر، وأصبح سياسيا يعقد الندوات الصحفية ليعلن عن نيته تأسيس حزب سياسي في الوقت الذي حظرت فيه السلطة في ميثاق السلم والمصالحة الوطنية علي زعماء الجبهة الإسلامية للإنقاذ ممارسة السياسة من جديد.

لكن السؤال الذي يشغل بال المتتبعين يتعلق بتوقيت هذه التصريحات والجهة التي تقف وراءها، وقد اعترف الرئيس للجزائريين بان دوائر قوية في السلطة ترفض المصالحة الحقيقية، وفي الوقت الذي ينتظر فيه ضحايا الأزمة الوطنية من الطرفين و علي أحّر من الجمر ان يفرج الرئيس بوتفليقة عن المراسيم الشارحة لميثاق السلم والمصالحة الوطنية، لإلقاء السلاح و تسليم أنفسهم للسلطات قصد الاستفادة من هذه التدابير.